ضرب الثوار ليلة فاتح نوفمبر بلدية كسان (سيدي علي) ومركز الدرك بها، فضلا عن تخريب محول كهربائي ناحية ويليس. كما تم تخريب عديد منشآت المستوطنين. وكانت الحصيلة البشرية مقتل أوروبيين وإصابة العديد بجروح. ما حدث في أجزاء مختلفة من الإقليم، في ليلة أول نوفمبر 1954؟ بالمنطقة الرابعة / الجزائر والمتيجة بقيادة رابح بيطاط وبمساعدة نائبيه بوجمعة سويداني وأحمد بوشعيب؛ وكلاهما من عناصر المنظمة الخاصة اللاجئة بالمتيجة منذ سنوات. كانت عمليات فاتح نوفمبر بالمنطقة الرابعة عديدة بدءا من العاصمة حيث استهدف فريق الزوبير بوعجاج: - محطة الاذاعة 10 شارع "أوش _ (أحمد زبانة حاليا) قاد العملية محمد مرزوقي لكنه لم يتمكن من التسلسل داخل المحطة لأن حركة المارة كانت ما تزال كثيفة منتصف الليل لذا اضطر إلى وضع القنابل على حافة النوافذ فانفجرت واحدة. - مستودعات شركة "موري" للمحروقات بميناء الجزائر، قادها عثمان بلوزداد، شقيق محمد القائد الأول للمنظمة الخاصة. كان الهدف حرق المستودعات وقد انفجرت القنابل وأحدثت بداية حريق. - تخريب مصنع الغاز في "بلكور"، التابع لشركة الغاز والكهرباء: قاد العملية عبد الرحمان قاسي عبد الله وابن أخيه مختار. - مركز الهاتف "شامنوفر" (فاتح مايو حاليا): نفذ العملية فريق أحمد بسكر. واستهدفت العمليات بالمتيجة ضرب موقعين هامين - ثكنة بيزو في البليدة: قاد العملية بيطاط شخصيا رفقة بوشعيب وتمكنت المجموعة من التسلسل داخل الثكنة بتواطؤ العريف خودي لكن صادف أن كان مخزن الأسلحة فارغا. - ثكنة بوفاريك: قاد الهجوم سويداني وأوعمران الذي جاء على رأس مدد من المنطقة الثالثة. كان المفروض أن تقتحم المجموعة الموقع بتواطؤ العريف الأول بن طوبال (شقيق لخضر بن طوبال)، لكن سمع دوي انفجارات على الساعة الحادية عشرة و45 دقيقة، من فعل مجموعات أخرى قبل اللحظة المتفق عليها. وقد اضطر ذلك سويداني وأوعمران إلى التحرك فورا فتسللت المجموعة داخل الموقع وتمكنت من الاستيلاء على 10 أسلحة بمركز الحراسة. لكن تم تفعيل إشارة الانذار قبل الوصول إلى هدف العملية، وهو مخزن الأسلحة. تبين لاحقا أن الانفجارات التي سمع دويها قبل منتصف الليل، بينما برمجت على الساعة الثانية ليلا، سببها ثلاثة قنابل استهدفت خط السكة الحديدية الرابط بين الجزائروهران. وتم تنفيذ عمليات أخرى استهدفت تعاونية الحمضيات وأحدثت حريقا مهولا بها كما أحرق مستودع الحلفاء لشركة سيلوناف في بابا علي. وبناء على تسرع بعض الأفواج في المتيجة كما سبقت الإشارة، يمكن القول إن فاتح نوفمبر بدأ ليلة 31 أكتوبر على الساعة 11و45 دقيقة بمنطقة القبائل (الثالثة): كانت وسائل المنطقة نسبيا أحسن من منطقتي وهرانوالجزائر وتعداد رجالها أهم كذلك، أي أنها كانت أكثر جاهزية سلاحا ورجالا لتنفيذ العمليات المبرمجة ليلة الفاتح نوفمبر. كان على رأس المنطقة بلقاسم كريم الذي اعتصم بالجبال منذ 1947 فيعتبر بذلك أقدم مجاهد وقد سبق الحكم عليه بالإعدام مرتين. استهدفت بلدية تيزي ن ثلاثة، ناحية تيزي وزو، فتم حرقها كما استهدفت قطع أعمدة الكهرباء والهاتف لإرباك اتصالات قوات الأمن، وتم تنفيذ عمليات أخرى ناحية برج منايل حيث أتى حريق على مستودعات الفلين والتبغ وكذلك ناحية غزازڤة وتيغزيرت حيث هاجم الثوار مركزين للدرك. وشملت عملية قطع الأعمدة نواحي أخرى من المنطقة. وكانت الحصيلة البشرية للعمليات مقتل شخص وإصابة ثان بجروح بليغة. منطقة الشمال القسنطيني (الثانية): كان على رأس المنطقة الشاب مراد ديدوش، 27 سنة، مسؤول بالمنظمة الخاصة، دخل الحياة السرية منذ 1950 كان ديدوش من المتحمسين للكفاح المسلح وكان يستعين بموارد العائلة لتمويل نشاطاته الوطنية. واستعان ديدوش في قيادة المنطقة بيوسف زيغود ولخضر بن طوبال.عرفت المنطقة انقسامات تجلت في انسحاب مناضلين شاركوا في اجتماع ال 22 يوم 23 يونيو 1954 لكنهم تخلفوا عن موعد فاتح نوفمبر: محمد مشاطي وعبد القادر العمودي وعبد السلام حباشي. كان تعداد رجال ديدوش بضع عشرات، وسلاحهم لا يتعدى 20 قطعة. ومن العمليات التي نفذوها مهاجمة مركز الدرك ب "كوندي اسمندو" ومناوشة ثكنة الخروب. وشهدت ناحية الميلة عملية ناجحة استهدفت منجم سيدي مخلوف، وكللت بالاستيلاء على كمية هامة من الصواعق والمواد المتفجرة. منطقة الأوراس (الأولى) شهدت أكثر العمليات إثارة، بفضل قائدها المرموق، مصطفى بن بولعيد صاحب السلطة المعنوية الكبيرة؛ الذي استطاع أن يوفر ما يلزم من الرجال والعتاد لهذا اليوم الأغر وأكثر من ذلك أمد مناطق أخرى ببعض الأسلحة لاسيما منطقتي الجزائر والقبائل. كان بن بولعيد قد حصل من ليبيا على كميات من الأسلحة تنفيذا لأوامر قائد المنظمة الخاصة آيت أحمد، مشكلة أساسا من بنادق "ستاشي" من مخلفات الترسانة الايطالية. كان الأوراس باستمرار ملجأ للمناضلين المطاردين من مختلف جهات البلاد كما كان ملجأ عديد "الخارجين عن القانون" الاستعماري الذي عرف بن بولعيد كيف يقنعهم بدعم صفوف الحركة الوطنية. من أشهر هؤلاء بلقاسم قرين الذي لفت انتباه إدارة الاحتلال غداة فاتح نوفمبر. صبيحة 31 أكتوبر جمع بن بولعيد رجاله، قرب أريس بدشرة اولاد موسى. كانوا 150 فردا توافدوا على المكان تباعا في أفواج صغيرة. ومنه انطلقوا في السابعة و30د مساء نحو الأهداف التي حددت لهم، راجلين أو راكبين لمن كانت أهدافهم بعيدة. وكانت الأوامر أن تكون الانطلاقة على الساعة 3 صباحا وكانت العمليات تستهدف باتنةوخنشلةوبسكرة وتكوت وأريس. كان يرأس أفواج باتنة الحاج لخضر الذي أصبح لاحقا عقيدا قائدا للولاية الأولى. وبدأ الهجوم على مقر الدائرة التي كانت هدفا لنيران الثوار الذين اتجهوا بعد ذلك إلى ثكنة المدينة. غير أن الحراس تمكنوا من إطلاق إشارة الانذار قبل الساعة الثالثة بعد وصول تنبيه من بسكرة حيث انطلقت العمليات قبل نصف ساعة من الموعد، بهجوم على محافظة الشرطة والثكنة ومقر البلدية ومحطة توليد الكهرباء فضلا عن مستودعات البنزين. لذا لم يتمكن الحاج من اقتحام ثكنة باتنة والاستيلاء على الأسلحة. لكن أثناء الانسحاب صادف رجاله عربة عسكرية عائدة إلى إلى الثكنة فهاجموها مما أدى إلى مقتل جنديين. وفي خنشلة التزم عباس لغرور، أحد نواب بن بولعيد، بموعد الثالثة صباحا فنسف رجاله محولا كهربائيا واقتحموا محافظة الشرطة، حيث تمكنوا من تجريد ثلاثة أعوان من سلاحهم. وتوجه فوج آخر الى ثكنة "الصبايسية" لكن جنودها سبق أن أطلقوا الانذار بعد سماع الطلقات النارية بالمحافظة. وخرج قائد الموقع الملازم الأول "دارنو" يستطلع الأمر فأرداه الثوار قتيلا مع إصابة جندي مرافق بجروح. وكان بشير شيحاني على رأس الأفواج المكلفة بمهاجمة أريس وتكوت، فحاصر فوج بلقاسم قرين أريس بدءا من الساعة الثالثة، بعد أن تمركز عناصره بأعالي البلدة وأخذوا يطلقون النار على جميع من يحاول الفرار منها؛ بدءا بعناصر الدرك الذين اضطروا إلى العودة الى الثكنة إثر تعرضهم لنيران الثوار. وتم تخريب جسر شمال البلدة التي ظلت معزولة تماما إلى غاية 2 نوفمبر. وأقام شيحاني، النائب الاول لبن بولعيد، ذو 25 ربيعا، من جهته، حاجزا على طريق بسكرة-أريس، حيث تم صباحا ايقاف الحافلة القادمة من الجنوب. هذه العملية قدر لها أن تثير ضجة واسعة لوجود القائد الحاج صدوق على متنها رفقة معلمين فرنسيين شابين، هما مونيروا وزوجته. أثناء الحديث إلى القائد كان ينظر الى قائد الفوج بعلواء واحتقار. ثم قام بحركة توحي أنه يعتزم استعمال مسدسه الآلي، مما دفع أحد عناصر الفوج الى الرد بسرعة فيصيب القائد في بطنه. سقط ولكن لم يمت ولم يقض عليه الشيحاني.. وأصابت طلقات طائشة كذلك خطأ السيد مونيرو، الذي كان موجودا خلف القائد إصابة قاتلة، وزوجته بجروح أقل خطورة تحت الإبط. هذه الحادثة غير المتوقعة جعلت الفوج على عجل تاركا وراءه المصابين الثلاثة. توفي الحاج صدوق بمستشفى باتنة فيما تم إنقاذ زوجة مونيرو. ينبغي أن نوضح في هذا الصدد أن بن بولعيد والقادة الآخرين الذين قرروا إعلان الثورة، أعطوا تعليمات صارمة بمنع التعرض للمدنيين الاوربيين منعا باتا. كما كان منتظرا، شنت سلطات الاحتلال خلال الأيام التالية، حملة دعائية مكثفة حول اغتيال المعلمين الشابين، مع تجاهل بقية العمليات التي عرفتها المنطقة. ولم تكتف الدعاية الرسمية بالبكاء طويلا على مصير أسرة مونيرو، بل راحت تركز عمدا على شخصية بلقاسم قرين "الخارج على القانون"، مجرم الحق العام، الذي "أصبح عضوا فاعلا في مجموعة من القتلة المخربين للأملاك العمومية والخاصة" . ترى ماهي الحصيلة وأي تقييم يمكن أن نقدم لليلة فاتح نوفمبر 1954؟ اذا كان هناك حقا تفاوت بين المناطق على صعيد العمليات المنجزة، ولم تحقق هذه العمليات العديد من الأهداف المسطرة، سواء لقلة الأسلحة أو ضعف مفعول القنابل المستعملة ذات الصنع البدائي أو لأن عددا من الحرائق لم تحقق النجاح المنتظر، فلا ينبغي أن ننسى أن هذه العمليات حققت الغاية المرجوة منها: عمليات منسقة مخططة، هزت الجزائر غربا وشرقا فاتحة جبهة عريضة على امتداد 1.200 كلم بمشاركة ألف مناضل، دون أن تتمكن قوات الاحتلال من منعها أو وقفها بل حتى توقعها. كانت مفاجأة جبهة التحرير الوطني لسلطات الاحتلال بعمليات فاتح نوفمبر مفاجأة تامة، فلم تتفطن لشيء، عكس مزاعم بعض المصادر بعد فوات الأوان. لقد حافظ القادة الستة ورجالهم على السر جيدا، متسترين بأسماء مستعارة. كما أدى العزل التام بين خلايا التنظيم وهياكله دوره كاملا. وجدت السلطات لفترة طويلة صعوبة في التعرف على التنظيم الذي كان وراء الهجومات على أهداف محددة عبر كامل التراب الجزائري وفي ساعات قليلة، هذه الهجومات التي أثارت إعجاب ونخوة السكان من الجزائريين . لم تتوقع إدارة الاحتلال شيئا أسوة مصالح أمنها. فكانت لذلك المفاجأة التامة. فقد نجحت السرية والعزل تماما. على سبيل المثال فإن الزبير بوعجاج، قائد أفواج العاصمة، لم يخبر رجاله إلا يوم 31 أكتوبر 1954 على السابعة الخامسة بعد الظهر ليقول لهم باختصار "موعدنا هذا المساء". كذلك فعل بن بولعيد مع رجاله بدشرة اولاد موسى، اذ أبلغهم ساعات قليلة فقط قبل الانطلاق لضرب الاهداف المسطرة لهم. ولم يشعر مساعديه إلا عشية الانطلاق. من خيبات مصالح الأمن وإدارة الاحتلال الأخرى، أنها لم تتمكن من التعرف على أسماء قادة الانتفاضة بعد أن اتخذوا أسماء مستعارة: بوضياف سي الطيب، ديدوش سي عبد القادر، بيطاط سي محمد، بن مهيدي سي حكيم ...الخ وقفت مصالح الامن الفرنسي بالتالي حائرة أمام من يقف وراء فاتح نوفمبر. فاعتقدت في البداية خطأ أنه من تدبير حركة الانتصار فسارعت منذ الغد الى مقر الحزب بساحة "شارتر" في الجزائر لتعتقل من قادته الصدفة هناك، بدءا بمولاي مرباح. قامت مصالح الأمن ابتداء من الثاني نوفمبر - مدفوعة باعتقاد أن الجنة الثورية للوحدة والعمل من صنع المركزيين من حركة الانتصار- قامت بجملة اعتقالات شملت أكثر من 2000 مناضل من الحزب لم تكن لهم أي علاقة باندلاع الكفاح. فكان ديدوش على حق وصواب فيما قاله بعد المقابلة مع مصالي. كان "فرونسوا ميتران" حينئذ وزيرا للداخلية في الحكومة الفرنسية، فكان بحكم وظيفته من المفروض أن يكون أحسن اطلاعا على الوضع، لكنه أعطى مثلا على عجز المصالح الفرنسية على توقع انفجار فاتح نوفمبر 54. فقد صرح بمطار "عنابة-الملاحة" وهو يغادر الجزائر إثر زيارة رسمية ( 19-23 أكتوبر) "لقد وجدت الجزائر الفرنسية بعمالاتها الثلاثة في حالة هدوء ورخاء . فأنا أغادرها وكلي تفاؤل". لكن بعد أسبوع فقط اندلعت الثورة. *عضو جيش التحرير الوطني