لم يختلف الخطاب السياسي الاقتصادي الجزائري منذ العهد "البومدييني" إلى العهد "البوتفليقي" في وصف الثروة الباطنية التي حبانا الله بها، بالزائلة وبالنقمة التي علّمتنا التهام السمكة دون تعلّم صيدها، ولم يختلف خطاب الوزراء الكثيرين الذين حملوا مختلف الحقائب في تحذيرنا من زمن ما بعد النفط.... ولم يختلف الشعب معهم جميعا في كون الجزائر قد أصبحت فعلا هبة النفط، ومع ذلك تختلف أفعال السلطة مع خطابها ويختلف أداء الشعب مع قناعاته.. والمشهد الذي قدمته السلطة في التعامل مع قمة الغاز التي انطلقت نهار أمس يؤكد أن الجزائر التي حلبت بقرة البترول حتى جفّت أثداؤها تبحث الآن عن بقرة الغاز وتمنحها هذا الملتقى العالمي الضخم الذي صرفت على سويعاته القليلة أكثر مما صرفته على الفلاحة وعلى الاستثمار في الشباب خلال سنوات عديدة وربما خلال العمر كله، بحثا عن نظام غازي جديد وقوي يقينا شر نضب البترول الذي لا مفر منه، وكانت الخطابات السلطوية ومازالت تتحدث عن البترول الأخضر الذي بإمكانه أن يحقق لنا الاكتفاء الغذائي ويقينا فاتورة الغذاء التي قاربت العشرة ملايير دولار وكلها من أموال النفط التي نحرقها في الغذاء وفي الكماليات، ومراهنة الجزائر على إنجاح قمة الغاز وتحويله إلى طاقة بديلة خاصة أن احتياطي الجزائر في الغاز يبعث على الطمأنينة لعدة أجيال يؤكد أن السلطة استنفدت كل الأفكار لتغيير الذهنيات وإحداث الهمّة التي ربما يئس الجميع في إمكانية ولادتها، فقد صار الجزائري البسيط يتابع أسعار النفط في الأسواق العالمية أكثر من متابعته لأسعار البطاطا والبرتقال والعدس ولا نتحدث هنا عن تتبعه للبورصة، وإن كان لا يغتبط بارتفاع سعرالنفط فإنه يصاب بالحمى كلما انهارت أسعاره لأن تاريخ الجزائر المستقلة أكد أن الأزمات الكبرى الاقتصادية والاجتماعية والأمنية وحتى الكروية إنما تندلع مع انهيار أسعار النفط، حتى أن تاريخ الجزائر الحديث يكاد يكتب بحبر من بترول، فقد غرقت الجزائر في المديونية وعانت من سوط صندوق النقد الدولي عندما سقط بارومتر النفط، وتحررت من غول المديونية عندما ارتفع بارومتر أسعار النفط، واكتوت بنار الأزمة الأمنية عندما انهار سعر النفط، وقضت على الإرهاب عندما ارتفع سعر النفط، وحتى تأهلها إلى كأس العالم لم يتحقق في ثلاث مناسبات إلا مع ارتفاع أسعار النفط، وغابت عن كأس العالم في سنوات سقوط أسعار النفط، وفشلت كل السياسات وعجزت كل النظريات والخطابات عن حل الأزمات الموجودة أو تفادي الأزمات القادمة وبقي سعر النفط وحده الذي يحدد ميزانية الدولة، وتصدمنا الحكومة عندما تقول إن المشاريع الكبرى في مختلف المدن مرتبطة بسعر النفط في الأسواق العالمية، ما نخشاه الآن هو أن ينضب البترول في العالم فتجد إيران البترولية نفسها بلدا نوويا بعد النفط، وتجد الإمارات العربية نفسها بلدا ماليا بعد النفط، وتجد فنزويلا نفسها بلد فلاحيا بعد النفط، ولا تجد الجزائر نفسها في أي مجال بعد النفط، مشكلتنا أننا عجزنا عن تسيير حالنا وأسعار النفط تقارب 150 دولار، وعجزنا عن تسيير حالنا وأسعاره دون العشرة دولارات، وعجزنا عن إنجاح مؤتمر غاز عالمي ضخم، فكيف سيكون حالنا عندما تجف آبار النفط؟