دقات تتلو الدقات قبل أن يتوقف النبض فجأة.. فيعم الصمت في قاعة العمليات بمصلحة القلب لمستشفى "محمد عبد الرحماني".. حينها لا صوت يعلو فوق صوت جهاز القلب والرئة الاصطناعيين الذي يتوسط القاعة قبل أن يقطع البروفيسور بورزاق الهدوء التام بطلبه للمشرط وإعلانه عن الشروع في إحدى أخطر العمليات الجراحية في العالم. * عملية "القلب المفتوح" من أخطر العمليات الجراحية على المستوى العالمي.. منذ أقل من عشرية من الزمن كان المصابون بانسداد الصمامات أو التشوهات الخلقية للقلب في الجزائر يتطلب نقلهم إلى مستشفيات أوروبا وفق رعاية صحية خاصة وبصرف أموال طائلة للحجز والنقل والعلاج والمتابعة.. لكن إرادة مجموعة من الأطباء الجراحين الجزائريين في نقل التقنية الأمريكية والمعرفة الأوروبية إلى الجزائر سمحت بإنقاذ حياة عشرات الرجال والأطفال وبالمجان.. * "الشروق" اخترقت أبواب غرف العمليات لتحضر إحدى عمليات القلب المفتوح أو العودة من الموت. * * فريق طبي مائة بالمائة جزائري.. * المكان قاعة العمليات رقم 2 بالمؤسسة الاستشفائية المتخصصة في جراحة القلب والشرايين "محمد عبد الرحماني" ببئر مرادرايس.. عقارب الساعة تقارب التاسعة صباحا موعد أولى العمليات الجراحية الثلاث المبرمجة بالمستتشفى لهذا اليوم، يستقبلنا البروفيسور "بورزاق" وهو يُحضر نفسه للدخول إلى قاعة العمليات بتعقيم يديه وارتداء بدلة الجراح، وبمجرد أن تتجاوز قدماه عتبة القاعة يتجند جميع من فيها للشروع في سباق مع الزمن ومعركة لاستئصال المرض.. * الفريق الطبي المكوّن من تسعة جراحين و8 أطباء آخرين مختصين في التخدير والعلاج المكثف يعكس خبرة وهمّة جزائرية مئة بالمئة، شباب تمكنّوا من تطوير معارفهم بالاحتكاك بأطباء أساتذة أوروبيين وبرازيليين في دورات تكوين مكثفة بمجال عمليات "القلب المفتوح" ومعالجة التشوهات الخلقية لقلوب الأطفال. * * القلب والرئة الاصطناعيين.. * يتوسط غرفة العمليات رقم 2 سرير المريض وجهاز القلب والرئة الاصطناعيين الذي يُسيّر الدورة الدموية الصغرى والكبرى ومختلف أجهزة جسم المريض خلال الساعات الأربع للعملية.. تُدخل المريضة وهي سيدة في العقد السادس من العمر مُخدرة وجاهزة للعملية ليتناول البروفيسور "بورزاق" قيادة أرمدة الجراحين لإنهاء معاناة خالتي يمينة طيلة العشر سنوات الماضية مع أمراض وأسقام عديدة طوّقت قلبها.. ساعة ونصف من التركيز والأرق لإيقاف جميع العمليات الحيوية لقلب ورئة خالتي يمينة وربط الشرايين بأنابيب جهاز القلب والرئة الاصطناعيين، أحدث جهاز أسفرت عنه التكنولوجيا الأمريكية، ليُسير الجهاز الدورة الدموية الصغرى والكبرى بجسم السيدة يمينة طيلة زمن العملية.. وبحركات ثابت يُخرج البروفيسور القلب وبدقة متناهية، يتناول المشرط لتسريح الصمامات المسدودة على مدار ساعتين ونصف من الزمن.. وبابتسامة الانتصار يُعلن البروفيسور نجاح العملية والشروع في خياطة موضع الجراحة. * * شهادات الذين عادوا من الموت.. * تعذر علينا نقل شهادة خالتي يمينة لأنها لم تفق من عملية التخدير إلا بعد ساعات من العملية، فتنقلنا إلى غرف المرضى لنقل بعض شهاداتهم، حيث قالت الآنسة "كنزة. ق" أجريت لها عملية القلب المفتوح لتسريح الصمامات القلبية "لم أكن أتوقع أن مستشفى عموميا يحرص على النظافة وتوفير رعاية صحية بالمستوى العالي الذي عاينته طيلة تواجدي بالمستشفى.. هي ليست مجاملات ولكن حقيقة يعترف بها كل من جاء ليزورني في المستشفى.. كانت معاناتي عظيمة قبل إجراء العملية، وكنت مترددة في أن أجريها في مستشفى عمومي، خاصة وأن أغلب المرضى الجزائريين يتوجهوا إلى نيويورك لإجراء العملية أو المستشفيات الخاصة في الجزائر التي يُشرف عليها أطباء أجانب.. الشكر قليل في حق هؤلاء الأطباء.. جراحين منعشين خاصة البروفيسور "بورزاق" الذي كانت يده بلسم شفاء والدكتور عويش والدكتور مالك كريم". * * 500 عملية "قلب مفتوح" سنويا * وأوضح البروفيسور "بورزاق" وهو يرافقنا إلى مخرج المستشفى، أن 500 عملية قلب مفتوح يجريها الفريق الطبي للمستشفى سنويا ليُقلل من معاناة آلاف الجزائريين من ضمنهم أطفال يعانون من تشوهات خلقية على مستوى القلب، وذلك بعد إشراك الفرق الطبية الأوروبية والبرازيلية خلال السنتين الماضيتين، حيث أجريت 88 عملية للأطفال من ذوي التشوهات الخلقية على مستوى القلب سنة 2008 بعد أن كانوا يُنقلون إلى بروكسل وعمان. *