تأهل الفريق الوطني بطريقته الخاصة... وتثير طريقته نوعا من الحيرة إذا أريد استعمالها في ميادين أخرى... هل يمكن للمنتخب الوطني أن يشكل أنموذجا للنجاح؟ هل يمكن، أو هل يجب على المسئولين في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، هل يجب عليهم اللجوء إلى طريقة تسيير الفريق الوطني لكرة القدم؟ وهل يمكن أن نطبّق نفس النموذج على المؤسسة الاقتصادية والحزب والجامعة؟ * * إن نجاح السيد رابح سعدان ولاعبيه جاء نتيجة لعوامل عديدة، وخيارات فرضتها ظروف قاسية، أولها أن مدرب الفريق الوطني لجأ إلى لاعبين تم تكوينهم في البطولات الأوربية في أغلبيتهم الساحقة. ويكفي ذلك للاعتراف أن البطولة الوطنية وأسلوب المنافسة القائم في الجزائر أصبحا عاجزين عن توفير اللاعبين أصحاب المستوى العالي للفريق الوطني. ولا تختلف البطولة الوطنية في فشلها عن المؤسسة الاقتصادية أو الجامعة، فهذه الأخيرة مثلا أصبحت بدورها عاجزة عن تكوين الإطارات ذات الكفاءات العالية التي تحتاجها الإدارة والمؤسسة الاقتصادية. * ويشكل الاعتراف بهذا الواقع خطوة أولى إيجابية نحو حل المشكلة. واعترف السيد سعدان بذلك، مما سمح له أن يبادر باستعمال جماعي للاعبين الذين تم تكوينهم في الخارج. وذهب إلى أبعد من ذلك لما قرر في عدة مناسبات أن ينظم تجمعات الفريق الوطني في الخارج، ليقترب من هؤلاء اللاعبين. ومازال على السيد سعدان أن يتخذ القرارات الموالية حتى تكتمل خطته: إما أن يدفع المؤسسات المعنية بإعادة نظر شاملة في تنظيم البطولة الوطنية لإنتاج لاعبين من مستوى عالي، وإما قبول الوضع الحالي كحتمية تاريخية، والتعامل معه بجدية. وفي هذه الحالة، عليه بالعمل مثلا على تحويل كل اللاعبين الشباب البارزين إلى البطولات الأوربية، حتى يواصلوا تكوينهم ويبلغوا المستوى العالمي. وهذا ما تقوم به بلدان كثيرة مثل الكامرون ونيجيريا وغيرها. * هل يمكن تطبيق هذا النموذج على النخبة الاقتصادية؟ الجواب بسيط: لا يمكن تحويل هذا النموذج إلى الميادين الاقتصادية والعلمية، لأن الذين نجحوا في كرة القدم توصلوا إلى ذلك بفضل عرقهم وتعبهم، بعد أن كانوا يتوفرون على قدرات هائلة. ومن يضمن أن الإدارة الجزائرية في الوقت الحالي ستبعث أحسن الطلبة للتكوين؟ * من جهة أخرى، فإن وضع لاعب كرة القدم يختلف عن وضع الباحث أو الطالب، حيث أن لاعب كرة القدم المحترف في أوربا يزور الجزائر في فرص قليلة يكون فيها عزيزا مكرّما، بينما الباحث والعالم والطالب يعاني خلال وجوده في الجزائر، ويبقى الباحث والعالم الذي لا ينتسب للأرندي ولا يعرف سيادة الوالي، يبقى يعاني في حياته اليومية. ويفضل بطبيعة الحال البقاء في البلدان الغنية التي تجنّبه متاعب الحياة. وكيف يمكن لأستاذ جامعي تم تكوينه في أوربا، كيف يمكنه أن يعود ليدرس في المركز الجامعي بخميس مليانة أو أم البواقي، في مدن لا تعرف السينما والمكتبات وأماكن المرح، مدن لا تعرف الحرية؟ * ونجد نفس الصورة في الاقتصاد. ولما أرادت الجزائر أن تبني الطريق السيار، كلفت مؤسسات أجنبية بالمشروع، من أوله إلى آخره. وظهر أن المؤسسات الجزائرية عاجزة عن التكفل بالمشاريع الكبيرة، بل اتضح أن هناك قضية أخطر، وهي أن المؤسسات الجزائرية أصبحت تتصرف مثل فرق كرة القدم، فهي لا تدخل المنافسة بطريقة شفافة، بل تكتفي بالرشوة والمحسوبية لتحصل على المشاريع وتضمن أرباحا دون مقابل، مثل رئيس النادي الذي "يبيع" مقابلة في كرة القدم... * ويتضح كذلك من تجربة السنوات الماضية، أن النجاح النسبي للفريق الوطني كان يشبه تطور الاقتصاد الجزائري، وكانت الحكومات المتتالية تقول إن النمو في الجزائر يفوق خمسا بالمائة، وأن مستوى المعيشة تحسّن، ونسي الجميع أن ذلك لم يتم بفضل عمل أو إنتاج وطني، إنما كان نتيجة لفتح الحدود وتدفق السلع من كل بلدان العالم. وبعد مدة، لاحظت الحكومة أن حجم الواردات وصل إلى مستوى أصبح يشكل خطرا على توازنات البلاد، وأن الاستيراد يقتل الإنتاج الوطني. أليس ذلك ما يحدث في ميدان كرة القدم؟. * وتبقى نقطة أخيرة تمنع الاقتصاد الجزائري من اللجوء إلى الطريقة التي سمحت للفريق الوطني بالنجاح، وهي المساندة الشعبية. وكان للشارع الجزائري دور أساسي في مسار الفريق الوطني، لأن مساندة الشارع كانت قوية، بل مطلقة... لكن لهذه المساندة مقابلا، إذا خسر الفريق، فإن السيد رابح سعدان يدفع الثمن غاليا، مثلما وقع له في الماضي لما أقدم "أنصار" الفريق الوطني على الاعتداء على عائلته. * أما السلطة الجزائرية، فإنها ليست مستعدة بعد لتحكيم الشعب...