للذين لا يعرفون شيئا عن تاريخ أمريكا الوسطى نروي لهم أحداث واحدة من أهم الحروب التي وقعت في القرن الماضي، بهاته المنطقة التي مازلنا نصرّ أننا خير منها.. * * ففي عام 1969 بينما كان الصراع الكروي على أشدّه حول بطاقة التأهل لكأس العالم بالمكسيك، إلتقى منتخبا السلفادور والهندوراس في مواجهة كروية، تلتها أحداث شغب داخل وخارج الملعب وانتقل التنابز والتضارب مابين الحكومتين، وتم بعدها طرد الجالية السلفادورية التي تعيش في الهوندوراس، وبلغ عددهم أزيد عن مئة ألف عامل وجدوا أنفسهم في بطالة وحرمان، واندلعت في جويلية 1969 حرب الخمسة أيام الشهيرة مابين البلدين وخلفت مالا يقل عن خمسة آلاف قتيل في الجانبين، وتدخلت الأممالمتحدة ودول الجوار مثل كوستاريكا والمكسيك، وأجبرت الدولتان على منطقة محرّمة بينهما تحت أعين الأممالمتحدة، ومرت كأس العالم بالمكسيك التي تمتع كل العالم بحلاوتها، خاصة أنها فجّرت الجوهرة "بيلي" في أحلى أيامه الكروية، ولكن الهندوراس والسلفادور كانتا تحت وقع الحرب الباردة ولم تنطفئ جمرة الفتنة بين البلدين التي اندلعت على خلفية مباراة كرة إلا في عام 1971، حيث اتفق البلدان على معاهدة سلام وتبناها شعبا المنطقة الذين في غالبيتهم من الهنود الحمر ويدينون بخزعبلات بدائية لا ترقى حتى إلى "وثنية الجاهلية الأولى".. الآن وبعد أربعين عاما عادت الهندوراس لملاقاة السلفادور، ليلتقيا في لقاء كروي مصيري الأسبوع الماضي الفائز فيه ينتقل إلى كأس العالم بجنوب إفريقيا، حيث كان الفوز هو الحل الوحيد في مواجهة جرت بسان سلفادور العاصمة التي كانت في الثمانينات بؤرة للحرب الأهلية مع ماناغوا عاصمة نيكاراغوا.. وتم التحضير للمقابلة من دون حرب إعلامية ومن دون شحن للناس، وحتى الإعلام العالمي لم يعرها أي اهتمام رغم أهميتها للتأهل لكأس العالم.. وسارت مجرياتها من دون أن يقدم الحكم أي بطاقات مهما كان لونها، وفي حدود الدقيقة 64 من زمنها تمكن المنتخب الهندوراسي الزائر من تسجيل هدف التأهل وخرج عند نهاية المباراة تحت عاصفة من التصفيق السلفادوري الحضاري من "هنود حمر" نسوا نهائيا حربا سقط فيها قتلى، ولعنوا الكرة التي أوصلت البلدين الفقيرين إلى حد التشابك المسلح، وهم لم يؤمّنوا بعد استقلالهم الغذائي * وهو التحدي الكبير الذي سيضمنون به استقلالهم عن الولاياتالمتحدة التي تمكنت من السيطرة علينا نحن البعيدين عنها ومازالت عاجزة أمام جيرانها الجنوبيين. * وفي الجهة الأخرى مازال "الأغبياء" عندنا يشعلون فتيل حرب هم يعلمون أنها لن تندلع إطلاقا، ومازالوا يزرعون الفتن كما تزرع "الحشيشة" لأجل توريث أبناء الجزائر ومصر "كروموزومات الكره" بسبب مباريات سابقة لم يحدث فيها أي تجاوز لأنهم يعلمون أن الفتنة أشد من القتل، أليس من المفروض أن يتنقل الآن بعض "الكباتنة" والذين يسمون أنفسهم نقادا رياضيين إلى الشارع الهندوراسي أو السلفادوري ولا نقول الجامعات لأخذ الدروس. * فهم صنعوا من الحرب سلما أما رواد الفضائيات فيريدون أن يصنعوا من السلم حربا.