التعمير العشوائي يتسبب في التلوث والأمراض القاتلة وإتلاف الموارد الطبيعية وصفت آخر دراسة متخصصة في التهيئة القطرية التي أعدها الدكتور سويهر نواري وتحصلت "الشروق" على نسخة منها، نظام التعمير في الجزائر بالعشوائي، ويفتقر للأصالة والإبداع إلى حد أن ذاكرة وهوية المدينةالجزائرية تكاد تضيع، الأمر الذي أصبح ينذر حسب ما خلصت إليه الدراسة، بخطر مؤكد، معالمه آخذة في الانتشار ببروز آفات اجتماعية وأمراض فتاكة صار التحكم فيها عسيرا ويكلف الكثير. * وتبين هذه الدراسة التي أعدها الأستاذ المحاضر بكلية علوم الأرض والجغرافيا والتهيئة القطرية بجامعة هواري بومدين للعلوم والتكنولوجيا بالجزائر الدكتور سويهر نواري، مدى تفشي ظاهرة التعمير العشوائي في الجزائر، بسبب ما أسمتها الدراسة بالميل القوي نحو التعمير * المتسارع في الشريط الساحلي دون ضوابط صارمة، والتعمير غير المراقب عبر كامل القطر الجزائري، وطغيان نمط التعمير الفسيفسائي أو ما يصطلح عليه بنمط المدينة ذات الحيز المشتت الأجزاء، وعدم الاعتناء بمسائل البيئة، مما انجرّ عنه الإتلاف المستمر للموارد * الطبيعية. * ضياع هوية وذاكرة المدينةالجزائرية * وبلغة الأرقام سجلت الدراسة توطن مختلف النشاطات بالشمال الجزائري الذي ينتشر فيه أكثر من 20 مليون نسمة، أي ما نسبته 70 بالمائة من مجموع سكان الجزائر، وتتمركز بالشريط الساحلي للبلد 91 بالمائة من صناعة الحديد والصلب والصناعة الميكانيكية والمعدنية، والالكترونية، وزهاء 90 بالمائة من صناعة مواد البناء، و85 بالمائة من الصناعات الكيميائية و65 بالمائة من صناعة الجلود و56 بالمائة من الصناعة النسيجية. وحكمت الدراسة بفشل سياسة الجزائر الرامية إلى محاربة الفوارق الإقليمية التي طبقت في إطار مختلف مخططات التنمية منذ سنة 1967، حيث استمرت بدءا من السنوات الأولى للاستقلال عملية السطو العشوائية على الأراضي، دون تدخل صارم من طرف الإدارة في الوقت المناسب، إلى أن أخذ الإسمنت يستهلك أجود الأراضي الزراعية في الشمال، وأصبحت المساحة الزراعية الفعلية لكل فرد جزائري لا تتعدى 0.80 هكتار سنة 1962، وانخفضت إلى 0.32 هكتارا لكل فرد سنة 1991، واستمرت في التراجع إلى 0.13 هكتار لكل ساكن سنة 2005، وستصل إلى 0.8 في غضون 2015. وأعطت الدراسة مثالا عن حجم إتلاف المساحات الزراعية من عاصمة الجزائر التي زحف عمرانها "وفق أرقام رسمية" على 90 بالمائة من المناطق ذات القدرات الزراعية العالية ويمثلها جزء هام قدره 20 بالمائة من سهول متيجة المحيطة بمدينة الجزائر الكبرى، و41 بالمائة من المساحة الزراعية الممتدة على طول الشريط الساحلي للجزائر، و80 بالمائة من الأراضي الخصبة لجنوب الساحل. وبلغت مساحة الأراضي الفلاحية المخصصة للتعمير منذ الاستقلال إلى غاية 1987 ما يربو عن 70 ألف هكتار، على حد ما جاءت به الدراسة من أرقام تنبئ أيضا بانتشار أكثر من 10 ملايين نسمة في مجمعات سكنية تقع في أعالي السدود أو الطبقات وخزانات المياه * الجوفية ما يزيد من تلوث المياه بنسب مخيفة سنة 2010. * ثروات الساحل الجزائري في خطر * من جهة أخرى، تذهب الدراسة إلى أن الساحل الجزائري الذي يزخر بقدرات معتبرة كالمياه، والأراضي المنتجة بنسبة 73 بالمائة من القدرات الوطنية، وكذا الثروات السمكية والمنجمية والسياحية، بالإضافة إلى المساحات ذات الفائدة البيئية المتمثلة في الحظائر الوطنية كحظيرة "القالة" المصنفة عالميا ضمن المحميات النادرة التي تتربع على جزء هام من ولاية الطارف في أدنى الشرق الجزائري، وحظيرة "تازة" القريبة من سواحل ولاية جيجل بالشرق الجزائري أيضا، والحظيرة الوطنية الداخلية المسماة "البابور" شمال ولاية سطيف وحظيرتا "غورايا والشريعة" غرب وجنوب العاصمة الجزائرية، وكذلك الحظيرة الداخلية التي ليست ببعيدة كثيرا عن السواحل الشرقية للقطر كالحظيرة الوطنية "بلزمة" المترامية الأطراف غرب ولاية الأوراس، وغيرها من الحظائر الوطنية الهامة والنادرة معرضة للخطر أكثر من وقت مضى وذلك بفعل النمو الديموغرافي العالي والتعمير العشوائي الذي تسبب في إتلاف كبير للبيئة كالتلوث، والإنجراف. * التلوث سيضاعف حجم الكارثة * وحسب الدراسة دائما فإن ما يزيد من خطر الأوبئة وتلوث المياه ضعف قدرات الدولة والبلديات بالدرجة الأولى في مجال معالجة النفايات التي تلقى "وفق ما توصلت إليه الدراسة موضوع حديثنا" في أماكن عالية النفاذية، ضف إلى ذلك مخاطر التلوث الناجمة عن اهتراء شبكة المياه وقربها من قنوات الصرف الصحي، وسوء تنظيم إفرازات الموانئ والمركبات الصناعية، ما يرافق ذلك من تراجع كبير في حجم المساحات الخضراء التي تقلصت إلى أقل من 10 متر مربع المحددة دوليا كأدنى مقياس يجب توفره لكل ساكن في المناطق الحضرية. ويخلص هذا البحث إلى أن تمركز السكان بهذه الكثافة والعشوائية في الجزائر، ترتب عنه ما اصطلح عليه "عنف المدينة" وهو ظاهرة جديدة في المجتمع الجزائري إلتأمت معها ظاهرة اللامبالاة والأنانية، والإقصاء والتهميش والبطالة، وغيرها من الآفات التي أصبح التحكم فيها يكلف الكثير من الأموال.