يستعد المركز الاستشفائي الجامعي "فرانس فانون" بالبليدة لاستلام أحدث جهاز في العالم، يخص علاج الأورام وسرطانات المخ والأعصاب، بتكلفة تصل حدود 30 مليار سنتيم، ومن شأن هذا الجهاز الدقيق الذي وافق رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة على اقتنائه أن يقضي على تحويل المرضى إلى الخارج، ويخفف عبء تكاليف العلاج بالعملة الصعبة، وسوف يتم يوم ال 26 من الشهر الجاري إجراء أول عملية على المخ وفق نظام الإشعاع بواسطة الترددات المغناطيسية، يشرف عليه واحد من ألمع الجراحين الجزائريين وهو البروفيسور "خير الدين بويوسف" الذي سيجسد بمعية طاقمه الطبي أحدث تقنية في العالم مما سيجعل الجزائر رائدة في إفريقيا والعالم العربي برمته، وحسب مدير المستشفى السيد برابح زبار في تصريح ل "المساء" فإن حظوظ قطاعه صارت كبيرة، كونه سيكون أول مستشفى قاري وعربي والرابع عالمياً، خاصة إذا تواصل دعم هياكل هذا المرفق وسد بعض النقائص الطفيفة التي ليست بالصعبة على الجهات المعنية. رغم أن زيارتنا إلى مستشفى فرانس فانون بالبليدة كانت لوقت قصير، وتزامنت مع انشغال العديد من الجراحين الكبار بإجراء العمليات الجراحية الدقيقة، فإن ذلك لم يمنعنا من الوقوف على الجهود الكبيرة التي يبذلها الطاقم الطبي وشبه الطبي والإداري معاً في تقديم خدمات صحية نوعية وراقية، يشهد لها المرضى الذين وجدنا عينات منهم بهذا المرفق الهام الذي ما فتئت هياكله تتوسع لتكون قطباً صحيا، متكاملاً. وذكر لنا بعض من وجدناهم بالمكان أن المستشفى لم يعد ذلك المرفق المنقوص الذي كانت بعض مصالحه القديمة منذ سنوات خلت في وضعية لا تحسد عليها، وكان حينها الأطباء وشبه الطبيين يجدون صعوبة كبيرة في تلبية احتياجات الوافدين من مختلف ولايات الوطن، لا سيما ولايات الوسط التي كانت تحوّل آلاف الحالات الصحية المستعصية نحو مستشفى البليدة، ومنها ولايات المدية، تيبازة، عين الدفلى، الشلف، الجلفة، تيسمسيلت وكذا الجزائر العاصمة، وأشار أحد المرافقين للمرضى وجدناه أمام قسم جراحة الأعصاب ينتظر نتيجة عملية جراحية خضع لها أحد أقاربه، أنه انتظر منذ مدة وصول موعد العملية الذي لم يتأخر كثيراً مقارنة ببعض الحالات التي تتطلب شهوراً طويلة، قائلاً أن " النقلة النوعية التي يشهدها المستشفى سواء من ناحية الاستقبال أو التكفل الصحي، لم تكن موجودة من قبل، والسبب حسب محدثنا هو ما توفره الدولة من تجهيزات كبيرة، وما يتوفر عليه المرفق من مختصين يعدون مفخرة للقطاع، وفي هذا السياق يذكر أحد المترددين على المستشفى والعارفين بطاقمه أن مستشفى البليدة سطع نجمه بفضل التسيير المحكم والانسجام الحاصل بين الإدارة والسلك الطبي المشهود له بالكفاءة والخبرة أمثال البروفيسور "خير الدين بويوسف" رئيس قسم جراحة المخ والأعصاب، والبروفيسور "بوعلقة" رئيس قسم المعالجة بالأشعة بالمؤسسة المتخصصة في معالجة أمراض السرطان، إلى جانب البروفيسور "سي احمد المهدي" رئيس قسم الجراحة العامة الذي يشرف على عمليات زرع الكلى، فضلاً عن البروفيسور "يحي روس" رئيس قسم أمراض الأذن والحنجرة والأنف المشرف على عمليات زرع القوقعات السمعية، وأيضاً البروفيسور "مراد حميداني" رئيس قسم جراحة العظام والمشرف على عمليات جراحة ومعالجة داء اعوجاج العمود الفقري، وزرع بدائل الركبة والورك، والبروفيسور "زهور بن شريف" رئيسة قسم طب العيون التي تشرف على زرع القرنيات. أحد المواطنين البليديين بذاكرته إلى الوراء، ليحدثنا عن المستشفى وبالضبط خلال سنوات الجمر مؤكداً أن المستشفى حينها كان بحاجة ماسة إلى التأطير الطبي والمعدات الضرورية، ولكن رغم ذلك فإنه قدم خدمات جليلة استجابت للظروف المحيطية آنذاك. الرئيس بوتفليقة أمر بتزويد المستشفى بأحدث جهاز في العالم فالزائر اليوم لمستشفى فرانس فانون يلاحظ الورشات العديدة التي ستعطي في النهاية هياكل صحية جديدة وواعدة ومنها مشروع معهد أمراض الكلى، الذي بدأت أشغاله في 2006 الذي سيساعد الفريق الطبي على الاستفادة من إجراء الفحوصات والتحاليل والقيام بالعمليات النوعية وأهمها زرع الكلى التي كانت تجرى في الخارج، وفي هذا الصدد قال المدير العام للمستشفى السيد برابح زبار أن قطاعه محظوظ لأن رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة الذي زار المستشفى في 2001 وافق على المشروع، وعاين أشغاله في ماي 2007، وحينها اغتنم الطاقم الطبي الفرصة ليطلبوا من فخامة الرئيس تزويد مصلحة جراحة المخ والأعصاب بجهاز متطور، فأمر على الفور باقتنائه. إلى جانب ذلك يعرف مشروع مركب الاستعجالات الطبية الجراحية تقدماً ملحوظاً، لفصله عن الإقامة الاستشفائية، وكذا مصلحة جراحة العظام والرضوض، التي أنجزت بالقرب من مصلحة التدريب الوظيفي والتأهيل الحركي، وتعويض وحدة امحمد زبانة المختصة التي تقع خارج المستشفى، فضلاً عن قاعة جراحة الشرايين ومصلحة الفحوصات والجراحة العامة... وغيرها من الهياكل التي غيرت وجه المركز الاستشفائي، ومن شأنها أن تحسن التغطية الصحية وتوفير خدمات راقية، وحسب مدير وحدة فرانس فانون السيد عبد الله سرير فإن الهدف من هذه المشاريع هو تخفيف الضغط وتقريب المصالح من بعضها البعض، بما يخدم الطاقم العامل والمريض كليهما. "برين سويت" جيل جديد لأحدث أجهزة جراحة المخ والأعصاب لما دخلنا قسم جراحة الأعصاب، كانت بوابته تغص بأهالي المرضى، فمنهم من ينتظر أقارب له يتم تحضيرهم لإجراء عمليات جراحية دقيقة ومصيرية، وآخرون يشدون على قلوبهم وجلاً من مكروه يصيب مرضاهم الذين كانوا حينها في غرفة العمليات، لا أحد يستطيع الدخول إلى القاعة إلا العاملين، رافقنا أحد المسؤولين، وبصعوبة كبيرة استطاع أن يوفر لنا ترخيصاً لدخول قاعة العمليات التي ستحتضن الجيل الجديد لأحدث جهاز يخص إجراء عمليات دقيقة تتعلق بإزالة أورام وسرطانات المخ والأعصاب، وقام أحد مستخدمي الفريق الطبي بإلباسنا مآزر وقبعات خضراء وأحذية قماشية، وفق ما تفرضه قوانين الدخول إلى قاعات العمليات، الهدوء يخيم على القاعة، فلا تسمع إلا أطباء وممرضين يتحدثون بأصوات منخفضة وتارة بالإشارات، يتخللها صوت الأدوات الجراحية اليدوية والآلية.. مررنا ببهو صغير يقود إلى قاعة العمليات، أطباء، جراحون وممرضون يلتفون حول مريض طريح كانوا حينها يستأصلون منه أحد الأورام المستعصية، وقفنا هنيهة ورحنا نتأمل مشهداً ليس ككل المشاهد، بعدها قادنا أحد التقنيين السامين في الصحة إلى القاعة المجاورة، لقد هيئت مؤخراً وتم بها نصب ملحقات ومعدات تمثل في شاشات بلازما كبيرة في أعلى جدران القاعة، لتمكين المتربصين من الاطباء المقيمين من رؤية أطوار العمليات على المباشر، وفي الأسفل تم وضع جهاز حاسوب متصل بجهاز الأشعة الذي يقوم بتصوير المخ ويمكّن من تسجيل وتحديد كل الإحداثيات والمعطيات الدقيقة المتعلقة بالجزء المريض في المخ، على قرص مضغوط " عند بدء العملية يستعين الطبيب الجرّاح بهذا الجهاز ليعيد قراءة المعطيات وتحديدها بدقة متناهية" قال مرافقنا مضيفاً أن جهاز "برين سويت" يعمل بنظام الإشعاع بواسطة الترددات المغناطيسية ويقوم ب"مهاجمة" وإزالة الأورام والسرطانات دون التأثير على المناطق غير المصابة، وبدقة متناهية وفي انتظار الجهاز الذي سيصل هذه الأيام سيتم فتح القاعة المذكورة على القاعة المجاورة ومد طريق بينهما يشبه طريق السكة الحديدية يسهل انزلاق السرير المتنقل، مؤكداً أن المريض لن يحتاج إلى نقله خارج المبنى الواحد مستقبلاً، فالفحص والتحاليل المخبرية والأشعة والعملية الجراحية ستتم بهذا القسم ربحاً للوقت وتمكيناً للفريق الطبي من إجراء العمليات الدقيقة في راحة تامة ودون تشتت الجهود. التحويلات الطبية تقلصت ب71 بالمائة من بين المشاكل التي كان يتخبط فيها مستشفى فرانس فانون الجامعي هو التدفق الكبير للمرضى المحولين من مستشفيات ولايات الوسط المذكورة، فقد كان هذا الهيكل الصحي يعمل بطاقة مضاعفة لاحتواء الوضع، وفي ذلك يقول السيد زبار برابح "كنا لا نستطيع العمل براحة حينما كان المرضى يُفرَضون علينا فرضاً، لكن منذ 2006 وتطبيقاً للقوانين المنظمة لإجراءات التحويل تنفسنا الصعداء.." مضيفاً أن الشروط الجديدة التي تحدد نقل وتحويل المرضى بين المستشفيات ساهمت بقسط كبير في تحسن الخدمات الصحية، مؤكداً أن التحويلات تقلصت من 14 ألف إلى 4 آلاف حالة بعد تطبيق القانون الجديد، أي ما يفوق نسبة 71 بالمائة"، وبرأي محدثنا فإن التحويلات صارت تتم بين المستشفيات عن طريق الاتصال هاتفياً أو عبر الفاكس، كما أنه تم منع الترخيص بنقل المرضى بين المستشفيات على متن سيارات لا تتوفر على شروط سلامة وحماية المريض، مثلما كان معمولاً به من قبل، فقد كان الأطباء يرخصون لأهالي المرضى - في حالة عجز المستشفيات عن توفير سيارات إسعاف- نقل المرضى على متن سيارات سياحية أو حتى نفعية تزيد في تردي صحة المريض وتعريضه لمضاعفات خطيرة قد تؤدي إلى الوفاة. "العمليات النوعية" تخفف عبء اللجوء إلى الخارج وكشف مدير مستشفى فرانس فانون السيد زبار أن تحسن الخدمات جعل المرفق يستقبل عدداً إضافياً من المرضى، ففي مقارنة السداسي الأول من السنة الجارية بمثله في السنة الماضية يظهر الفارق، ومثال ذلك أن عدد الفحوصات المتخصصة ارتفع من 80707 إلى 91008 فحص أي بفارق 8018 فحصاً، وكذا الفحوصات الاستعجالية قفز من 93945 إلى 116827 فحصاً بفارق 22883 فحصاً إضافياً، إلى جانب الإقامات الاستشفائية التي ارتفعت من 18100 إلى 19530 فحصاً أي بزيادة 1430، وهو مؤشر - حسب مصدرنا - لارتفاع حجم التكفل. أما بشأن العمليات الجراحية النوعية، لا سيما المتعلقة بزرع الأعضاء فجاء في تقرير المستشفى أنه تم تحقيق تقدم ملحوظ في تجسيد الالتزامات السنوية المتعلقة بالعمليات، ومنها زرع 50 قرنية من أصل 80 مسجلة، و8 عمليات زرع للكلى من أصل 18، أما القوقعات السمعية فتحقق بشأنها 26 عملية من مجمل 100 حالة مسجلة، يضاف إلى ذلك 5 عمليات لعلاج داء اعوجاج العمود الفقري من أصل 20 مسجلة. وتدل هذه العمليات النوعية الدقيقة- حسب مسؤول المستشفى- على رفع التحدي وتجسيد التوجه الجديد الذي يهدف للقضاء على مشكل تحويل المرضى نحو الخارج وما يكلف القطاع من أموال باهظة، مشيراً إلى أن التجهيزات الجديدة التي سيستلمها المستشفى ستضمن توفير فرص أكبر للعلاج لفائدة المرضى. للإشارة يعود تاريخ مستشفى فرانس فانون المعروف سابقاً بمستشفى جوانفيل إلى سنة 1936 وكان مختصاً بمعالجة الأمراض العقلية إلى غاية 1980 تاريخ ضمه لاختصاصات الطب الأخرى، وقد تم فصل مستشفى الأمراض العقلية عن المركز الاستشفائي الجامعي للبليدة، على مساحة 37 هكتاراً وبه 790 سريراً، ووصلت ميزانية التسيير به حدود 230 مليار سنتيم لرسم سنة 2008، ويصل عدد المستخدمين إلى 3025 عاملاً في السلك الطبي وشبه الطبي والإدارة، فضلاً عن الأطباء المقيمين في إطار التكوين الذي يضمنه المستشفى اذ يصل عددهم إلى202 طبيب، لكن رغم ذلك فإن حاجة المستشفى تبقى ملحة للمختصين في الإنعاش حيث يصل النقص إلى 8 اختصاصيين، وهو المطلب الذي يرفعه المسؤولون إلى الجهات المعنية كي تستدركه حتى يتمكن هذا الصرح الصحي من أداء أنبل المهن المتعلقة بإنقاذ أرواح الناس. استطلاع: رشيد كعبوب/ تصوير: مصطفى العيداوي