اجتهدت الحكومات الجزائرية المتتالية للبحث عن طرق جديدة لمواجهة المشاكل التي تعترض سبيلها في تسيير شؤون البلاد. وأدى هذا الاجتهاد الغريب إلى اختراع طرق متعددة تختلف في التفاصيل، لكنها تجتمع على نقطة أساسية، وهي عدم حل المشاكل. * * ومن أبرز طرق تعامل الحكومة مع المشاكل، نذكر تجاهل المشكل، خيث تتصرف الحكومة وكأن المشكل غير موجود... ولما تشتد حدة المشكل، ويتأزم الوضع، تكتشفه الحكومة فجأة وتعلن رسميا أنها اتخذت التدابير اللازمة... وحدث ذلك مع الإضرابات التي شنتها النقابات المستقلة، ومع ظاهرة "الحراڤة"، أو مع المواطنين الذين يقطعون الطريق لأنهم لا يجدون من يتكفل بمشاكلهم، كما حدث نفس الشيء مع الارتفاع الفاحش لقيمة الواردات التي زادت بنسبة مائة بالمائة بين سنتي 2006 و2008. * ولما يستفحل المشكل، ويبلغ مستوى لا يمكن تجاهله، يأخذ رئيس الحكومة أو الوزير قرارا عشوائيا، دون دراسة ودون مشاورات. وفي أغلب الأحيان تتكفل هذه الحلول المقترحة بجانب واحد، ولا تأخذ بعين الاعتبار المخلفات السلبية التي يمكن أن يخلفها القرار. وقد قررت الحكومة مثلا فتح الحدود أمام البضائع الأجنبية، وطلبت من البنوك أن تتكفل بتمويل المواد الاستهلاكية، وذلك دون أن تراعي الحكومة بالتهديد الذي يشكله مثل هذا القرار على ميزانية البلاد من العملة الصعبة. واستيقظت الحكومة لما "تزاقات"، سنة 2009، فمنعت القروض الموجهة للاستهلاك بقرار واحد وحيد. واعتبرت الحكومة أن هذا القرار سينقذ أموال البلاد، وعادت إلى النوم من جديد. * لكن الحقيقة تختلف، لأن قرار الحكومة لن يؤثر بصفة ملحوظة على حجم الواردات. وإذا تكلمنا عن السيارات، فإن هذا القرار سيصعب شراء سيارة على عدد من الجزائريين، دون أن يؤثر على المجرى العام للسوق، لأن الحكومة لم تجد حلا لمشكل النقل ولم تعرف كيف تتصرف لتدفع إلى بروز صناعة جزائرية في ميدان السيارات. وتكون الحكومة بذلك قد اكتفت بقرار جزئي يزيد من غضب فئة من المواطنين، دون أن يحل مشاكل البلاد. * وفي كثير من الأحيان، تقرر الحكومة تطبيق حل خاطئ لمشاكل حقيقية، بسبب التسرع وغياب التشاور وغياب المؤسسات المؤهلة لاتخاذ القرار وتخضيره ومتابعته. ولم تدرك الحكومة لحد الآن مثلا أن غياب برلمان حقيقي يضر بالحكومة بالدرجة الأولى، لأن الجهاز التنفيذي لا يجد المؤسسات التي من الممكن أن تشارك في تحضير القرار وتجنب الحكومة القرارات العشوائية. * وآخر ما جاء في هذا الميدان هو إعلان رئيس الحكومة إلغاء القرار الذي يسمح للعامل من الاستفادة من منحة تقاعد جزئية قبل أن يبلغ الستين. وكان هذا المشكل مطروحا منذ مدة، حيث أن الآلاف من الإطارات غادروا المؤسسات العمومية والإدارة للعمل في القطاع الخاص أو في شركات أجنبية، مع العلم أن الإطارات الذين يغادرون هم الأكثر كفاءة وجرأة لأنهم يغامرون ويتخلون عن عمل هادئ ومضمون ليدخلوا عالما جديدا. * وجاء قرار السيد أحمد أويحيى ليمنع الإطارات من الحصول على منحة تقاعد ولو نسبية، مما يجبرهم على البقاء في مؤسساتهم إلى أن يبلغوا الستين، وذلك بهدف الحفاظ على التوازن المالي لصناديق التقاعد. وبما أن السيد أويحيى لا يعرف التشاور، فإنه اكتفى باتخاذ قرار واحد يفصل في القضية. وهذه أسهل وأخطر طريقة في التسيير، فهي لا تتطلب مجهودا في التفكير ولا دراسة معمقة، وتجعل من صاحبها يحرم ويحلل مثلما كان يفعل آخرون في ماض قريب. * والحقيقة أن السيد أويحيى أراد أن يصحح خطأ فأخطأ مرة أخرى، وقد أراد أن يعالج وضعا، فإذا به يحاول أن يصحح النتيجة لا السبب. أراد أن يعالج وضع الإطارات الذين يغادرون المؤسسات العمومية والإدارة، لكنه لم يتطرق إلى الأسباب الحقيقية للأزمة. حيث أن المشكل الحقيقي لا يتمثل في بحث الإطارات على تقاعد جزئي، إنما يتمثل في مستوى أجور الإطارات. والكل يعرف أن الشركات الأجنبية تدفع لإطاراتها ضعف ما تدفعه الشركات الجزائرية، وتوفر لهم ظروف عمل لائقة وجوا ملائما يستطيعون بفضله أن يقدموا الكثير. * أما قضية تمويل صناديق التقاعد، فإنها مسألة يمكن التطرق إليها بطريقة سهلة. ويمكن للحكومة أن تتحاور مع النقابات لرفع فترة الاشتراك إلى أربعين سنة مثلا، على أن يتم ذلك تدريجيا خلال عشرية أو أكثر، وهذا معقول جدا. لكن السيد أويحيى لا يعرف الحلول التدريجية، ولا يعرف الحوار، ولا يعرف عنوان الممثلين الحقيقيين للعمال. ولذلك، فإن عددا من المشاكل، مثل قضية التقاعد، لا يمكن حلها إلا بعد أن يحال السيد أويحيى على التقاعد...