لقد أحسنت الجزائر صُنعاً حينما نأت بنفسها عن المشاركة في التحالف العسكري الإسلامي الجديد؛ فهو يخوض حرباً غير حربها، ولا ناقة للجزائر فيها ولا جمل. أولاً: هذا الحلف الإسلامي قام بعد أقل من أسبوعين من دعوة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري الدولَ السنية إلى تشكيل قوة من 100 ألف جندي لمحاربة "داعش" في سورياوالعراق برّياً، ما يعني أنه صنيعة أمريكا التي ستساهم فيه ب10 آلاف جندي، ولا يعبّر عن إرادة شعوب المنطقة، وهو مجرّد امتدادٍ للتحالف الدولي الستيني الذي أنشأته أمريكا منذ أوت 2014 لمحاربة "داعش" جوياً بعد استيلائها على الموصل في جوان 2014 وإعلان قيام "الخلافة الإسلامية" وتوسّعها إلى ست محافظات سُنية بالعراق، فلماذا تقبل الجزائر بأن تكون إحدى الأدوات الأمريكية بالمنطقة؟ ثانياً: المعروف أن دولاً إقليمية وعالمية عديدة هي التي رعت "داعش" وموّلتها، وسلّحتها، وغضت الطرف عن مرور عشرات الآلاف من المتطوعين للانضمام إلى صفوفها، اعتقادا منها أنها تخدم أجندتها في سوريا على الأقل، وستساهم في إسقاط الأسد. وبعد أن قويت شوكتُها وسيطرت على نصف سوريا وثُلث العراق وأعلنت قيام "الخلافة" ووضعت خريطة لها تمتدّ من جاكرتا إلى الرباط مروراً ب"ولاية الأندلس وروما"، تفطنت هذه الدول إلى خطرها الجسيم، وهبّت إلى محاربتها لتصحيح خطئها، فلماذا ترسل الجزائر جنودها إلى سورياوالعراق وتعرِّض أرواحهم للخطر لتصحيح أخطاء الآخرين؟ فليصحح هؤلاء خطأهم بأنفسهم. ثالثاً: لقد استبعدت قيادة هذا التحالف سورياوالعراق، وفي الوقت نفسه أعلنت أنها سترسل قواتٍ برية إلى البلدين لمحاربة "داعش"، ما يعني أنها ستفعل ذلك من دون رضا الحكومتين ومن دون تنسيق أو تعاون معهما، ما يدفع الحكومتين إلى اعتبارها قوات احتلال ومحاربتها، خصوصا وأنهما تدركان جيدا أن الهدف الخفي بعد القضاء على "داعش"، هو إسقاطهما وتسليم الحكم للمعارضة المسلحة في سوريا وثوار العشائر في العراق، فلماذا تدخل الجزائر في حرب مع بلدين عربيين خدمةً لأجندة غيرها؟ رابعاً: لقد اشتمّت الجزائر رائحة الطائفية في هذا التحالف الإسلامي، بإقصائه إيرانوسورياوالعراق، فقرّرت أن تتجنّب الاصطفافات الطائفية، حتى لا تساهم في تكريس الانقسامات المذهبية الخطيرة الحاصلة في المنطقة، والتي تهدّد بتقسيمٍ واسع لدولها على أساس طائفي يمهّد الجو لاحقاً لانقساماتٍ عرقية تخطط لها أمريكا والغرب في إطار "سايكس بيكو 2"، وينفذها بعضُ العرب والمسلمين برعونة من خلال الانجرار إلى حروب إقليمية واسعة ومُنهِكة، باتت مؤشّراتها تلوح بقوة، وحريّ بالجزائر أن لا تشارك فيها. خامساً: المشاركة في التحالف يعني ضرورة فتح المجال لأي قوة خارجية لدخول الجزائر باسم مكافحة الإرهاب، وهذا ما لا يمكن أن تقبله، فهي تتكفل بذلك وحدها. لقد التزمت الجزائر بعدم إرسال جنودها إلى الخارج لخوض حروبٍ بالوكالة، أو حروب لا تعنيها، أما حربَا 1967 و1973 فهي تعنيها لأن فلسطين هي القضية المركزية الأولى للجزائر حكومة وشعباً، وما دام التحالفُ الإسلامي الناشئ لا يرى الإرهابَ الصهيوني ولا يعتزم محاربته نُصرة لقِبلة المسلمين الأولى، فقد انحرف عن البوصلة، وقد أحسنت الجزائر صنعاً بالنأي بنفسها عنه.