أفادت دراسة حديثة قامت بها وزارة السياحة وتهيئة الإقليم، أن الأوساط البيئية بالشمال الجزائري حساسة ومعرضة إلى مخاطر كبرى وقاهرة، بالنظر إلى التعمير المتزايد الذي لا يأخذ في الحسبان هذه المخاطر، ما يزيد من الانعكاسات المدمرة في حالة حدوث كوارث، علاوة على الإحتباس الحراري الذي يعد عاملا إضافيا هاما من هذه المخاطر بالنظر إلى قابلية البلاد الحالية للتعرض إليها. بسبب خاصية مناخها الجاف، وهي الظروف التي تجعل من الجزائر ''أرض مخاطر''، ونبهت الدراسة إلى أن الجزائر معرضة إلى عشرة مخاطر من بين 14 حددتها الأممالمتحدة، ومن بين هذه المخاطر الزلازل والمخاطر الجيولوجية، الفيضانات، المخاطر المناخية، المخاطر الإشعاعية والنووية، حرائق الغابات، المخاطر الصناعية والطاقوية، المخاطر المحدقة بالصحة البشرية، والصحة الحيوانية والنباتية، التلوث الجوي، البحري أو المائي، وكذا الكوارث الناجمة عن التجمعات الكبرى. وفي هذا الصدد، توصلت الدراسة إلى أن مناطق الشريط الساحلي أكثر عرضة للمخاطر الزلزالية، حيث تم إحصاء 95 تجمعا سكنيا شاطئيا تم تحديدها من طرف المسح الساحلي ل81 بلدية، ما يستوجب الشروع في إعادة انتشار للسكان والأنشطة نحو المناطق الداخلية، والإبقاء على نوافذ ساحلية طبيعية على طول 5 كيلومترات بين التجمعات المجاورة في الساحل، خلال العشرين سنة المقبلة، مع نقل المؤسسات الصناعية من الحواضر السكانية الكثيفة ومناطق الخطر الزلزالي، إضافة إلى منهجة مخططات الوقاية من المخاطر وإدماجها في وثائق التعمير مع المعايير المضادة للزلازل. كما اقترحت الوزارة أمام هذه المخاطر المحافظة على النظام البيئي، والتراث الغابي وتثمينه كتراث، وإعادة بعث السد الأخضر لتفادي بعضها، على اعتبار أن الأنظمة البيئية بالجزائر مهددة بالتحولات السريعة الديمغرافية والإقتصادية، على غرار التعمير العشوائي وتطور الأنشطة التي تولد ضغطا بشريا غالبا ما يكون مرفوقا بإهمال الممارسات البالية لصيانة هذه الفضاءات. وفي هذا الصدد، بلغت تكلفة الأضرار البيئية قرابة 5,2 من المائة من الناتج الداخلي الخام أي ما يعادل 2,6 مليار دولار أمريكي.بالمقابل، لفتت الدراسة إلى أن إنشاء إحدى عشرة حظيرة وطنية وخمس محميات طبيعية وأربع محميات للصيد، سيوفر قدرات معتبرة تتربع على مساحة تفوق 22 بالمائة من التراب الوطني تحافظ على تماسك التربة وحفظها من التصحر، لافتة إلى ضرورة السماح بإعادة إنعاش الإقتصاد الوطني بشكل أعمق في إطار الحياة في المناطق الجبلية بأن تؤدي هذه الأخيرة وظائفها للربط على أكمل وجه بين الإقليم وبين حماية الموارد الطبيعية، وترقية الأنشطة الإقتصادية والإجتماعية، على أن تستعيد السهوب بدورها مستقبلها ضمن نموذج للتنمية يقوم على تعدد الأنشطة ويسمح بعمليات كبرى لإعادة الإعتبار لفضاءاتها الطبيعية، كما اقترحت الوزارة استخدام الواحات كقواعد للإنعاش الإقتصادي لإقليم الجنوب. هذه هي المؤسسات التي سيتم ترحيلها من مواقعها الحالية وتراهن الحكومة على تغيير تموقع الأنشطة والمؤسسات الإدارية لدعم إنشاء قواعد إنتاج وخدمات قوية في أقاليم أقل تجهيزا في الجزائر العميقة، بعد أن تم التعرف على 8 مؤسسات مصنفة ذات مخاطر كبرى يجب تغيير مواقعها، حيث توجد هذه الأنشطة في تجمعات ذات كثافة سكانية كبيرة، ويتعلق الأمر بالوحدتين الإنتاجيتين للكلور في بابا علي ومستغانم، مركز تعبئة الغاز في الخروبة، والمحطة الكهربائية في باب الزوار، ومراكز التخزين وتوزيع المحروقات في عنابة وباتنة، ووحدتي إنتاج التبغ والكبريت في باب الوادي وبلكور. وقصد ترسيخ سياسة تغيير مواقع الإنتاج التي يجب أن تندرج في إطار المخطط الوطني للتهيئة الإقليمية تم إنشاء صندوق وطني لتهيئة الإقليم لمساعدة المستثمرين على إعادة التموقع في الهضاب العليا، ومن أجل تحفيز مسؤولي هذه المؤسسات على إعادة التموقع اقترحت الوزارة تقديم تحفيزات تأخذ شكل مساعدات مالية، لكل منصب عمل تمت إعادة تموقعه، إضافة إلى منح مزايا جبائية للمؤسسات التي اختارت إعادة التموقع، علاوة على منح هذه المؤسسات أراض أو مبان للإستقرار، بالإضافة إلى منح المؤسسات الراغبة في الإقامة في مناطق ذات أولوية في تهيئة الإقليم قروضا بنسب فائدة لينة بفائدة نسبتها صفر أو بنسب غير مرتفعة، كما حددت الدراسة مؤسسات أخرى من المتوقع إعادة تموقعها، على غرار مسلخ حسين داي، موبيدال ببني مراد في البليدة، المؤسسة الوطنية للمواد الدسمة بميناء الجزائر، وحدة صناعة الزفت بقسنطينة، وحدة الدباغة والجلود بوهران، مستودع الغاز الطبيعي المؤسسة الوطنية للغاز الصناعي بوهران، المستودع المتعدد المواد نفطال بوهران، وحدة الصهر بوهران، وحدة صباغة النسيج بوهران مركز المدينة، المؤسسة الوطنية للتبغ والكبريت بوهران، ومستغانم، وحدة البنتونيت مواد إزالة الدهون والألوان بميناء مستغانم. تحلية مياه البحر واسترجاع 40 من المائة من المياه المستعملة لتحقيق الاكتفاء من جانب آخر، كشفت الدراسة التي قامت بها وزارة السياحة وتهيئة الإقليم عن هشاشة الماء في الجزائر وهشاشة التربة بها، حيث بلغت حصة الفرد 600 متر مكعب في السنة، إذ تعد الجزائر في مرتبة البلدان الواقعة تحت سقف الندرة وتسجل عجزا مخيفا في المياه. وفي هذا الشأن، تسعى الحكومة حسب المخطط الوطني للتهيئة الإقليمية، المتضمن المخطط التوجيهي للموارد المائية آفاق 2030 إلى تغطية الإحتياجات المتعلقة بالماء الشروب، والصناعي والفلاحي، ضمن سيناريو سنة هيدرولوجية متوسطة، من خلال اللجوء إلى استعمال المياه غير التقليدية حتمية أولى، حيث توصلت إلى أن الحل يكمن في تحلية مياه البحر والمياه المستعملة، من خلال استرجاع 40 من المائة من المياه المستعملة، أي ما يعادل قدرة ستة سدود بطاقة 60 هيكتومتر مكعب. بالمقابل، أكدت الدراسة أن ثلاثة أرباع تربة الفضاء الشمالي هي تربة شبه جافة وغير قادرة على إعادة خصوبتها، وهو الأمر الذي يؤدي إلى تشبع وإفقار المناطق المخصصة للفلاحة في الشمال وتنقل نشاط الفلاحة نحو مناطق الهضاب العليا والجنوب الأقل ملاءمة للفلاحة، بعد أن سجلت المساحة الفلاحية الصالحة للزراعة تقلصا بين 1960 و2008 من واحد هكتار للفرد إلى 0,24 للفرد.