جامع الأمير عبد القادر مع إطلالة الموسم الجامعي الجديد (2009-2008) تكون الجامعة الإسلامية الأمير عبد القادر بقسنطينة قد طرقت ربع قرنها الأول في مسيرتها العلمية منذ أن أسس لوجودها علماء كبار من أمثال القرضاوي والغزالي والبوطي، وجابر فياض العلواني ومحمد التومي وعبد الرحمان عمر الماحي وعلماء آخرون... لكن ماذا حققت الجامعة الإسلامية بعد ربع قرن؟ وكيف حالها ما بين جيل الراحل محمد الغزالي والجيل الحالي الذي تتهاطل عليه الفضائيات بالدعاة؟ ولماذا عجزت الجامعة الإسلامية عن إنجاب داعية أو مفتي يحدث الإجماع ويقينا شر التغريب وبدعة التشريق التي تكاد تمزق مجتمعنا... * * بومدين أرادها امتدادا للجامعات الكبرى * * جامعة قطر بحثت عن » رئيس جزائري« * * 50 مليارا تصرفها الدولة على الجامعة * * أسئلة طرحتها الشروق في منتداها على الدكاترة عبد الله بوخلخال رئيس الجامعة الإسلامية منذ إحدى عشرة سنة ومحمد جعيجع مختص في الدعوة والإعلام وحسان موهوبي في اختصاص كتاب وسنة وصالح نعمان في العقيدة والفكر الإسلامي وكلهم من خريجي الجامعات العالمية والمشرقية ويقودون حاليا الجامعة التي تجزأرت بصفة كاملة. * * بومدين تبرع ب30 مليونا من جيبه وبوتفليقة زارها خمس مرات * * * دأبت الجامعة الإسلامية منذ ثماني سنوات على تسمية الدفعات المتخرجة بأسماء علماء ومفكرين مثل آيت بلقاسم ومالك بن نبي ويحيى بوعزيز الذي منحته بعد وفاته دكتوراه فخرية. ودأبت أيضا على إصدار كتاب عن العالم الذي تطلق على الدفعات اسمه. وعاد بنا الدكتور بوخلخال إلى السبعينيات من القرن الماضي عندما وضع الراحل هواري بومدين حجر الأساس لبناء الجامع وتبرع من جيبه الخاص ب30مليون سنتيم، ولكن الجامعة والجامع عاشا مخاضا عسيرا مما جعل بومدين يقول في شبه يأس »هذا الجامع ما يصلي فيه غير طويل العمر«، كما قال إنها ستكون امتدادا لجامعي الزيتونة والقرويين. * ويرى الدكتور بوخلخال أن الجامعة الإسلامية حققت أهداف إصلاح التعليم العالي التي نادى بها بومدين عام 1968 وسعى لتنفيذه عام 1971 وهي الديمقراطية ومجانية التعليم والتعريب ولامركزية التعليم وخاصة الجزأرة، حيث انتدبت الجامعة منذ تأسيسها ما لا يقل عن مئة وستة إطارات عالميين وهي الآن تكمل مسيرتها بإطارات جزائرية وأكثر من ذلك أصبح المتخرجون من الجامعة الإسلامية (يصدّرون) للتدريس في الجامعات الإسلامية الكبرى. * وإذا كان بومدين هو الذي وضع حجر أساسها عندما التقى عام 1968 بأعيان مدينة قسنطينة، فإن الشاذلي بن جديد هو الذي دشنها عام 1984 ، منح إدارتها للدكتور عمار طالبي وتمكنت لجنة خاصة يمكن وصفها بالرئاسة العلمية من إقناع كبار العلماء ومنهم الشيخ الغزالي الذي قاد الجامعة لتكون أنموذجا فريدا أخذ من الأزهر ومن الجامعات السعودية الكبرى وهي أم القرى والمدينة المنورةوالرياض. ويرى الدكتور بوخلخال، أن التاريخ والجغرافيا والطب هي علوم إسلامية وهو ما يؤكده الدكتور حسان موهوبي عندما يقول إن العلوم الشرعية التي تدرسها جامعة الأمير عبد القادر هي فرع من العلوم الإسلامية. * ويشعر الدكتور محمد جعيجع بالافتخار عندما يقول إن الأجيال الحالية تأخذ العلم من أبناء وطنها في كل الفروع، ويشعر بالعزة وهو يقول إن 75 أستاذا حاليا كانوا تلاميذ في أقسامه. ويتأسف الدكتور صالح نعمان، مختص في العقيدة والفكر الإسلامي، على بعض التهميش الذي طال بعض نخب الجامعة التي كانت رائدة في تخريج دفعات ماجيستير ودكتوراه في القراءات تم تهميشهم في نشاطات علمية وإعلامية بارزة مثل فرسان القرآن وهو ما يرشح لنزيف متواصل وضرب مثالا صارخا عن الدكتور بوركاب الموجود حاليا في جدة بالسعودية وهو حاصل على دكتوراه دولة في علم القراءات من دمشق ومرجعية عالمية وكان من خريجي جامعتنا الإسلامية بحصوله على ليسانس في الفقه، ولم يبذل (فرسان القرآن) جهدا ليكون مؤطرهم في حصتهم المتميزة. * * * * * متى يصبح للجزائر "عالم" يحدث الإجماع؟ * * الجزائريون يفضلون الفتوى العابرة للقارات * * * هل يكفي ربع قرن لتنجب الجزائر داعية أو مفتيا أو عالم دين أو مرجعية يمكن لعامة الناس وللسلطة الرجوع إليه في القضايا البسيطة والمصيرية؟ * * سؤال بدا فيه الكثير من الإحراج و أيضا من العمق ووجد إجابات مختلفة، فاعتبر الدكتور بوخلخال بأن إنجاب العلماء يحتاج إلى استقرار شعبي وثقة الجزائريين بأنفسهم وبعلمائهم، فمن غير المقبول أن يرفضوا فتوى يقدمها لهم دكتور جزائري ويقبلون على فتاوى الفضائيات دون أن يعلموا أشياء عن مستوى المفتي وإخلاصه. ودافع الدكتور بوخلخال عن الكفاءات الجزائرية التي قال إن حضورها في اللقاءات الدولية وتدخلها دائما متميز ويثير إعجاب العلماء من كل العام. * ويتألم الدكتور محمد جعيجع، الذي درس في دمشق، وهو يروي حادثة عاشها في سوريا عندما شاهد طالب شريعة جزائري أعجبه عنوان كتاب إسلامي فتناوله وعندما وصل إلى مصلحة دفع ثمنه لاحظ أن كاتبه جزائري فأعاده إلى مكانه. ويخلص جعيجع السؤال في أننا نعيش مشكلة تربوية اجتماعية. ويخلص إلى أن مجتمعنا منهزم مرتين شرقا وغربا. * أما الدكتور حسان موهوبي فيذكر الجميع بأن جامعتنا الإسلامية فتية وعلى الجميع أن يتذكر أن عمر الأزهر فات الألف عام وكذلك الزيتونة بتونس والقرويين بالمغرب. ويرحل الدكتور صالح نعمان تاريخيا إلى كون الاستعمار أحدث القطيعة الكبرى بين جذور الشعب وآماله، ليعود إلى الواقع فيرى أن الجانب الإعلامي المرئي يلعب دورا كبيرا في إبراز هؤلاء الدعاة الذين لولا الفضائيات لما تعرف الناس عليهم، كما أن الطباعة عندنا تسير بعقلية تجارية بحتة، ناهيك عن الغزو الفكري لبيئتنا بين الغربي والإسلامي الشرقي حتى وإن كان هذا الغزو من دون سبق إصرار وترصد. * ويعود الدكتور جعيجع ليكشف أن العلماء في الخارج يتكلمون ويخطبون فيذيع صيتهم وتصبح كتبهم تلقى رواجا كبيرا، بينما في غياب وسائل الإعلام المرئية عندنا على العالم أن يحرق عمره في التأليف وقد لا يذيع صيته ويبقى نسيا منسيا. * ويكشف أيضا عميد الجامعة الإسلامية عن عدد من خريجي جامعة الأمير عبد القادر الذين يقودون التدريس في أندونيسيا وماليزيا وباكستان وروسيا ومنهم حتى عمداء الكليات. ومن الطرائف، أن جامعة قطر التي تم تأسيسها قبل سنتين بحثت عن رئيس جامعة من الجزائر! ويكفي القول أيضا أن الدكتور محمد بوساق، ابن قسنطينة، هو حاليا رئيس قسم الدراسات الأمنية في الرياض ووكيل الكلية بجامعة نايف بالرياض. واختصر (الألم) الدكتور جعيجع بالقول، نحن أمة مشافهة ولدينا علماء ومنهم المرحوم أحمد حماني الذي هو حاليا حجة فقهية في كل دول العالم... وللأسف ليس في الجزائر! * ويبقى دور الإعلام المرئي حاسما جدا، ففي آخر ملتقى دولي انتظم بسطيف بحضور علماء من عشر جنسيات كان تلفزيوننا على الهامش، بينما تتابع قنوات أجنبية مثل الجزيرة ملتقيات أقل وزنا ويتدخل الدكتور بوخلخال ليقول إن جامعتنا الإسلامية رائدة تكنولوجيا، ففي آخر ملتقياتها العلمية الدولية كان ضمن ضيوفها الدكتور جابر العلواني من جامعة فرجينيا بالولايات المتحدةالأمريكية ولكن ظروفا صحية جعلته يبقى في القاهرة، فتم استقبال محاضرته عبر الأقمار الصناعية على المباشر ومناقشتها بشكل عادي، والجامعة تمتلك حسب عميدها استوديو ينافس كبريات الاستوديوهات وهو في خدمة مثل هاته الملتقيات. الجامعة بها الآن 182 أستاذ نصفهم دكاترة. * * * أساتذة من 13 جنسية بما فيها الأمريكية * وطلبة من إسبانيا وكوريا الجنوبية * * * لم تصل الجامعة الإسلامية إلى جزأرتها الكاملة حاليا إلا بعد أن مر على حجراتها 106 أستاذ أجنبي من كل القارات وتأتي مصر في المقدمة ب68 أستاذ كلهم دكاترة وعلى رأسهم محمد الغزالي والشيخ القرضاو دون نسيان مفكرين كبار مثل الدكتور محمد عمارة ومحمد سليم العوا ومحمد ابراهيم الجيوش وحتى الفيلسوف محمد هويدي، وتليها العراق بعشرة دكاترة أشهرهم مسلم عبد الله آل جعفر، وسوريا أيضا بذات العدد حيث تم الاستعانة بالبوطي ومحمد أديب البوغا وحسين رمضان فحلة، كما كان لتونس نصيب الأسد بتسعة دكاترة... ولم يتوقف المد العلمي عند العالم العربي، حيث أوفدت تركيا سبعة دكاترة والهند دكتورين وحتى التشاد والحبشة، ويعتبر طه جابر العلواني وهو من أصل عراقي الأمريكي الوحيد الذي اشتغل بجامعة الأمير عبد القادر الإسلامية وهو حاليا بجامعة فرجينيا. * أما عن الطلبة الأجانب فتستقبل الجامعة طلبة من كل القارات منذ افتتاحها ومن بينهم الأفارقة ومن أوربا الشرقية حيث كان اليوغوسلافيون من الأوائل وغالبية الأفارقة من مالي ونيجيريا وبوركينا فاسور وتانزانيا، كما درس في الجامعة طلبة من البوسنة يشاع أنهم لقوا حتفهم في الحرب الصربية وأربعة إسبانيين ويوجد حاليا طالب من سيول عاصمة كوريا الجنوبية اعتنق الإسلام يدعى موسى وأقنع شقيقته من الجزائر باعتناقها الدين الحنيف. * الجامعة الإسلامية مازالت في ريعان شبابها وكان لها السبق في أن ترسل قوافل دعوة إلى جنوب إفريقيا وبدأت تقدم إجازات في القراءات العشر... ولكن المؤسف، أن بعض الطلبة مازالوا يأخذون أبحاثهم ونِتَاجاتهم الفكرية إلى القاهرة ومدن عالمية أخرى رغم أن ميزانية الجامعة قفزت من 11 مليارا إلى 50 مليارا في السنوات الأخيرة... والمؤسف أيضا، أن الجزائري يقبل بفتوى تَرِدُهُ من داعية (شيك) عبر الفضائيات لا يعرف اتجاهه ولا حتى مستواه، ويرفضها من دكتور جزائري قضى عمره في التعلم والتعليم!!