أطلقت الدائرة الفنية للمسرح الوطني الجزائري، السبت، باكورة مخططها التكويني لابتعاث الفعل الركحي في المدارس، وعبر ست ومضات منوّعة بين الورش والدورات، يعوّل عرّابو أب الفنون على منح مسرح الطفل حضورا أكبر في المنظومة التربوية الوطنية. في غياب وزير الثقافة "عز الدين ميهوبي" ونظيرته للتربية "نورية بن غبريط"، ووسط أجواء حميمية في البيت الرمز "محي الدين بشتارزي"، كشف "محمد يحياوي" مدير المسرح الوطني الجزائري، ومديره الفني "سعيد بن سالمة" عن تفاصيل خطة نقل المراكحات الطفولية من الخشبات إلى المصطبات والأفنية على درب إدماج المسرح كمادة في البرنامج التربوي الرسمي. وتحت تأطير الثنائي المرح "محمد إسلام عباس" و"جمال قرمي"، يتضمّن مقترح مشروع الطبعة الأولى التي ستدشّن في اليوم العالمي المسرح (27 مارس الداخل) وتمتدّ إلى العاشر نوفمبر القادم، إقامة عدّة موائد مستديرة وورش تكوينية لمنشطين مسرحيين في الوسط المدرسي على مدار النصف الثاني من الموسم الدراسي الحالي (2015 – 2016) والنصف الأول من الموسم الدراسي المقبل (2016 – 2017).
رزنامة ثلاثية على مستويين لأنّ مسرح الطفل ظاهرة تستدعي التأمل، وواقع يدعو إلى الاهتمام، تقوم الرزنامة على ثلاث مراحل وببعد وطني يروم وضع الأسس الصحيحة لكيفية دمج المسرح وتدريسه كمادة في الأطوار التعليمية الثلاثة (الابتدائي، المتوسط، والثانوي). ووفق نسق يراهن على تفعيل مختصي الفنون ومفتشي التربية، سترفع ستائر المائدة المستديرة الأولى أيام 27، 28 و29 مارس الداخل وستتمحور الثيمة على إنضاج مقترح إدراج المسرح كمادة في البرنامج البيداغوجي للمنظومة التربوية، وخلق ثلاث خلايا تفكير على مستوى أطوار الابتدائي، المتوسط والثانوي. وسيكون الموعد بعد شهرين مع ثاني الموائد المستديرة (29-30-31 ماي)، بحيث تعنى بحوصلة وتلخيص ما تمخض عن خلايا الرأي والتفكير الثلاث الآنفة. وبُعيد لحاق يستنفذ ستة أشهر، ستنظّم المائدة المستديرة الثالثة (6- 7- 8 نوفمبر) بغاية الخروج ببرنامج تعليمي خاص بالتربية المسرحية على مستوى المدارس. بالتزامن، سيتواصل حراك الورش بواقع ثلاث دورات (واحدة في عطلة الربيع أواخر مارس، ثانية أوائل جوان وثالث في مطلع نوفمبر)، بمعدل ساعي يقدر ب 150 ساعة لكل دورة، أي بكم تكويني هائل يربو عن 450 ساعة، مع زيارات ميدانية للمدارس المعنية تتوّج بإعداد عروض تطبيقية يتطلع مؤطروها لتفعيل أساتذة ومعلمين، فضلا عن عموم المتمدرسين على نحو يسهم في الارتفاع بدور المسرح في تثبيت القيم والتأهيل الاجتماعي والتواصلي.
بيداغوجية واجتماعية بتوابل فنية شدّد المشرفون على طموحهم لجني ثمار الورش عبر النجاح في إعداد نخبة من المنشطين المسرحيين بالوسط المدرسي، بما يشكّل انطلاقة لدورات مستقبلية من تأطيرهم، وكذا إلى تفعيل النشاط المسرحي من خلال عروض تقدم في نهاية الدورات الثلاث، تكون بمتابعة المنشطين المكونين وتقديم متمدرسين، وهو ما يمنح بعدا مضاعفا لبيداغوجية واجتماعية المسرح. وألحّ "بن سالمة"، "عباس" و"قرمي" على إذكاء ترقية التطوير النفسي ومساعدة الطفل على التمتع بروح المبادرة والابتكار، مع التأهيل الفني والمعرفي لرجل الغد، وتحفيز الملكة الفنية وإثراء القريحة الجمالية عند الطفل، فضلا عن ترسيخ القيم، والمبادئ الإيجابية لدى الطفل، وتقويم سلوكه ولغته، ومساعدته على النمو الوجداني والانفعالي والاجتماعي السليم، إلى جانب تدريب البراعم على التأثير والتأثر في محيطه منذ نعومة أظافره، وترقية حسهم الفني والجمالي، والارتقاء بثقافتهم الفنية ووعيهم الجمالي، وصولا إلى تدعيم معاني المواطنة المثالية، وغرس روح التواصل مع الآخر فيه، دون خجل أو انهزام، مع فتح عالم من المتعة والتسلية والمعرفة أمام طلائع الجيل القادم.
رافد أساس جاء في ديباجة المشروع الواعد أنّ مسرح الطفل يبقى راسخا من حيث تموقعه كرافد أساسي للمناهج التعليمية بعيدا عن التلقين المباشر، فهو يتأثر بها ويؤثر فيها بشكل فاعل، ما يخوّله للتأثير في تقويم سلوك الطفل وفهم مطالبه التربوية، وفي القدرة على استيعاب المناهج التعليمية، كونه يقدم الوقائع مجسدة وملموسة ومرئية ومسموعة، حيث يخاطب عدة حواس في آن واحد على غرار السمع والبصر... فمنظومته الدلالية أوفى منهج بيداغوجي لتعليم الطفل. ويرسم المشروع هدفا أسمى: الإجابة على ثلاثة استفهامات، وهي: لمن نكتب؟ ماذا نكتب؟ وكيف نكتب؟ ناهيك عن ضبط السبل التي يتم بها مراعاة شروط الخشبة وضمان الوصول بوعي حاد إلى أنظار وعقول المشاهدين الصغار، وهي مشتلة ستعبّد الطريق إلى حركة مسرحية طفولية تتكرّس كمنهج ميّسر للتعليم والتعلم والمتعة أيضا.