منذ أيام خلت فقدنا الأخ المغفور له بإذن الله تعالى السيد نور الدين نايت مازي عميد مديري الصحف الوطنية، مدير جريدة "المجاهد". هناك ذكريات وخصال خالدة لا يمكن أن تنسى أو تنمحي ميزت حياة الفقيد، والتي أحتفظُ ببعضٍ منها. هذا الرجل ذو المناقب والخصال العالية جعلتني أتشرّف بصداقته لأكتشف ذلك التناغم بين النبل والشهامة، ممّا جعل منه الرجل الخلوق المتواضع ذا الثقافة الشاملة والمعلومات الواسعة والنظرة الثاقبة، فكان فعّالا وايجابيا، كثيرَ العمل قليل الكلام، وكانت كلماته موسوعة في حد ذاتها، لأن كلمته كانت كالبحر يُستأنس بها، لقد كانت جذابة ومعبِّرة وساحرة، وكان المرحوم حلو اللسان، عذب التعبير، متواضعا وإنسانيا بطبعه، ممّا أكسبه جانباً من التحفظ عن كثير من الأشياء التي كان يشعر بها تجاه الآخر. وبصفته صديقاً لي وعزيزاً عليّ عرفته منذ وقت طويل وكانت لي فرصٌ عديدة للقائه والحديث معه، اكتشفت فيه تلك البساطة الحقيقية والطبيعة الإنسانية التي قلّما توجد عند غيره، فعرفت فيه ذلك الرجل الذي يستمع كثيرا ويتكلم قليلا، مما جعلني أكتشف تلك الحكمة الراسخة في ذاته والتي تُختصر بالتعبير بجملة أو بجملتين تُغني عن الشرح والتفسير. نور الدين نايت مازي كان له الشرف في إدارة صحيفة تعتبر جزءا من تاريخنا الوطني، ومجد بلدنا العزيز، فكان رحمه الله خطا افتتاحيا في حد ذاته. لقد كان الفقيد يعمل رفقة ثُلة من زملائه الصحفيين الذين ساهموا فيما بعد في التأسيس لانطلاق الصحافة المستقلة، فهو من وضع مع غيره من جيله والجيل الذي تلاه، حجر الأساس للإعلام الجزائري الحديث وحرية التعبير من خلال الاحتفاظ بخط افتتاحي متوازن ورصين، ونال بذلك رضا أصحاب القرار السياسي، وفي الوقت ذاته أعطى بأسلوبه الراقي والمتوازن دفعا غير مسبوقٍ للإعلام الوطني وحرِّية الصحافة . لقد ساهمتُ حينما كنت أتولى أعلى منصب في ولاية الجزائر إبان الفترة التي تميزت بالإرهاب الأعمى والصعاب الجسام والمحن في تخصيص تلك الساحة المسماة ب"ساحة حرية الصحافة" والموجودة في قلب العاصمة كعربون وعرفان لجهود الصحافيين الذين دفعوا الثمن غاليا بسبب نضالهم الوطني وتدعيمهم للصحافة الهادفة والرأي البناء فشاركنا الفقيدُ مسعانا، وفي تلك اللحظات اكتشفت مسؤولية الفقيد وحبِّه الشديد لوظيفته؛ إذ كان رحمه الله مسرورا وهو يشاهد زملاءه عن بُعد، وقد التمست إعجابه الشديد بالصحافة الحديثة التي جعلته يندمج جسدا وعقلا في المسيرة الجديدة، وساعتها أدركتُ إحساسه المميز في تلك اللحظة بأداء واجبه على أكمل وجه. رحم الله الفقيد برحمته الواسعة ورزق أهله جميل الصبر والسلوان.