عبد الناصر من تحت الردم.. ووسط مستنقع من الدم ومن الدماء، وفي ضجيج الغارات والانفجارات، وقرب حائط اليأس.. أرسل العراقيون بألون أمل بإحرازهم لكأس آسيا في كرة القدم في دورة شاركت فيها كل الأمم الآسيوية الكبرى من عرب وفرس وتاتار وهنود وصفر البشرة، عجزوا جميعا ومعظمهم يعيشون بحبوحة مادية ومعنوية في سلم وأمان، ونجح العراق وحده لأن يتوج بكأس أرادها فأرادته. ففي جوان 1969 وفي مقابلة تأهيلية لكأس العالم بالمكسيك ما بين سلفادور وهندوراس بأمريكا الجنوبية كان حلم الفريقين والشعبين التواجد في مونديال الجارة المكسيك فاشتد وطيس المباراة وتحول إلى لكمات وركلات وانتقل إلى صراع ما بين المناصرين لتندلع الحرب ما بين الدولتين في منتصف شهر جويلية من ذات العام قُتل فيها الآلاف بسبب مباراة في كرة القدم ما بين فريقين أضاعا بطاقة المرور إلى كأس العالم. والآن وبعد مرور حوالى أربعين سنة حقق العراقيون حلم إحرازهم على كأس آسيا ويحلمون بتحقيق أمنية العمر في تحويل هذه الحرب إلى أمان ينعمون به بعد أن حوّل الاحتلال الأمريكي آثارهم التاريخية وماضيهم إلى رماد وحاضرهم إلى كوابيس ومستقبلهم إلى سراب.. فالكرة التي صنعت الحرب في سلفادور وهندوراس قادرة على صنع البسمة والأمل وحتى السلم في بلاد الرافدين بالرغم من أن المعادلة توجد فيها هذه المرة الولاياتالمتحدةالأمريكية. الكرة هي في كل الأحوال "بالون" من الجلد المنفوخ لا تصلح أن توضع في أي ركن مهجور في أي متحف بغدادي أو بابلي أو كربلائي، ولا تصلح أن تكون قنبلة أو بالونا استخبراتيا طائرا يرد كيد المحتل ويصنع الرد الحديدي على المستعمر، ولا تصلح أيضا أن تطير بالعراقيين إلى حيث يريدون، ولكنها مع ذلك دخلت الشباك بأقدام عراقية وأصابت الهدف ومنحت بالون أوكسجين وبالون أمل وسط أجواء لا مفردات فيها سوى الموت وأخواتها.. هل يمكن أن تصنع "الكرة" ما عجز العراقيون والعرب والعالم عن منحه لأقدم حضارة في العالم؟ الإجابة قد تكون بأيدينا فقديما قال فاروق الأمة الإسلامية عمر بن الخطاب "لو عثرت بغلة في العراق لخشيت أن يسألني الله لماذا لم تصلح لها الطريق يا عمر"... والآن عثرت البغلة وصاحبها... وعثرت العراق بأكملها وحتى كأسها الآسيوية، ولا أحد فكر في إصلاح خارطة الطريق الأمريكية.