تمر اليوم ذكرى ميلاد الفنان والرسام التشكيلي محمد بوزيد المصادفة ل 12 من شهر ديسمبر، وسط غياب تام لأدنى احتفالية تقام إحياء للمناسبة وتذكيرا بأعماله أو مساره الحافل بالإنجازات في مجال ميدان عمله سواء بالبويرة أو الأخضرية مسقط رأسه أو على مستوى وزارة الثقافة، وهو الذي صمّم وأبدع في رسم الشعار والختم الرسمي للجمهورية الجزائرية المتداول لحد الآن، إضافة إلى عدة لوحات وجداريات زينت ولا تزال تزين مؤسسات وهيئات وطنية رسمية على غرار القاعة الشرفية لمطار العاصمة ووزارة الشباب والرياضة بعد رحيله عن هذا الوجود في صمت بفرنسا شهر جوان من سنة 2014 عن عمر يناهز 84 سنة . قال عنه الكاتب الكبير مالك حداد "إنه عميد اللون والحركة، وإنه ساحر بألوانه المضيئة المجسدة لأنوار الحياة..."، هو صاحب مسار طويل ومسيرة عملاقة في الحركة التشكيلية الجزائرية الحديثة، الفنان التشكيلي محمد بوزيد من مواليد 12 ديسمبر 1929 بالأخضرية ولاية البويرة، خريج مدرسة المعلمين ببوزريعة بدرجة امتياز سنة 1950، اشتغل مدرسا إلى غاية 1953، ليتفرغ بعدها لاهتمامه الأول "الفن التشكيلي"، حيث باشر الرسم وهو شاب متأثر بعدة رسامين، مثل سوفور غالييرو، وتعود أولى أعماله إلى بداية الخمسينيات لتقوده باقي الأعمال لأروقة المعارض العالمية ، أين نظم لقاءات تشكيلية ومعارض فنية، شهدتها كل من باريس، بلجيكا والولايات المتحدة، هذا إلى جانب معارض جماعية جمعته بالعديد من الوجوه العربية والأجنبية الرائدة في مسار الريشة والألوان، من أمثال شكري مسيلي وبشير يلس ومحمد إسياخم وأخرين . متحصل على منحة للدراسة بمعهد لوماران (فوكلوز بفرنسا) قبل أن ينتقل إلى “كاسا دي فيلاسكيس” بمدريد (إسبانيا) سنة 1959، ويفوز بالجائزة الفنية الكبرى للجزائر سنة 1959، كما في عدة معارض جماعية كصالون المستشرقين وصالون فناني شمال إفريقيا، إضافة إلى إنجازه لعدة معارض شخصية برواق كولين بوهران، رواق جيرار مورغ بفرنسا، رواق هورن بلوكسمبورغ، ميليز ببروكسل، ورواق باسدوا بالوم أ. بعد الاستقلال، اشتغل كمستشار ثقافي لدى وزارة الثقافة وهو عضو مؤسس للاتحاد الوطني للفنانين التشكيليين، حيث شارك في مختلف نشاطاته بالجزائر وفي الخارج في إطار المبادلات والأسابيع الثقافية، ولعل من أبرز ما في مسار الفنان محمد بوزيد أنه مبدعُ وواضع الختم الرسمي للدولة الجزائرية الذي يستخدم في كافة المعاملات والوثائق الرسمية في الجزائر، داخليا وخارجيا، وهو الختم الذي أنجزه الفنان غداة استقلال الجزائر، هذا فضلا عن الطوابع البريدية الرسمية وعدة رسومات جدارية لفائدة مقر ولاية تيزي وزو، المدرسة متعددة التقنيات بالحراش، والقاعة الشرفية لمطار الجزائر العاصمة وكذا وزارة الشباب والرياضة. ورغم موهبته الفنية ومساره الحافل بالعطاء في مداعبة الريشة ومراودة الألوان، حيث كان باحثا عن أسرار الفن الأزلي في لوحاته التي تتفجر بالحياة بألوان فاتحة وحارة، تنقل مشاعر الفنان وتجسدها في مناظر طبيعية، ووجوه تكشف دائما ما في قلب الفنان وعقله، وهو الفن الذي تشهد عليه خطواته في أروقة الفن العالمي من باريس إلى واشنطن، ومن أروقة قصر اليونسكو إلى بلجيكا، إلا أنه رحل في صمت في شهر جوان من سنة 2014 بباريس، وهو الذي كان ينتظر التفاتة من الجهات الثقافية عندنا ولو بتكريم بسيط من وزارة الثقافة، كتقدير لمن أنجز ختم الدولة الجزائرية، ليبقي مفتقدا لهذا التكريم حتى وهو راحل عنا عن غير عادة الوزارة التي لا تكرم رجال الفن والثقافة إلا بعد رحيلهم.