جزائر ال10 من أفريل لن تكون مغايرة لجزائر ال9 من ذات الشهر. لكن الانتخابات ستحمل رسائل كثيرة من الجزائريين ينبغي على السلطة أن تقرأها وتتعامل معها بجدية. فالوضع يدعو الرئيس بوتفليقة إلى القيام بتشخيص دقيق لوضع البلد وتبني خارطة طريق جديدة مغايرة للعشر سنوات المقبلة. فمن غير المنطقي الاستمرار بنفس الأشخاص والسياسات التي أنتجت الفشل الحالي، لأن ذلك يعني إنتاج المزيد من الفشل خلال الخمس سنوات المقبلة. * يفترض في حدث سياسي هام مثل الانتخابات الرئاسية أن يفضي، على مستوى صناع القرار، إلى بلورة خارطة طريق جديدة بالنسبة للخمس سنوات المقبلة. فالكيفية السلبية التي يتعاطى بها الشارع مع الانتخابات والنتائج الحقيقية التي سيتمخض عنها الاقتراع هي حاملة من دون شك لرسائل كثيرة للسلطة يجب أن تفهمها جيدا، ومن السذاجة الاكتفاء بإظهار نشوة الانتصار والعودة إلى الرتابة السابقة. * وكما تمت الإشارة في مقال سابق، كانت الحملة الانتخابية التي شارفت على الانتهاء عبارة عن »سيرك عمار«، أو كما كتب لي أحد القراء مشكورا »كرنفال في دشرة«، بدلا من أن تكون مناسبة لانبثاق وتفريخ الأفكار الجديدة التي سينطلق البلد على أساسها بعد الانتخاب، ربما لأن نتائج هذه الانتخابات محسومة سلفا، (علما أنها حسمت في 12 نوفمبر 2008) فكان المترشحون يخوضون معركة التنشيط السياسي تجاه جمهور غير آبه عله يغيّر رأيه ويتوجه نحو الصناديق يوم 9 أفريل، فرأينا شكاوى كثيرة واتهامات دون تحديد المسؤوليات، واجترار لكلام ظل يكرر على مسامع الجزائريين منذ التسعينيات، ونقاش باهت أخفق في وضع الأصبع على الجرح كما يقال. وعموما لم يستغل هذا الموعد السياسي لأجل تشخيص جيد لمشاكل الجزائر، وطرح جدي يفرز الأفكار الجديدة التي يمكن أن نطبقها في المرحلة القادمة. * السؤال المطروح هو: هل ستستمر الجزائر بعد التاسع من أفريل بنفس السياسات وبنفس الوجوه؟ * أكيد أن جزائر العاشر من أفريل لن تكون مغايرة لجزائر التاسع من ذات الشهر. فكما جرت العادة، سيلتقي وزير الداخلية الصحافيين ليعطي النتائج مرفقة بقراءة السلطة، وسيقول السياسيون الآخرون ما يحلو لهم، ثم ينصرف الجميع، لكن في ذات الوقت ستكون الشرائح الواسعة من الجزائريين في الأسواق تصارع أسعار البطاطا التي أصبحت مشكلة وطنية عجزت عن حلها الدولة برمتها، وسيبقى آلاف الحراقة يترقبون هدوء البحر ليركبوا »قوارب الموت« فارين نحو الضفة الأخرى، كما يظل الاقتصاد الجزائري، غير المنتج والآكل للثروة بدلا من أن ينتجها، ينتظر الحل السحري الذي يعد به طمار وزملاءه في الحكومة منذ سنوات ولم يحققوا سوى الإخفاق تلو الآخر. * صراحة، لا أعتقد أن جهازا حكوميا يخوض معركة قوية منذ ثلاث سنوات مع مشكلة البطاطا، ورفع الراية البيضاء معلنا عن إخفاقه في إيجاد حل لها (الأسعار عادت مجددا لما فوق ال70 دينارا للكلغ)، سوف يقدر على حل مشاكل البلاد الأخرى الأكثر تعقيدا كرفع الصادرات خارج المحروقات والقطاع المصرفي ومشاكل الصحة والمدرسة والإرهاب والحراقة. كما أنني أشك في أن الحكومة التي عجزت منذ سنوات على غلق مزبلة وادي السمار بالعاصمة، التي تسيء لسمعة الجزائر بروائحها النتنة التي تصدم زائري مطار هواري بومدين، سوف تقدر على فعل شيء آخر! * حقيقة، هذه الانتخابات ستكرس الاستمرارية كما أريد لها أن تكون وكما قالها صراحة منشطو الحملة الانتخابية لفائدة المترشح الحر عبد العزيز بوتفليقة. هل يعني هذا أن السلطة لا تدرك أن سياساتها والناس الذين اختيروا لتنفيذها عاجزون لحد الآن عن حل مشاكل الجزائريين؟ إذا كان الأمر كذلك فالمصيبة مصيبتان كما يقال. وإذا ما تم الاستمرار بنفس الوجوه وبذات السياسات التي أنتجت الفشل الحالي فهذا يعني أننا سننتج مزيدا من الفشل في الخمس سنوات المقبلة. فنفس الأشخاص يعني نفس النتائج. وعليه، لو كنت في مكان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، فسوف لن أتردد في رسم خارطة طريق جديدة بعد إجراء تشخيص شامل لوضع البلاد يوم الجمعة العاشر من أفريل، بحيث يتم تحديد مواطن الخلل الأساسية واتخاذ قرارات حاسمة بما في ذلك استقدام الكفاءات الجديدة القادرة على تحقيق النتائج الملموسة في الميدان بدل أولئك الذين يتقنون فنون المدح والشيتة وينقادون برؤوسهم الخاوية نحو الرشوة والفساد، وهم يدركون أنهم على خطإ كما لا يتردون في الضحك على الجزائريين... لكن قد يواجه هذا المسعى بعض الصعوبات لأن الحشود الكبيرة من مساندي الرئيس في حملته ينتظرون المكافآت في الأيام التي تلي نتائج الاقتراع، وهذا في حد ذاته عامل ضغط يعيق مساعي التغيير! * من جانب آخر، هناك تشاؤم كبير عند السياسيين والملاحظين حول الصيغة التي يريد أن يستقر عليها نظام الحكم في السنوات المقبلة، كونها لن تضمن لا تطور الديمقراطية الفتية ولا نجاح التنمية ولا حتى الاستقرار المنشود، بل على العكس من ذلك، سوف تجلب المزيد من الفساد السياسي والإداري والغرق في مستنقعات الرشوة وسوء التسيير ومزيدا من الفشل في التنمية والعجز عن إيجاد الحلول الملائمة لمشاكل البلاد. * ففي المجال السياسي، من الخطإ الاعتقاد بأن الجزء اليسير من الديمقراطية المظهرية والشكلية التي سُمح بها للجزائريين سيجلب الاستقرار المنشود ويؤمّن الممارسة الديمقراطية من هزات عنف شبيهة بمآسي سنوات الإرهاب الأعمى. كما أن استمرار الاحتكار الإعلامي والسياسي والتحكم الفوقي في الحياة السياسية سيحول دون مأسسة (أي بناء مؤسسات) الحياة السياسية بالصورة التي تجعل التداول على السلطة وممارستها والخروج منها يتم بصورة آلية وواضحة من الحاجة للرقابة الشديدة من أصحاب القرار. فالحياة السياسية بحاجة إلى الضبط والترسيم بآليات دستورية وقانونية ومؤسسات تراقب نفسها بنفسها ولن نكون بعد ذلك بحاجة إلى »شانبيط« أو »كابران«... * [email protected]