فقدت الساحة العربية أحد رواد الفكر العقلاني في العصر الحديث المترجم المفكّر الناقد الباحث السوري جورج طرابيشي، الذي ولد في حلب عام 1939 ورحل في منفاه الباريسي بعد أن عاش فترة في بيروت أين عمل رئيسا لتحرير «مجلّة الدراسات العربيّة». قبل أن تدفعه الحرب الأهلية إلى الهجرة نحو فرنسا. اشتغل الطرابشي بترجمة أعلام الفكر الفلسفي الغربي إلى العربية حيث ترجم هيغل وماركس وجان بول سارتر وسيمون دو بوفوار وروجيه غارودي… وسيغموند فرويد. كما طبق المنهج الفرويدي على النقد الأدبي عندما تناول أعمال نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم ونوال السعداوي. عاصر جورج الطرابشي أوهام وانتكاسات الفكر العربي المعاصر منتقلا من حزب البعث إلى المعارضة التي قادته إلى السجن، قبل أن يغوص في متاهات القوميّة والماركسيّة والوجوديّة، وإشكاليّات النهضة والحداثة وينحاز في الأخير إلى العقلانية التي أسس عليها مشروعه الفكري قبل أن تدفعه باريس إلى إعادة اكتشاف التراث الإسلامي بفضل محمد عابد الجابري الذي خصص له جورج الطرابيشي سبعة أجزاء من عمله الموسوعي في نقد "الفكر العربي" الفلسفة والتراث. ودعا إلى إعادة اكتشاف "الإسلام الحضاري" وممارسة النقد الجذري للتراث. وقد وقف جورج الطرابشي موقفا ناقدا تجاه ما عرفه العالم العربي من حراك تحت مسمى الربيع العربي حيث سبق أن دعا العرب إلى "نقد الذات وإعادة النظر في جميع مقولاتهم بما فيها مقوله "الربيع العربي"، "الذي كان يرى أنه نتاج الأنظمة الاستبدادية فالربيع العربي يقول الطرابشي لا يعتبر مفهوما بل استعارة من الجغرافيا والمناخ وتقليد لما حدث في أروبا الشرقية".