حمل رد العقيد بن مصطفى بن عودة المدعو عمار على الرئيس السابق الشاذلي بن جديد كثيرا من الأخطاء التاريخية والمغالطات. * وباعتبار أن ابن عودة من »عقداء الشاذلي بن جديد« وليس من العقداء العشرة للثورة، وأنه عينه على رأس لجنة الانضباط، لإبعاد عبد العزيز بوتفليقة من اللجنة المركزية لجبهة التحرير الوطني، فقد رأيت أنه من الأفضل كشف ما لا يقال في حضرتي الرئيس وعقيده. * * درس في التاريخ وآخر في »العولمة«! * كان حزب الشعب يمثل الأغلبية الساحقة من الشعب الجزائري، باعتباره حامل راية الاستقلال، وحين انفجرت الأزمة بين الزعيم مصالي الحاج وما يسمى ب »المركزيين«، كان الاستعمار الفرنسي قد وصل إلى سجن معظم أعضاء جناحه المسلح (OS) المنظمة السرية، وبعد خروجهم من المعتقلات والسجون شرعوا في تشكيل قوة ثالثة »مسلحة« بمبادئ الحزب والاقتناع بالثورة كخيار أخير لإنقاذ البلاد من الاحتلال الفرنسي، فاستغلت صراع الأجنحة على قيادة الحزب لتشكيل »نواة الثورة«، خاصة بعد أن تأكدت من محاميها عبد الرحمان كيوان بأن همّ قيادته هو عدم توريط الحزب في الأعمال المسلحة التي قاموا بها مثل الاستيلاء على بريد وهران. * ولأن جوهر انشغال الشعب هو الاحتلال فقد تبنت هذه الجماعة ومنهم ابن عودة الخيار الثوري، وتم توزيع البلاد على خمس مناطق وتعيين قيادتها وهي: * المنطقة الأولى بقيادة مصطفى بن بوالعيد * المنطقة الثانية بقيادة ديدوش مراد * المنطقة الثالثة بقيادة كريم بلقاسم * المنطقة الرابعة بقيادة رابح بيطاط * أما المنطقة الخامسة فهناك روايتان، الأولى تقول بأن قائدها هو العربي بن مهيدي، وأن محمد بوضياف كان مجرد منسق عام لها، والثانية تقول إن محمد بوضياف هو قائدها، وتبقى مهمة المؤرخين في توثيق ذلك. * والسؤال الموجه لابن عودة: ما اسم المنطقة التي عينكم ديدوش مراد عليها كما تقول عام 1954؟ * علما بأن المنطقة الثانية التي كان يرأسها ديدوش مراد كانت مقسمة إلى ثلاث نواحي، وعلى كل ناحية رائد وهم: * 1 عبد الله بن طوبال على الناحية الأولى * 2 زيغود يوسف على الناحية الثانية (الوسطى) * 3 باجي مختار على الناحية الثالثة * وما هو متداول بين المجاهدين أن عمار بن عودة هو خليفة الشهيد باجي مختار، ولا نعرف سبب عدم قيامه بالمهمة. * وكل منطقة كان عليها قائد برتبة عقيد، وعندما تحولت إلى ست ولايات، في مؤتمر الصومام 20 أوت 1956، صارت مقسمة كالتالي: الولاية وتشرف على المنطقة، والمنطقة تشرف على الناحية، والناحية تشرف على الأقسام، وعلى كل ولاية يوجد قائد برتبة عقيد. * وكل من يستشهد يخلفه تلقائيا نائبه ويصير عقيدا، بحيث أن استشهاد ديدوش مراد خلفه زيغود يوسف فصار عقيدا، وبعد استشهاده خلفه عبد الله بن طوبال فصار عقيدا، وبعد خروجه من الجزائر خلفه علي كافي فصار عقيدا، وهكذا كانت تسير قيادة الثورة. * فإذا كان لابن عودة وثائق أخرى فليقدمها لنا علنا نعيد قراءة التاريخ لنتأكد من قوله إن ديدوش مراد عينه مسؤولا. * * أخطاء ومغالطات * يقول ابن عودة بأنه انظم إلى حزب الشعب ك »مسبل« وكأني به يجهل أدبيات الحزب وهي »المحب، المشترك، والمناضل« وكلمة »مسبل« من مصطلحات الثورة. * ويزعم أن علي كافي كان يرأس اجتماعات مؤتمر طرابلس، وهذا خطأ، فمكتب المؤتمر كان يرأسه المرحوم محمد الصديق بن يحيى بعضويتي عمر داود والعقيد علي كافي. * ويؤرخ لميلاد الحكومة المؤقتة ب 17 أكتوبر 1958 وليس بتاريخ 19 سبتمبر 1958. * بالرغم من أن الإعلان عن الحكومة كان في ثلاث عواصم عربية، وهي القاهرةوتونس والرباط. * أما الادعاء بأنه عين عمارة بوقلاز عقيدا فهذا هو السؤال المحيّر: كيف يعين الرائد بن عودة زميلا له بالرتبة نفسها عقيدا؟ * * أين اختفت النسخة الأصلية؟ * يتهم ابن عودة رئيسه ابن جديد بأن »مصادر سيئة وغالطة«، وينسب إليه كتابة بيان أول نوفمبر 1954 حيث يقول: * »أنا الذي كنت كتبت بيان أول نوفمبر بعنابة على آلة كاتبة قدمها لي المجاهد عبد الكريم السويسي« وأتساءل بأية لغة كتب هذا البيان بالعربية أم الفرنسية، وأين النسخة الأصلية وهي وثيقة ذات شأن عظيم، وكذلك الشأن بالنسبة للآلة التي كتب بها؟ * وينصح الشاذلي بن جديد قائلا: »والرئيس الشاذلي بن جديد الذي سكت طويلا كان عليه ألا يتكلم الآن« والعقيد عمار بن عودة الذي بكا طويلا أمام الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في نادي الصنوبر عام 1999، أثناء تقليدة وسام الصدر، عليه أن يسكت كذلك، قبل أن يقول لنا الآن بأن »بوتفليقة صديقي، ولن يجد الجزائريين (الجزائريون) أحسن منه ولهذا سأصوت له في الرئاسيات القادمة. أحسن من مشقة البحث عن آخر«، ولا أدري لماذا لم يصوت له في »لجنة الانضباط« حتى لا يقصى من جبهة التحرير وهو الذي ترأس اللجنة. والوثائق موجودة، وما قاله لبوتفليقة مسجل. * يطالبنا ابن عودة بالتفريق بين »مناضلي فنادق تونسوالقاهرة والمجاهدين في الجبال« ونحن نتساءل: أين كان خلال فترة (1956 - 1962) أوليس هذا منافيا للأخلاق »لا تنه عن شيء وتأتي مثله«. * * ما جدوى شهادة الأحياء على الأموات؟ * حين يقول ابن عودة: »أفضل ألا أخوض في مسألة رفض الثورة أو تأجيلها حتى لا أسيء إلى العديد ممن ما زالوا على قيد الحياة« أتساءل: ما مصداقية الحديث عن الأحياء بعد رحيلهم؟ * المؤكد أن جناح مصالي الحاج حارب الثورة ورفضها، والأكثر تأكيدا أن جناح المركزيين كانت له علاقة مع وزير الداخلية الفرنسي فرنسوا ميتران وكذلك مع رئيس بلدية الجزائر شوفاليه والرسائل المتبادلة منشورة. أما القول بأن الثورة كانت مقررة 15 أكتوبر فهذا حديث تم تسريبه في فيلم (مصطفى بن بوالعيد) الذي أخرجه هذا العام أحمد راشدي، وحضر بوتفليقة عرضه الأول بقاعة الموڤار الشهر الجاري. * والتطاول على التاريخ بالادعاء بأن القاعدة الشرقية مجرد فكرة من إنتاج أحمد بن بلة وعلي مهساس وعمارة بوقلاز، فهو ادعاء باطل، ليس بسبب أنها غير موجودة في وثائق الثورة، ولكن بسبب وجودها الميداني، بعد أن تخليّت عن تحمل المسؤولية على الناحية الثالثة بعد استشهاد باجي المختار. وأحمد بن بلة كانت عينه على الولاية الأولى (المنطقة الأولى)، وليس الناحية، وعلاقته بعلي مهساس لا تحتاج إلى شاهد على ذلك. * ولو سأل العقيد ابن عودة نفسه: لماذا أبعد إلى الخارج رفقة أوعمران؟ ولماذا بقي منصب الشهيد باجي المختار شاغرا لإدراك أن القاعدة الشرقية كان واقعا ل »شق عصا الطاعة« كما يقول أحد رفقاء العقيد. والمصيبة أن ابن عودة ينسب إلى الأحياء كلاما غير موجود في كتبهم. فهو يقول »والعقيد كافي كفانا شرح هذه الحادثة، بل ذهب إلى حد وصف عبان بالخائن والله أعلم« ويقحم تونس في قضية عبان، علما بأن ما قاله كافي في مذكراته ص 123: »قتل لأنه يشتغل لنفسه« مشيرا إلى ما نقله عن قادة الثورة ب »وجود اتصالات بين عبان والعدو« يخيّل لي أن ابن عودة عضو في المنظمة الوطنية للمجاهدين، فلماذا لم يعترض على وجود صوتين فيها لمجاهدي القاعدة الشرقية أم أن ذلك كان أثناء حكم الشاذلي بن جديد؟ * يبدو لي، والله أعلم، أن المجاهد عمار بن عودة تزوج بثلاث نساء إحداهن كانت من منطقة عبد الله بن طوبال، والثانية من مسقط رأس العقيد هواري بومدين والثالثة لا أدري، لمن كان التقرب فيها. فهل جاءت خرجته هذه للتقرب من بوتفليقة أم للتخلص من الشاذلي بن جديد لأنه لم يعد في الحكم!؟