قررت الجزائر تغييرا جذريا في طريقة التعامل مع الاستثمار الأجنبي. وجاء القرار من خلال تعليمة بسيطة صدرت عن الوزير الأول، السيد أحمد أويحيى، في 21 ديسمبر الماضي، حسب ما نشرت الصحف هذا الأسبوع. وتشير قراءة بسيطة لهذه التعليمة، أن القرار سيقضي على الطموحات القليلة التي كانت تتعلق بمشاركة الاستثمار الأجنبي في دفع الاقتصاد الجزائري. * واختار الوزير الأول أن يستعمل تعليمة بسيطة لتغيير قواعد ينصّ عليها القانون، سواء تعلق الأمر بقانون المالية أو قانون النقد والقرض. ويؤكد هذا التصرف أن الوزير الأول يبقى فوق القانون، إذ أنه يتستر وراءه إذا اضطر إلى ذلك، ويتخطاه إن كان يشكل عائقا لقراراته العشوائية. وقد أدى قرار السيد أويحيى إلى فرض عدم الاستقرار في ميدان حساس، مع العلم أن عدم الاستقرار وتغيير قواعد اللعبة تشكل أكبر العوائق التي يخشاها الاستثمار الأجنبي. ويؤكد كل الخبراء أن المستثمر يفضل دائما أن يعرف قواعد اللعبة التي سيتم تطبيقها على المدى البعيد، وهذا ما عجزت عن فهمه الحكومات الجزائرية المتعاقبة منذ عهد طويل. * واستطاع السيد أويحيى بفضل هذه التعليمة أن يعيد الجزائر إلى عهد قديم. فقد دار نقاش في الجزائر في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي حول الاستثمار الأجنبي، ووقع إجماع على ضرورة اتخاذ قرارات تفتح الاقتصاد الوطني في هذا الاتجاه. وكان البعض يعتقد أن الجزائر كانت بحاجة إلى الاستثمار الأجنبي بسبب الأزمة المالية. لكن بعد عشرية ونصف، عاد الرخاء المالي، ولم تستطع الجزائر أن تحول أموالها إلى ثروة. وتأكد عندها أن الجزائر لا تحتاج إلى أموال فقط، بل تحتاج إلى شركات أجنبية تتحكم في التكنولوجيا وفي التسيير والتسويق والإنتاج. كما تأكد أن المروءة و»النيف« والوطنية العمياء لا تكفي، بل يجب معرفة السوق الدولية ثم التحكم فيها، ودخول عهد العولمة، مما يفرض نموذجا اقتصاديا جديدا. * وجاء عهد الليبرالية المتوجشة في التسعينيات من القرن الماضي، وكان السيد أويحيى آنذاك من أهل السلطة. وشارك في خوصصة المؤسسات الوطنية في عهد الرئيس اليمين زروال، وواصل العملية مع السيد بوتفليقة، قبل أن يعود ثانية ويكتشف الوطنية الاقتصادية لما ارتفع سعر البترول. وأصبح السيد أويحيى يتبنّى خطابا يقول عنه إنه وطني، ويعتبر أنه من ميراث المرحوم هواري بومدين. * لكن الواقع يختلف، لأن السيد أويحيى ليس ليبراليا، ولا اشتراكيا، ولا من أنصار »كينز« Keynes، ولا حتى من أنصار الليبرالية المتوحشة. إن السيد أويحيى رجل يكتفي بتطبيق ما تختاره السلطة، ويحاول أن يعطيه صبغة وطنية تارة، وعصرية تارة أخرى، كما تتطلبه الظروف. * ويجب الاعتراف أن السيد أويحيى يتميز بقدرة كبيرة في التكيف مع ما تريده السلطة، كما أنه يتميز بنفس الخصال في السياسة. فقد كان السيد أويحيى استئصاليا محنكا في مرحلة أولى، ثم ادعى الديمقراطية في مرحلة أخرى، قبل أن يكتشف المصالحة ويقوم بحملة من أجل الوئام الوطني. ويجب أن نعترف كذلك في نفس الباب أن السيد أويحيى يقتسم هذه القدرة في التغيير مع أعضاء آخرين من الحكومة، مثل السادة عبد الحميد طمار وشكيب خليل، الذين أبديا قدرة كبرى على مسايرة الرياح، حيث يتجهون يمينا أو شمالا دون أي قلق أو حرج... * ومن جهة أخرى، فإن تصرف الوزير الأول يؤكد عدم معرفته للقواعد الاقتصادية، لأنه مازال يعتقد أنه يكفيه إصدار قرار أو تعليمة ليغيّر مجرى الأمور. والحقيقة أن قرار السيد أويحيى سيقضي على ما تبقى من إمكانات استثمار أجنبي، لأن الثقة القليلة التي كانت قائمة ستزول بسبب آخر تعليماته. * ونذكر أن هذه التعليمة تفرض على أي مستثمر أجنبي أن يكون شريكا مع متعامل جزائري، ولا يمكن للأجنبي أن يكسب أغلبية الأسهم. كما عليه أن يبرهن أن مشروعه سيؤدي إلى فائض في العملة الصعبة. ويعني ذلك أن شركة »طويوطا« Toyota مثلا، إن أرادت أن تستثمر في الجزائر، سيكون عليها أن تشترك مع شركة العربات الصناعية أو مع السيد إسعد ربراب، وعليها أن تكتفي بنصيب لا يبلغ نصف الأسهم، وأن تبرهن أن سياراتها ستباع في الخارج بحجم سيغطي الاستثمار وكل ما سيتم استيراده من أجل الإنتاج... وكان من الأفضل للسيد أويحيى أن يتخذ إجراء بسيطا وسهلا. كان عليه أن يقول للأجانب: ممنوع الاستثمار... لأن الشروط التي يفرضها السيد أويحيى تشكل شروطا تعجيزية، حيث جاء بدواء أضر من الداء... *