تنعقد بالكويت، الإثنين المقبل، القمة الاقتصادية والتنموية والاجتماعية العربية الأولى وقد دخلت الحرب الإسرائيلية على غزة أسبوعها الرابع. وتأتي قمة الكويت تنفيذا لتوصية من قمة الرياض شهر مارس 2007 ، كما تأتي متزامنة مع الأزمة المالية العالمية وبعد انعقاد قمم ثلاث هي قمة العشرين، قمة آسيا ودول الكاريبي وقمة الأربعة والعشرين. فماذا ينتظر العرب من قمة أخرى لقادتهم؟ وهل يتذكر الوافدون على الكويت الأسبوع القادم إخوانهم هناك في غزة؟ * متى يتحرر القرار الاقتصادي العربي من الاعتبارات السياسية؟ * * تتميز قمة الكويت بأنها الأولى من نوعها عربيا وأنها شاركت لأول مرة المجتمع المدني في الإعداد لأوراقها. ومن المنتظر أن تتناول القمة مسائل التجارة البينية العربية، الاستثمار، هجرة رأس المال العربي، الغذاء، النقل والبنى التحتية، التعليم والتشغيل، وجميعها مسائل سبق تناولها ضمن الاتفاقيات الثنائية أو متعددة الأطراف التي مازالت تبرم منذ 40 سنة وآخرها اتفاقية منطقة التجارة الحرة العربية العام 2005. ولم تنضم الى الاتفاقية الأخيرة جميع الدول العربية وبقي عدد من الاتفاقيات الأخرى حبرا على ورق أو معطلا مثل اتفاقية الطريق العربي السريع والربط الكهربي والربط بالسكك الحديدية. وظل مشروع السوق العربية المشتركة عالقا بسبب الانقسام العربي وارتباط القضايا الاقتصادية بالجانب السياسي لنظام عربي متسم بالضعف. وعلى الرغم من دخول جل الدول العربية في اتفاقيات التجارة الحرة مع الولاياتالمتحدةالأمريكية وبعضها انضم الى مسار الشراكة الأورومتوسطية مع ما يعنيه ذلك من آليات التفكيك الجمركي، إلا أن لا أحد يستوعب تأخر إطلاق »اتحاد جمركي عربي« يمهد لاتحاد اقتصادي فاعل. وتتميز الدول العربية بإمكانات طبيعية مهمة وبسيولة نقدية عالية سواء على مستوى الأشخاص أو الحكومات، إذ يتعدى رأس المال العربي الموظف في الدول غير العربية 1500 مليار دولار وتتملك جل دول الخليج صناديق سيادية تستثمر في أصول العقار وفي الأوراق المالية عبر معظم بورصات العالم. وفي نفس الوقت تمول الدول العربية النفطية صندوق البيئة التابع لمنظمة »أوبك«، كما تتملك الدول العربية أسهما في بنوك التعاون العربية مع الخارج. ومع ذلك لا أحد يكاد يلمس جهدا حقيقيا على صعيد الاندماج الاقتصادي العربي وتوطين رأس المال لصالح مشروعات مشتركة متينة. بل انسحب التشتت السياسي على فعالية القرارات الاقتصادية العربية التي لا تزال تعاني من عوائق التجارة وشهادات المنشأ وحركة الأشخاص. فهل تفلح قمة الكويت في تحقيق الفصل بين ماهو سياسي قائم على المصالح القطرية وماهو اقتصادي قائم على نجاعة السوق؟ * * حتى لا تكون قمة شكلية وهزيلة * * تنعقد قمة الكويت الاقتصادية الأولى في ظل أزمة مالية عالمية ماتزال تتمدد في قطاعات الاقتصاد. والدول العربية التي تتحكم في جزء مهم من إمدادات الطاقة الى العالم إضافة الى إمدادات السيولة هي دول مرتبطة بالسوق الرأسمالية بشكل كبير، ما يعني أن أية هزة تصيب الاقتصاد العالمي ستدفع بارتداداتها إلى الداخل العربي. وفي نفس الوقت لا يمكن أن نتصور عزلة محتملة للوطن العربي عما قد ينجر عن النظام الاقتصادي العالمي الجديد والجاري التحضير له عبر خطط الإنقاذ الرأسمالية. وحتى لا تكون قمة الكويت قمة شكلية وهزيلة فهي معنية بتطوير مساهمة العرب في الحلول الجاري البحث عنها لإنقاذ الاقتصاد العالمي: تمثيل أفضل في مؤسسات القرار الاقتصادي ذات الطابع الأممي، توزيع أمثل لمزايا التجارة العالمية الحرة، تثمين الموارد العربية وخاصة الطاقة بالشكل الذي يتناسب مع الأسعار العالمية، تحسين مناخ الاستثمار الداخلي لإعادة توطين الاستثمارات الخارجية . * وإلى جانب البعد الخارجي، تنعقد قمة الكويت والعالم العربي أمام تحديات حقيقية أبرزها وضعية الفقر وتراجع مؤشرات التنمية البشرية، إرتفاع نسبة البطالة التي طالت 10 ملايين ساكن عربي، العمالة الآسيوية التي باتت تهدد أمن دول الخليج، التبعية الغذائية للسوق الخارجية والتي وصلت نسبتها الى 50٪ من احتياجات الوطن العربي من الغذاء. إضافة الى تخلف البنية التحتية اللازمة لكل اندماج اقتصادي مثل الأراضي الزراعية، الموانئ والطرق وشبكات الاتصال ونظم المعلومات. وكلها تحديات تضع القادة العرب المجتمعين في قمتهم الاقتصادية الأولى أمام مسؤولية إنجاز سريع لمبادرات قابلة للتطبيق تعيد للشارع العربي بعض الأمل الذي مايزال يتضاءل أمام ضعف النظام السياسي العربي. * * إعمار غزة مرة أخرى * * ولو تمكنت قمة الكويت من التأثير في القرار العربي على سلم إعمار غزة ودعم اقتصاد فلسطين لكان ذلك إنجازا تاريخيا مهمّا. فغزة لا يحاصرها الاحتلال وحده والضفة الغربية لا يحاصرها الجدار العازل فحسب، بل فلسطين كلها يحاصرها النظام السياسي العربي الذي لم يتمكن لحد الآن من إبرام أكثر من 3 اتفاقيات مشتركة مع السلطة الفلسطينية، بادرت إليها كل من الجزائر، الأردن واليمن. وتعاني فلسطين حاليا من تبعية مفرطة للاقتصاد الإسرائيلي وللدول المانحة ولم يقدم العرب شيئا يذكر للعمالة الفلسطينية التي طالتها البطالة بنسبة 55٪ ولا للقطاع الإنتاجي الفلسطيني الذي لن يتمكن من بناء أكثر من 1023 شركة ولا لمخطط التنمية في فلسطين الذي مازالت تقيده المعابر كما يقيد السجّان سجينه. تنعقد قمة الكويت وهيئة الأممالمتحدة لغوث اللاجئين »الأونروا« الى جانب هيئة »الصليب الأحمر« تناشد العالم توفير 43 مليون دولار مستعجلة لتجنب كارثة إنسانية حقيقية قد تعصف بقطاع قطاع كلية. فماذا تقرر قمة الكويت لصالح إعمار غزة وتنمية فلسطين؟