من غير المعقول أن تتحوّل الاحتجاجات إلى اللغة الوحيدة التي يفهمها بعض المسؤولين، فقد أصبح الخروج إلى الشارع ظاهرة يُفرّخها غاضبون ومحتجون ويائسون، في العديد من المناطق، احتجاجا على السكن والشغل والترحيل و"الحڤرة"، وعلى الغاز الصخري، مثلما يحدث بولايات الجنوب، أو على القوانين الداخلية مثلما هو حاصل في قطاع التربية! المسؤولية تبقى تشاركية، في ما يخصّ العجز عن إقناع المحتجين، وفي حلّ مشاكلهم بالتي هي أحسن، وبالعدل وعدم التمييز والمفاضلة.. المسؤولية موزعة بين الحكومة بوزرائها والبرلمان بنوابه والأحزاب بأميارها ومنتخبيها، والمجتمع المدني بكباره وعقلائه! المصيبة أن أغلب الغاضبين لم يعودوا يسمعون لهؤلاء المسؤولين، وغالبا ما يُواجهونهم بكلمة: "ياو فاقو"، ولذلك انتشرت وتزايدت الاحتجاجات وانتقلت نيرانها من دشرة إلى بلدية ومن دائرة إلى ولاية، وكلّ غاضب متيقّن بأن هذا الخيار هو أقصر طريق إلى حلّ المشكل وفضح المستور! أغلب الاحتجاجات مشروعة وبمطالب معقولة وشرعية يجب الاستجابة لها، إمّا محليا أو مركزيا، لكن للأسف، يُحاول انتهازيون ووصوليون ومنتفعون وبزناسية وسماسرة، ركوب هذه الاحتجاجات لقضاء مصالح ضيقة، بالاختباء وراء "زوالية" لم ينتفضوا إلاّ بعدا وصول "الموس للعظم" مثلما يقول المثل الشعبي الشهير! البيروقراطية والتمييز والمفاضلة و"الحڤرة" والتوزيع غير العادل للثروة والسكن والوظائف وقفة رمضان وإعانات الدولة والتنمية والمشاريع، هو الذي لغّم عدة مناطق، وألهب فتيلها وفجّر قنابل موقوتة وأخرى نائمة منذ عدّة سنوات، فشل المسؤولون المتعاقبون في تفكيكها وتفادي شظاياها! عندما يخفق الوزير والمدير والمير والوالي والنائب ورئيس الدائرة وكبير الدوّار والسياسي والحكيم والعاقل، في إخماد نار الغضب، فمن الضروري والمفيد للجميع، البحث عن مخارج نجدة، بعد تحليل مثل هذه الوضعيات المخجلة والمحزنة والمستفزة! بعض الاحتجاجات عمرها بعمر جيل بأكمله، ومع ذلك ما زال نفس المشكل، بما حوّلها إلى لقمة حلوة تريد أفواه "الخلاطين" والصيادين في المياه العكرة التهامها، أو على الأقل تذوّقها، أو استعمالها "صنّارة" لاصطياد سمك وحوت من الوادي والبحر وبيعه بغير ثمنه!
من البديهي أن تسيّس بعض الاحتجاجات، ويخرج بعضها الآخر عن نطاقه وأهدافه، طالما لم يجد المحتجون آذانا مصغية، تسمع وتستجيب، أو تُقنع الآخر بالتأجيل أو على الأقل الحوار.. ولعلّ النماذج الكثيرة، عن سوء تسيير واحتواء الاحتجاجات، تعكس ورطة الورطة!