بوتفليقة.. الاستمرارية.. المصالحة.. والعفو الشامل الورقة الأقوى حشود شعبية .. وغارات على قلاع دعاة المقاطعة ''حملة على طريقة الكبار''، أقل ما يمكن قوله عن الحملة الانتخابية للمترشح عبد العزيز بوتفليقة، فطوال 19 يوما زار خلالها الرئيس المترشح 31 ولاية ونشط 12 تجمعا شعبيا، امتزجت حملته بين العمل الجواري والتجمعات الشعبية، وكان خطابه في إطار الاستمرارية مبني أساسا على مشروع المصالحة الوطنية. البداية كانت من ولاية باتنة التي اختارها بوتفليقة لمباشرة حملته الانتخابية، تيمنا بذكرى استشهاد البطل مصطفى بن بولعيد، واختار بوتفليقة أن يبدأ أول تجمع شعبي له في القاعة متعددة الرياضات بعبارة ''جئنا نستقي الوطنية من أرض الرجولة والجهاد''، وباعتراف الجميع فقد كانت بداية بوتفليقة مميزة جدا سواء من حيث رمزية المكان أو الذكرى لما لها من دلالة كبيرة كون الأمر يتعلق بمهد الثورة. رئاسيات 2004 واستحقاق 2009 .. التغير الجذري في الإستراتيجية واللافت في حملة بوتفليقة هذه المرة أنها جاءت مغايرة تماما لما جرت عليه الأمور في الاستحقاقين السابقين، بحيث مرت كل خرجات بوتفليقة التي وصلت إلى31 ولاية في تنظيم محكم وتوزيع جغرافي دقيق ومدروس لتشمل كل جهات الوطن، بحيث سهر الطاقم الذي أشرف على وضع هذا البرنامج على المزاوجة بين العمل الجواري، والاحتكاك المباشر مع المواطنين، من خلال الاستقبالات الشعبية الحاشدة التي كانت تنظم بكل ولاية، وبين التجمعات الشعبية واللقاءات التي ينشطها بوتفليقة، أي بمعدل ولايتين في اليوم ينظم فيهما بوتفليقة استقبالين شعبيين، إضافة إلى لقاء أو تجمع شعبي في إحدى هاتين الولايتين. ويضاف إلى هذه المزاوجة بين العمل الجواري الذي كان بمثابة العمود الفقري في حملة بوتفليقة هذه المرة، والتجمعات الحاشدة نقطة جد مهمة، تتمثل في أن هذا الأخير ابتعد هذه المرة عن أسلوب الطرح والتنظير، أو الترويج لبرنامج جديد كما يفعل المترشحون عادة، بحيث ركز طوال 17 يوما قضاها في التجول بين الولايات على العمل الجواري والاحتكاك أكبر قدر ممكن مع المواطنين الذين كانوا في استقباله في كل الولايات التي حل بها. وبالنظر إلى البداية التي كانت من حفل إعلان الترشح بالقاعة البيضاوية، كانت كل المؤشرات توحي بأن حملة بوتفليقة للرئاسيات ستكون مميزة على كل الأصعدة، حتى في اللون الأزرق الذي اختير أسوة بالرئيس الأمريكي ''باراك أوباما''، كما كانت كل التجمعات التي نشطها بوتفليقة والتي وصلت إلى 12 تجمعا قصيرة ومختصرة، وتجنب بوتفليقة الوقوع في الإطناب والتكرار على أساس أن الخطاب الذي تبناه هذا الأخير، هو الاستمرارية والبرنامج هو الورشات المفتوحة منذ 1999 تاريخ صعوده إلى منصب الرئاسة. البرنامج .. الاستمرارية .. والمنجزات أوراق رابحة منذ بداية الحملة ظل المترشح بوتفليقة يؤكد في كل مرة على أنه ليس لديه برنامج جديد ليعرضه على الشعب، وحرص بوتفليقة على الظهور بمظهر المرشح الذي يعرفه الشعب جيدا من خلال تجربة 10 سنوات على رأس الدولة، مرافعا في كل تجمعاته بأن برنامجه هو ما شرع فيه منذ 1999 بما تحقق من منجزات وما تبقى ينتظر التجسيد، وكان شعار الاستمرارية هو المسيطر على كل ما قاله بوتفليقة خلال هذه الحملة، بدءا من تجمع باتنة ووصولا إلى تجمع القاعة البيضوية، فطوال 12 خطابا ألقاه بوتفيلقة لم يغب عن كلامه شعار الاستمرارية وضرورة المواصلة في وتيرة الإنجازات وعلى كل الأصعدة، وحتى عندما يخاطب الناخبين كان بوتفليقة يقول عليكم أن تختاروا ما بين الاستمرارية والتغيير. ومن ناحية الوعود أو ما ينوي بوتفليقة تحقيقه في عهدته الثالثة، فلم يطنب هذا الأخير فيها وكانت كلها في إطار الاستمرارية وعلى نفس الريتم والإيقاع، فما عدا وعده بتوفير 3 ملايين منصب شغل، وكذا بعث مشروع مليون سكن جديد لم يعط بوتفليقة أية وعود بأرقام كما يفعل المترشحون عادة. المصالحة الوطنية العمود الفقري في خطاب بوتفليقة الانتخابي وبالعودة إلى تجمعات بوتفليقة أثناء الحملة، فقد تسيّد موضوع المصالحة الوطنية وترقيتها كل خطاباته وكان بمثابة المادة الدسمة والركيزة الأساسية فيه، بحيث لم يمر تجمع ولا لقاء جواري إلا وتطرق بوتفليقة لهذا الموضوع بشيء من التفصيل، واعد بضرورة المواصلة فيه ''مهما كلفه الأمر'' وهي العبارة التي قالها بوتفليقة مرات عديدة وفي العديد من الولايات، وبالرغم من أن هذا الموضوع كان متوقعا إثارته من قبل بوتفليقة إلا أنه شكل أهم محور في خطاباته بعد أن ظل يؤكد ويرافع للتحسن الكبير في الوضع الأمني بفضل سياسة المصالحة الوطنية التي بدأها بالوئام المدني خلال عهدته الأولى ثم رقاها عن طريق ميثاق السلم والمصالحة الوطنية خلال عهدته الرئاسية الثانية. كلام بوتفليقة عن المصالحة لم يخلو من الكثير من الرسائل المشفرة والتي حرص على إيصالها إلى العديد من الأطراف ذات الصلة المباشرة بما عرفته البلاد من أزمة، فمن ولاية تلمسان فاجأ بوتفليقة الجميع وقال بالحرف ''أهلكتمونا أهلككم الله''، في رسالة واضحة للمطالبين بحق النشاط السياسي من قادة ''الفيس'' المحل والتائبين، ليوجه بعدها ومن ولاية تيارت رسالة مطمئنة هذه المرة إلى عناصر الدفاع الذاتي الذين وقفوا في العشرية السوداء حماية للدولة، واعدا إياهم بتكفل الدولة بهم نظير ما قدموه خلال سنوات الإرهاب، وهي نقطة ظل يطالب بها هؤلاء خصوصا مع وضعيتهم الغامضة من الناحية القانونية بعد تجنيدهم وضبابية مصيرهم بعد استتباب الأمن.وبين التعهد بمواصلة مسار المصالحة الوطنية والحرص على تبليغ بعض الرسائل الضمنية حتى لا يتم على ما يبدو الخطأ في التأويل والذهاب بعيدا في القراءات، كشف بوتفليقة عن مفاجئته وجديده خلال هذه الحملة والمتعلقة برؤيته لمواصفات وشروط العفو الشامل. العفو الشامل المفاجأة المدوية للحملة في الوقت الذي لم يتوقع فيه أحد أن يتطرق بوتفليقة لمسألة بحجم العفو الشامل، خرج هذا الأخير عن صمته ومن قاعة دار الثقافة بمدينة تمنراست، وقال إنه لن يكون هناك أي عفو شامل ما لم يضع كل من تبقى من المصرين على العنف سلاحهم ويعودون إلى جادة الصواب، ولم يكتف بوتفليقة بهذا بل حذر أيضا من أن عدم اختيار الوقت المناسب لمثل هذا الإجراء ستكون له عواقب وخيمة على المجتمع وقد يؤدي إلى العنف من جديد، مساويا بينه وبين العنف الذي يؤدي إلى الحرب الأهلية. وقد أطلق بوتفليقة العديد من الرسائل وإلى أسر ضحايا الإرهاب تحديدا من خلال إبداء تضامنه مع ما كابدوه من جراح قائلا ''من يضمن لي جفاف دموع الأم الثكلى''، ومع ذلك فقد رافع في سياقات أخرى من أجل حتمية الوصول لمثل هذا الإجراء لطي ملف الأزمة نهائيا، وفهم بأن العفو الشامل يريده بوتفليقة لتوشيح مشروعه الخاص بالمصالحة الوطنية. ورغم توالي التجمعات الشعبية التي نشطها بوتفليقة بعد لقاء تمنراست إلا أنه لزم الصمت حيال هذه النقطة رغم أن موضوع المصالحة الوطنية كان حاضرا في كل مرة، وكان لا بد من انتظار التجمع الأخير الذي نشطه بالقاعة البيضاوية بالعاصمة ليقول بوتفليقة ما لم يقله في تمنراست، فقد حدد تصوره العام وشروطه من أجل إصداره للعفو الشامل التي حددها في وضع كل من تبقى من الإرهابيين السلاح وجنوحهم للسلم، وكذا ضرورة الرجوع إلى الشعب من خلال استشارته عبر استفتاء مع تأكيده على أن حق العفو يبقى من حق خالص للشعب وحده. وبذلك يكون بوتفليقة قد حدد معالم هذا الاستفتاء بعد أن أوضح طريقة إجرائه، ويتم التأكد من أن عهداته الثلاث لن تخرج عن هذا الإطار، بحيث ستكون العهدة الأولى للوئام المدني، والثانية للمصالحة، والثالثة للعفو الشامل الذي سيطوي ملف الأزمة بصفة نهائية. استقبال أسطوري .. بوتفليقة ومنطقة القبائل .. عشق متبادل وتحالف ضد المقاطعين لاشك أن أهم وأنجح خرجة لبوتفليقة أثناء الحملة الانتخابية تلك التي قادته إلى منطقة القبائل أو ''الغول المخيف لمعظم السياسيين'' كما أصبحت تلقب، فعكس كل التوقعات فقد كانت زيارة بوتفليقة إلى ولايتي بجاية وتيزي وزو الأنجح من بين 31 ولاية زارها خلال الحملة، فبولاية بجاية حظي باستقبال جماهيري حاشد ولم يكن التجمع الشعبي الذي نشطه بالقاعة متعددة الرياضات أقل نجاحا من الاستقبال، وما يقال على بجاية ينطبق تماما على تيزي وزو التي حظي بها باستقبال أسطوري، وكانت هذه الخرجة بشهادة الجميع بمثابة صفعة قوية لدعاة المقاطعة المراهنين على هذه المنطقة. بوتفليقة لم يفوت هذه الفرصة دون أن ''يرافع لصلح تاريخي مع المنطقة''، من خلال وعده ببرنامجين ضخمين للتنمية في المنطقة وتأكيده على البعد الأمازيغي ووعده على المضي قدما في ترقتيه، وهو ما كان قد استبقه من ورقلة التي عبر فيها عن استعداده لإنشاء أكاديمية للأمازيغية إذا لزم الأمر. ويبقى أهم ما قاله بوتفليقة في منطقة القبائل هو اعترافه الضمني بخطأه في تقدير حقيقة الأزمة في المنطقة بعد أحداث الربيع الأسود، وأن الأولوية الآن هي للبناء والتشييد وضرورة طي هذه الصفحة لأنه ليس المهم من أخطأ، لأن الجميع جزائريين ولا خيار عن التآخي والتسامح. محطات ساخنة في خطابات بوتفليقة ''جئت أستقي الشهامة والرجولة والوطنية من أرض الجهاد والأبطال''. ''أحيي أخي الرئيس اليامين زروال الذي وقف وقت الأزمة وكان لها بالمرصاد''. التجمع الشعبي بباتنة. ''هناك من يتحدث ويقول بأننا لم نعطه حقه، الشعب هو من يمنح، أهلكتونا الله يهلكم'' اللقاء الجواري بدار الثقافة بتلمسان. ''الجزائر لها من الإمكانيات ما يكفي لتنظيم كأسين للعالم...الرياضة دخلتها الرشوة والمحسوبية والسلطة لها مسؤولية في ذلك...يا جماعة هاذو معولين على عشانا''. سطيف مركب 8 ماي. ''...الإخوان الذين يتغنون بالأصالة ليسوا أكثر أصالة منا، إذا كان الأمر يتعلق بأكاديمية للأمازيغية فسننشئها... وإذا كان الأمر يتعلق بيناير فكلنا نحتفل به''. ''لقد رأيتم بوادر هذه السياسة إذا صدقتموني سيكون لكم شأن كبير...''. اللقاء الجواري بمدينة ورقلة. '' الآن سنفتح صفحة جديدة، نحتاج إلى شيء من الحب ومن الوطنية، لبنة لبنة هكذا تبنى الأوطان''. التجمع الشعبي بمدينة بجاية. '' الآن يمكنني أن أموت وأنا مستريح...'' '' حتى الآن لا أعرف من استدرج المنطقة إلى هذه التراجيديا...'' '' قد أبكي دموع الدم ليلا لكن في النهار لا يراني العدو إلا وأنا ضاحكا'' دار الثقافة تيزي وزو. ''آمن من يأتينا بحب الجزائر وبسماحة الإسلام وبعقلية البناء، وغير آمن من يأتينا بإضرار وتخريب الجزائر'' '' لا يا سيدي العفو الشامل يأتي فيما بعد، بعد أن يضع كل المسلحين سلاحهم، العفو الشامل ليس سلعة تأخذ هكذا من السوق...كما العنف يمكن أن يؤدي إلى الحرب الأهلية يمكن للعفو الشامل أن يؤدي إليها...من يضمن لي أن الأم الثكلى جفت دموعها والأب المفجوع قد التئمت جراحه''.''جميل أن تتوج المصالحة بالعفو الشامل لكن لابد من اختيار الوقت المناسب'' دار الثقافة تمنراست. '' لا أدري إن كان بومدين معنا هل سيكون فرحانا أم لا''، '' الشرخ المزعوم في منطقة القبائل لا يوجد إلا في رؤوس أعداء الجزائر''، ''كل من يحمل السلاح ولا يريد وضعه وتسليمه فسيستأصل...'' اللقاء الجواري بقالمة. '' لن يكون هناك عفو شامل إلا بعد استشارة الشعب،...لا يمكن إجراء العفو الشامل على حساب كرامة الشعب ومصلحة الوطن'' القاعة البيضوية العاصمة. جمعها ميلود عباس