سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
بومدين عيّن مصطفى لشرف كوزير للتربية في إطار صفقة..! مدير الإعلام برئاسة الجمهورية سابقا، الدكتور محي الدين عميمور يواصل شهادته ل"الشروق" / الجزء الخامس:
يعتقد مدير الإعلام سابقا برئاسة الجمهورية الدكتور محي الدين عميمور، أن الرئيس هواري بومدين كان مضطرّا في 1977 إلى تعيين مصطفى لشرف على رأس وزارة التربية، مفسّرا ذلك، بالرغبة في تهيئة الظروف لمؤتمر جبهة التحرير الوطني، حيث كان الرئيس يعتزم تمرير إصلاحات هامّة بخصوص السياسات التي انتهجها منذ 1965، وبالتالي عمد إلى تهدئة الأجواء بين التيارات الأيديولوجية، لكنه في المقابل، تعمّد الإبقاء على عبد الحميد مهري إلى جانبه، فهل كان الأمر في إطار طمأنة "المعسكر الثاني"؟. أما عن خلفيات انسحاب قايد أحمد من نظام بومدين، وحقيقة الاختلاف بين الرجلين، فيرى المتحدث أن الصراع يعكس جوانب شخصية، تتعلق بالنديّة الفردية الموروثة عن علاقة طرفين، تحوّلت من الصداقة إلى حالة الرئيس والمرؤوس. ويعود عميمور بالذاكرة إلى الوراء، ليتحدّث عن الصراع بين المفرنسين والمعربين، حيث يرى أن كثيرا من الإطارات قد ذهبت أحيانا ضحية الإقصاء اللغوي، ليحمّل أسباب الإخفاق التنموي في عديد القطاعات إلى مسؤولين من ذوي التكوين المفرنس، لكنه يرفض التعميم، مؤكّدا أن بعض المعرّبين أيضا صدموا بومدين بقلّة كفاءتهم. وفي الجزء الخامس من حواره مع "الشروق"، يقدّم محي الدين عميمور نفسية هواري بومدين، وطريقة تعامله مع الآخرين، بما فيهم أقرب الناس إليه، جازما بهذا الصدد، أن عدد الذين رأوه بملابس النوم لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة!. هل تعتقد أن تقليد المفرنسين بالجملة لمواقع المسؤولية وقتها، كان من أسباب الفشل التنموي في البلاد...؟ التعميم خطأ في كل الحالات، لكن ماذا نسمي بناء مصنع لصناعة الورق في منطقة لا توجد بها مجاري مائية لتصريف الفضلات، أو بناء مصنع للفوسفات على شاطئ عنابة ما لوث مياه الشاطئ، أو إزاحة جبل كامل من الصخور لبناء فندق بلازا، بدلا من بناء الفندق فوق الجبل، ويجب أن نتذكر هنا الحملة الرهيبة ضد المهندس المصري مصطفى موسى، التي كانت تسخر من بناء قبة قصر الأمم من دون أعمدة، وهو ما دفع المهندس إلى الجلوس تحت القبة عندما كانت تنزع الدعامات الخشبية، وهو نفسه الذي تعرض إلى التشكيك في بناء فندق الأوراسي، متوقعين أن الأرض لن تتحمل ثقل الفندق، ولن أحدثك عن بيروقراطية "الأوفلا" وطلاء لوحات قصر الشعب التاريخية باللون الأبيض لإخفاء ما اعتبر لوحات استعمارية، ناهيك عن إعادة طلاء جدران الزنازين في سجن سركاجي، بدلا من تركها على حالها، كمتحف يجرم الاستعمار. تعتقد أن الإطارات المعرّبة ذهبت ضحية الإقصاء اللغوي...؟ المجاهدون من أبناء التكوين الفرنسي مارسوا أحيانا نوعا من الإقصاء تجاه كل الآخرين، وأنت تعرف أنني لم أحصل على حق ممارسة المهنة الطبية إلا بعد جهد جهيد، لمجرد أن دراستي الطبية كانت في مصر. ونتيجة لذلك الإقصاء أصبح المؤهل الرئيسي هو الفرنسية، وهكذا استعان مجاهدون بآخرين ليست لهم أي رابطة بالجهاد، وكان ما كان. لكن التعميم خطأ، وأنا أذكر أن بومدين، عندما اضطر لتعيين مصطفى لشرف كوزير للتربية والتعليم في إطار صفقة أرادها ضمانا لهدوء الساحة استعدادا لمؤتمر الحزب، اتصل بعبد الحميد مهري ليطمئن إلى أنه سيظل إلى جانب لشرف، إيمانا منه بكفاءة مهري، وهو ما سمعته شخصيا من سي عبد الحميد. وأعتقد أن بومدين كان يسارع لتعيين مثقفين معربين عندما يتأكد من كفاءتهم، ومولود قاسم واحد من هؤلاء، وإن كنت أعرف أن الرئيس صدم من تصرفات كثيرين كانوا أقل من مستوى ثقته بهم، والأسماء معروفة. ممكن يعرفها الجيل الجديد مرة أخرى..؟ أنت تعرف أسلوبي، ويمكن لمن يعرفون، وهم كثيرون، استكمال النقص في حديثي. لماذا وقف بومدين إذن إلى جانب المفرنسين ضد المعربين في مؤتمر الشبيبة الجزائرية عام 1975...؟ أنا حضرت المؤتمر وشاركت في أشغاله ولم ألاحظ موقفا كهذا. أليس غريبا كذلك أن يصرّ بومدين على منح الأغلبية في مختلف لجان المؤتمر الوطني حول التعريب في 1975 للمفرنسين... ؟ أنت هنا في مرافعتك ضد بومدين تعتمد على احتمال ضعف ذاكرتي لطول المدة التي مضت على انعقاد المؤتمر، وهي نحو 35 سنة، وبالتالي فأنا سأجيبك عندما تتفضل بإعطائي الأسماء التي تؤكد هذا الزعم، لكنني أثبت لك أن ذاكرتي ما زالت "لا باس بيها"، وأكتفي بأن أذكرك بأن راعي المؤتمر كان محمد الشريف مساعدية ورئيس المؤتمر كان الدكتور فضيل وكان نائبه محمد تقية، وكان رؤساء اللجان عبد الرحمن حاج صالح وبوعمران الشيخ وبشير خلدون ورابح مشهودة، وهؤلاء ليسوا مفرنسين، هذا بالإضافة إلى أن العناصر الفاعلة كانت عبد القادر حجار وزهور ونيسي وعبد الله ركيبي وكلهم معربون. وأنت تلاحظ أنني لم أذكر اسمي بينهم لمجرد أن الرئيس بومدين كان يقول لي ضاحكا، عندما يلاحظ حماسي للتعريب: تكوينك الجامعي هو بالإنجليزية فما دخلك في شؤون التعريب؟ ننتقل إلى نفسية الرئيس، هل صحيح أن تحكم بومدين في أعصابه جعله يتصرف بهدوء ورويّة ودون انفعال في كل المواقف، لدرجة أنه يرفض شرب القهوة والشاي حتى لا تؤثران في طباعه، وحتى سيجارته الخاصة كانت من إهداء كاسترو، وهي أقل تأثيرا على الأعصاب...؟ أنا لست طبيبا نفسيا لأؤكد أو أنفي ما تقوله، لكن بومدين لم يكن يمتنع عن شرب الشاي، ولا دخل للسيجارة في قضية الأعصاب، لأن بومدين كان قبل ذلك يدخن السجائر العادية وبشراهة كبيرة. الرئيس بومدين كان زعيما ذا شخصية قوية وصبر هائل ونظرة بعيدة، وهي هبة من المولى عز وجل، ونتيجة لخبرة عميقة في التعامل مع الأحداث ومع الرجال. يشاع أيضا أن بومدين شديد التكتم والحذر، ما يجعل من الصعوبة بمكان معرفة أسراره، فضلاً عن اكتشاف نقاط قوته وضعفه، ما يعطيه في النهاية سلطة ونفوذا مثلما يذكر مقرّبوه...؟ أعتقد أن هذا أمر صحيح، وأذكرك بإجابتي على سؤالك السابق. ولمجرد الإضافة، لعلي أذكر بأن بومدين كان يحتفظ دائما بمسافة تختلف طولا أو قصرا مع كل من يتعامل معهم، ولدرجة أنني لم أسمع الرئيس بن بلة يتحدث عنه، قبل 19 جوان وبعد 1980، إلا ويضع "سي" قبل اسمه، ولعل الذين رأوا بومدين بملابس النوم أو "البيجاما" يعدون على أصابع اليد الواحدة. لكن الأمر الرائع هو انضباطه، وأتذكر أننا كنا في أديس أبابا للمشاركة في مؤتمر القمة الإفريقية عام 1972، وأبلغني مدير الأمن عبد الملك كركب بأن الرئيس يبحث عني، وعندما دخلت على الرئيس قال لي بأنه يريد دواء لما يتصور أنه أزمة بردية، ولأنني كنت آنذاك أحمل معي دائما معداتي الطبية فقد طلبت منه أن يتمدد فقال ضاحكا: تريد أن تفحصني؟ وقلت له نعم، لن أصف لك أي دواء إذا لم أقم بعملي كطبيب، وهكذا قمت بالفحص وقلت له في النهاية أن ما يعاني منه هو نتيجة لارتفاع المدينة الكبير عن سطح البحر، واكتفيت بقرصي أسبيرين وأمرت له بمشروب ساخن. هل صحيح أنّ بومدين احترف "لعبة التناقضات" السياسية والأيديولوجية حتى يسهل عليه التحكم في أطراف الصراع، لهذا نجد في حكوماته بلعيد عبد السلام، وعبد الله خوجة، وإسماعيل محروق، مثلما نجد في مجلس الثورة بلعيد وأحمد طالب الإبراهيمي وبوتفليقة، والهدف هو ضرب هذا بهذا لتقوية نفوذه...؟ لعلي أصحح التعبير الذي استعملته في مرافعتك ضد بومدين، فأرفض أولا كلمة "الاحتراف"، ثم أتحفظ على تعبير "لعبة التناقضات"، وأقول ببساطة إن الرئيس الراحل كان يؤمن بضرورة تحقيق التوازن التكاملي في كل شيء وفي كل مجال، وهو أثبت هذا، كما سبق أن قلت، بمشروعات التوازن الجهوي بين مختلف مناطق البلاد، وقال يوما بأن وجود الأسطول الأمريكي في البحر الأبيض يجب أن يتوازن معه وجود الأسطول السوفيتي، وعندما قرر بناء الحزب في 1977 حرص على تحقيق التوازن بين المؤسسة الحزبية والمؤسسة العسكرية، ومن تفضلت بذكر أسمائهم كانوا فريقا متكاملا يحقق الهدف الذي كان بومدين يحرص على تحقيقه، وهو بناء الدولة. وحكاية ضرب هذا بذاك هو عمل لا يليق برجل في مستوى بومدين. هل كان من التوازن أيضا أن يقوم بومدين بثورة اشتراكية بواسطة عناصر لا تؤمن بها من الليبراليين...؟ الإجابة البسيطة هي أن "هاذاك ما أعطى الله"، ولن أذكرك بأننا استرجعنا الاستقلال ببلد فيه من الأميين أكثر من تسعين في المائة، وبأن حجم الفراغ كان رهيبا بحيث اضطرت البلاد إلى استعمال الموجود من الطاقات لتسيير الأمور ولمواجهة الخراب الذي تسببت فيه الجرائم الاستعمارية، وآخرها عمليات الجيش السري. هل فعلا أن بومدين خشي على نفسه من إمبراطورية الطاقة والصناعة، فعمد إلى قص أجنحة بلعيد عبد السلام وهدم قلعته في 1977، مثلما يروي أحمد طالب الإبراهيمي في الجزء الثاني من مذكراته...؟ لا أتذكر أنني قرأت هذا للدكتور أحمد طالب. وما أعرفه وباختصار شديد هو أن الرئيس بومدين انطلق ابتداء من منتصف السبعينيات في بناء المؤسسة السياسية للبلاد، أي الحزب الطلائعي، وكانت البداية هي صياغة الوثيقة الإيديولوجية للحزب انطلاقا من التجربة التنموية للبلاد، وهكذا أعد الميثاق الوطني الذي نوقش جماهيريا ثم صودق عليه في استفتاء عام. وفي 1977 بدأ في الاستعداد لمؤتمر الحزب الذي كان مخططا له في 1978، وأذكر هنا بأنني كتبت أكثر من مرة وصرحت أكثر من مرة بأنني، ردا على سؤال للرئيس بعد الانتخابات الرئاسية عن الشعور الشعبي، قلت: سيادة الرئيس، الشعب يقول لك...نظف حولك، وأجابني بغضب بدا لي مصطنعا: لن أقوم ب 19 جوان مرة أخرى، سيعقد مؤتمر الحزب في العام المقبل وعلى كل شخص تحمل مسؤولياته. دعني أتوقف معك عند عبارتك "الشعب يقول لك... نظف حولك"، تعني كبار المقربين من الرئيس أم عموم المسؤولين؟ ما قلته كان بيني وبين الرئيس رحمه الله، وكنت أردد ما كنت أسمعه فعلا ممن ألتقي بهم ويرون أن هناك من يتسترون ببرنوس بومدين، وأرجو ألا تقارن بينهم وبين من نسمع عنهم الآن لأن من يمكن أن نخطّئهم في السبعينيات سيعتبرون ملائكة. نعود لأجواء تحضير مؤتمر الحزب في 1977، وعلاقتها بالتعديل الوزاري المزلزل..؟ كان على الرئيس أن يعدّ الأوضاع للمؤتمر القادم، وكانت الخطوة الأولى، على ما أتصور، تحجيم عدد من مراكز النفوذ التي يمكن أن تؤثر على أشغال المؤتمر لغير الهدف المطلوب، أي الانطلاقة الجديدة التي يتم فيها تصحيح الأخطاء وتحسين الأداء والتراجع عند الضرورة عما يجب أن يتم التراجع عنه، وتلك المراكز كانت القيادة العامة للدرك الوطني والقيادة العامة للأمن الوطني ووزارة الطاقة والصناعات البتروكيمياوية ووزارة الزراعة. وستجد أن التعديل الوزاري كان محصلة العملية التي تنازل فيها بومدين عن بعض الاختيارات الوزارية ليحقق هدفه في جو الهدوء وبعيدا عن أي توترات، وهكذا عين العقيد أحمد بن شريف وزيرا للريّ، وأحمد دراية وزيرا للنقل، وقسمت وزارة الطاقة إلى ثلاث وزارات، لكن الفشل حدث مع وزارة الزراعة، حيث لم يتمكن بومدين من فرض تعيين كاتبي دولة بجانب وزير الزراعة، كما حدث مع الطاقة. وبالتالي فإن بومدين أراد إثراء مؤسسات الطاقة بتوزيع اختصاصاتها الهائلة وليس قص أجنحة عبد السلام بلعيد، الذي كان يرتبط معه بصداقة عميقة وود كبير، وعينه وزيرا في منتصف الستينيات، ثم رغب عبر تعديل 1977 في تفرّغه للوزارة الجديدة للصناعات الخفيفة، للاستثمار في خبرته وكفاءته التي جسّدها من خلال تأسيس قطاع الطاقة. وهذا الزلزال الكبير هو الذي يفسر تعيين بعض الوزراء الذي أخذه البعض على الرئيس، الذي كان مضطرا للمناورة ليحقق هدفه، أو على الأقل، هذا ما فهمته. وهل تراه قرارا موفّقا أم أنّ مساوئه غلبت على محاسنه...؟ كان قرارا مؤقتا، وقد ذكرت لك أن بومدين كان قرر إنهاء مهام مصطفى لشرف قبل انتهاء عام تقريبا على تعيينه. لماذا عجز بومدين عن فرض كاتبي دولة بجانب وزير الزراعة....؟ لأن وزير الزراعة آنذاك كان مركز قوة، ولم تكن للوزارة أسبقية بالنسبة للإجراءات المتخذة، لأن القرارات الثلاثة الأخرى حققت كثيرا مما كان الرئيس يرجوه، وأظن أن الدكتور طالب هو الذي قال إنه لم ير الرئيس سعيدا كما رآه بعد تغيير قيادتي الدرك والأمن، وأعتذر إذا كانت ذاكرتي قد خانتني في ذكر الدكتور طالب. ننتقل إلى موضوع آخر حول حقيقة خلاف الحليف قايد أحمد مع بومدين، هل ينحصر في ميثاق الثورة الزراعية..؟ لا أعتقد أن الميثاق في حد ذاته هو السبب، وما أتذكره أن أحمد قايد كان مناضلا صلبا وشخصية متميزة، وكان يريد تحقيق انطلاقة شعبية عبر تكوين لجان للأحياء وللمناطق السكنية، في حين كان بومدين يريد تحقيق انطلاقة سياسية كبرى حول برنامج هائل للتجنيد الجماهيري قاعدتها الثورة الزراعية. وبالطبع، يمكن أن تكون هناك جوانب شخصية، لأن من الصعب أن تتطور علاقة ندية بين مناضلين إلى علاقة بين رئيس ومرؤوس، وهذا يعتبر نفسه ندا لذاك. يعني أن جوهر الصراع بين الرجلين تنافسي وندّي بالأساس ...؟ يا رجل، كلامي واضح، وأي تفصيل سوف يتناقض مع عفة الطرح السياسي، وجوهر الصراع كما قلت لك هو سياسي أولا وقبل كل شيء. الموت المفاجئ لقايد أحمد، بسكتة قلبية في 1978...لم يكن مثار شكّ؟ بكل أمانة: لا أعتقد ذلك، وأرجو أن أذكر دائما بأن التشكيك في وفاة الشخصيات السياسية هو أسلوب يلجأ له خصوم لا يملكون معطيات تمكنهم من الإساءة لنظام الحكم. ألم يعاقب الرئيس والي تيارت وقتها لخضر بلحاج، بسبب مشاركة السكان في جنازة المرحوم قايد أحمد؟ للأمانة، لا أتذكر، وإن كنت لم أقرأ تقريرا رسميا عن الأمر، ولم أتعود التوقف عند القيل والقال لأنه كان لدي من المشاغل ما يلتهم كل وقتي وجهدي واهتمامي.