خلّف التعديل الحكومي الأخير، جملة من التساؤلات حول معايير اختيار الوزراء وخلفيات إنهاء مهامهم، فالكثير من الوجوه التي غادرت، أوجدت لنفسها رصيدا وسمعة، ومع ذلك لم يشفع لها عند المحيط الرئاسي، في حين أن الكثير من الوجوه التي احتفظ بها، كانت محط انتقاد وسخط حتى من قبل عموم الشعب، ومع ذلك نجت من المقصلة. فعلى أي أساس يتم اختيار الوزراء، وهل ل"حصيلتهم" دور في استمرارهم أو إنهاء مهامهم؟ وهل من فروقات في التعيين بين فترة حكم الرئيس بوتفليقة وبقية الرؤساء السابقين. هذه الأسئلة وأخرى يجيب عنها "الملف السياسي" لهذا الخميس. وزير الشباب والرياضة الأسبق، كمال بوشامة ل"الشروق" الشاذلي استقبلني عند تكليفي وعند إنهاء مهامي يتذكر الوزير السابق للشباب والرياضة، كمال بوشامة، تاريخ تعيينه في المنصب وكذا تاريخ إنهاء مهامه من قبل الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد، ويؤكد بوشامة أن التعيين في الطاقم الحكومي وإنهاء المهام كان يتم عبر"ثقافة الدولة" على حد تعبيره. يستحضر بوشامة، في حديث ل"الشروق" الطريقة التي أبلغ بها عند تعيينه وزيرا للشباب والرياضة في 22 جانفي 1984، ويقول: "وصلني اتصال هاتفي من رئاسة الجمهورية، وكان المتصل مدير التشريفات مولود حمروش، الذي أبلغني أن الرئيس الشاذلي ينتظرني في مكتبه". ويذكر محدثنا أنه لم يكن على علم بفحوى اللقاء مع الرئيس، حتى لقائه بهذا الأخير الذي أخطره أنه قرر تعيينه وزيرا للشباب والرياضة، مع تأكيده أنه كان مرشحا لمهام أسمى من حقيبة الشباب والرياضة، لكن "جهات فعلت فعلتها لقطع الطريق أمام تعيينه في ذلك المنصب السامي". لماذا جرى اختياره وزيرا للشباب والرياضة، سؤال طرحه بوشامة وأجاب عنه في ثنايا الحديث بالقول: "لقد كنت في مسؤوليات أرفع من منصب وزير، فقد كنت عضوا في الأمانة العامة للجنة المركزية للحزب الواحد رفقة مساعدية ومصطفى بن زازة وصالح الوانشي رحمهم الله، لقد كانت مهام اللجنة أقوى وأكثر نفوذا من الحكومة بحد ذاتها، فقد كنا نعد البرامج والسياسات العامة ونقيم أداء الحكومة، وقبل ذلك وأنا شاب صغير ترأست الوفد الجزائري عام 1970 المشارك في المؤتمر العالمي للشباب الذي أقيم في الأمم المتحدة، كما تكفلت بنقل رسائل الرئيس إلى نظيره المالي موسى طراوري. تلك كانت البداية، وماذا عن النهاية؟ يسرد بوشامة "في 17 نوفمبر 1987 أنهيت مهامي على رأس الوزارة، وكان الأسلوب حينها وهو ما ورد في الجريدة الرسمية، أني نقلت إلى مهام أخرى.. تلك المهام كان البقاء في البيت لأكثر من 13 سنة حتى عينت بعدها سفيرا"، لكن لبوشامة أمور أخرى يقولها عن إنهاء المهام "لقد استقبلني الرئيس الشاذلي في مكتبه، وتحدثنا لمدة طويلة دون بروتوكولات، حتى إنه كان يناديني كمال فقط، لقد أقنعني الرئيس بالقرار المتخذ وحرص على الثناء على ما قدمته طيلة السنوات الماضية على رأس الوزارة".
خلفيات لم تذكر في التعديل الحكومي الأخير بلعيز، تهمي، لعبيدي.. وزراء تمت التضحية بهم لأجل "الانسجام الحكومي" يجمع الكثير من المتتبعين على أن اعتبارات أخرى بعيدة عن الأداء لعبت دورها في التعديل الحكومي الأخير، وإلا لما بقيت الكثير من الوجوه في حكومة سلال الرابعة. وتكشف أسماء الوزراء الذين أعيد تكليفهم وأولئك الذين غادروا وحتى الذين نقلوا من قطاع إلى آخر، عن وجود خلفية قد يكون لها دور في هذا التعديل الذي جاء على حين غرة، بعد أشهر من الانتظار والترقب، وهي إعادة الانسجام المفقود إلى فريق حكومي ظل محل انتقاد. ولم يعد تباين وجهات النظر في التسيير، بين الوزراء، وحتى بين الوزير الأول وبعض وزرائه السياديين، سرا يخفى.. فعبد المالك سلال لم يكن على وفاق مع وزير الداخلية والجماعات المحلية السابق، الطيب بلعيز، المعيّن بعد التعديل الأخير، وزيرا للدولة مستشارا برئاسة الجمهورية. فبلعيز يتمتع بكاريزما خاصة قلما توفرت في الكثير من الوجوه التي تعاقبت على الحكومات الأخيرة، كما أنه يصر على أن يترك بصماته على كل القطاعات التي مر بها، مثلما كانت الحال في قطاع العدالة وبعده وزارة الداخلية، وهو ما جعله حساسا من أي تدخل في قطاعه ولو كان من الوزير الأول. ولم يؤثر هذا الخلاف على أداء الحكومة فقط، بل انعكس على سير القطاع، خاصة في جانبه المتعلق بالجماعات المحلية، إذ عجزت الحكومة عن ملء شغور منصب الوالي في كل من مستغانم وعنابة وغيلزان، وكذا استكمال الحركة في سلك الولاة ورؤساء الدوائر، التي لا تزال معلقة برغم تعثر التنمية المحلية في الولايات التي لم تمسها الحركة السابقة، بسبب خلاف حول تسمية بعض الولاة ورؤساء الدوائر. اختفاء وزير الرياضة، محمد تهمي، من حكومة سلال الرابعة، لم يكن بعيدا بدوره عن خلاف له علاقة بتداخل الصلاحيات، فالرجل وجد نفسه فجأة على رأس قطاع يعج بالمناورات والحسابات الضيقة، وهكذا لم يلبث أن وجد قطاعه وقد ضم إلى قطاع غريمه، عبد القادر خمري، الذي تقمّص دورا غير دوره مطلع العام الجاري في غينيا الاستوائية! حال نادية لعبيدي، وزيرة الثقافة السابقة، لم تكن تختلف كثيرا عن حال تهمي، فالعارفون بخبايا السرايا، أدركوا منذ الوهلة الأولى، أن الحملة التي قادتها زعيمة حزب العمال، لويزة حنون، ضدها، لم تكن سوى مؤامرة مدبرة بإحكام من داخل السلطة والدوائر المحيطة بها، لتبرير عزل الوزيرة الهادئة، حتى وإن حاولت حنون تقمص دور المعارِضة! غياب الانسجام كان حاضرا أيضا بين وزيرة التربية، نورية بن غبريط، ووزير التعليم العالي والبحث العلمي، محمد مباركي، بسبب توجيه الطلبة الناجحين في شهادة البكالوريا، وهكذا وبعد أن كان القطاع الذي كان يديره مباركي يستقبل الناجحين، أصبح يستقبل الراسبين، بعد أن حُوّل (مباركي) في التعديل الأخير إلى وزير للتكوين المهني والتمهين. إذا كان البحث عن الانسجام في حكومة سلال الرابعة يشكل هاجسا، فهل يعني هذا أن جزءا من فشل الطبعات الثلاث السابقة، معلق على هذه المقاربة؟ وهل معنى هذا أنها نجحت في تجاوز تحدّ ظل يؤرق الكثير ممن سبقوه؟
وزير الاتصال السابق محمد السعيد: التعديل الحكومي هدفه الاحتفاظ بالدائرة الضيقة لصنع القرار السياسي 7 وزراء فقط تبقوا من أصل 37 وزيرا في حكومة سلال الأولى ما خلفيات التعديل الحكومي وهل يشكل أولوية؟ المؤكد أن خلفيات هذا التعديل تتعلق بالحرص على تخفيف الاحتقان الاجتماعي والسياسي بوجوه جديدة من أجل الاحتفاظ بالدائرة الضيقة لصنع القرار السياسي. والتعديل الأخير الذي كان منتظرا في جانفي الماضي، ثم أجّل في آخر لحظة، ميزته أنه يسند المهام إلى أهل الخبرة من داخل القطاعات المعنية، ولكنه يأتي في جو سياسي واجتماعي متوتر، يتميز بكثرة ملفات الفساد التي طالت وزراء بأسمائهم، وتنامي الاحتجاجات في كل مكان وتعمق القطيعة بين السلطة والمعارضة، وانتقاد عزم الحكومة استغلال الغاز الصخري. الإكثار من تغيير تركيبة الحكومة له مردود سلبي، فحكومة سلال الأولى المشكلة في سبتمبر 2012 لم يبق منها سوى سبعة وزراء من أصل 37 وزيرا، وهذا أمر يمس بمصداقية الدولة واستقرار الإطار البشري القيادي الذي يشكل العمود الفقري للإدارة، كما يسمح للإطارات الرديئة بالاستمرار في مناصبهم حتى المشيب، لأن الوزير لا يكون أمامه الوقت الكافي لتغييرهم، فكثرة التعديلات في السنوات الأخيرة أفرزت وضعا جعل شائعة تغيير الحكومة الجديدة تنطلق بمجرد التقاط الصورة التذكارية لأعضائها مع رئيس الجمهورية. وقد بدأ الحديث من الآن، منهم من يمهلها إلى ما بعد تعديل الدستور، ومنهم من يوصلها إلى الانتخابات التشريعية القادمة.
هل إنهاء مهام بعض الوزراء تم على أساس تقييم حصيلة أدائهم، أم هناك اعتبارات أخرى؟ هذه المسألة تعود لرئيس الجمهورية وحساباته السياسية، ومعاييره في اختيار رجاله وإنهاء مهامهم، ومع ذلك أتصور أن تقييم الحصيلة يكون أحيانا ثانويا أمام اعتبارات أخرى، قد يكون فيها الوزير أحيانا ضحية بقطع النظر عن كفاءته، كالحرص على التمثيل الجهوي أو ترضية جهة ما في الحكم، أو توجيه رسالة للخارج، وفي كل الحالات، فإن رحيل الوزير لا يعني بالضرورة انتهاء حياته السياسية.
ما هي قراءتكم لإعادة هيكلة وزارة الشؤون الخارجية؟ استغربت مثل الكثير من الملاحظين طريقة تقسيم وزارة الخارجية إلى وزارتين، خاصة أن هذا الأمر يتم في عهد رئيس كان وزيرا للخارجية لمدة 15 سنة، ويعرف أكثر من غيره طبيعة وحساسية ملفات السياسة الخارجية. ويبدو لي أن محيط الرئيس أساء فهم تعليماته فحدث التصحيح بعد أربعة أيام، وهذا لوحده، وفي هذا المستوى من المسؤولية، يبعث على القلق على كيفية تسيير شؤون الدولة، وأخشى أن تطغى الاعتبارات التنظيمية والشخصية في الهيكلة الجديدة على فعالية جهازنا الدبلوماسي.
هل تعتقدون أن الأمر يستهدف رمطان لعمامرة؟ الرئيس ليس ضعيفا إلى هذه الدرجة، فما يتمتع به من صلاحيات دستورية يمنحه الحق في عزل أي مسؤول مدني أو عسكري بجرة قلم مهما كان منصبه، لكن لا أستبعد أن يوجد في محيط الرئيس من لا يتردد في استغلال ثقته للتموقع لما بعد العهدة الرابعة.
ما المنتظر من هذا التعديل بالنسبة للجزائريين؟ الجزائريون لا تهمهم الأسماء أو تراشقات الكواليس، وإنما هم يبحثون عمن يطمئنهم على مستقبلهم، ويخفف من معاناتهم اليومية ويبسط العدل ويطبق العدالة لاجتماعية ويقضي على الفساد، ويجعل من النزاهة والكفاءة ونظافة اليد وتكافؤ الفرص أساس الرقي الاجتماعي والسياسي.
هكذا علم الوزراء بعزلهم في التعديل الأخير الخميس 14 ماي الماضي، وتحت قبة المجلس الشعبي الوطني، ثلاثة وزراء حضروا للرد على الأسئلة الشفهية، ولم يكونوا على علم أن ظهورهم ذلك سيكون الأخير لهم كأعضاء في حكومة "سلال 3". فبعد أقل من ساعتين من مغادرتهم الغرفة السفلى للبرلمان، أعلن القرار "لا وجود لبلعيز وتهمي وماحي في الحكومة الجديدة". كعادة الطيب بلعيز، جاء أنيقا إلى البرلمان، وأخذ كل وقته للرد على سؤال شفهي متعلق بالزحمة المرورية في العاصمة، وفي بهو المقر التقى الصحفيين، ورد عليهم وبكل أريحية وبلغة عربية فصحى أجاب عن القرار المتخذ من قبله بمنع جمع التبرعات في المسجد، وعن أزمة الحزب العتيد، أما زميله في الحكومة، خليل ماحي، الذي رد في مكان سلال فلم يكن يعلم، أنه قد رفض التمديد له في منصبه. والحال تقريبا كانت مع وزير الرياضة، محمد تهمي، الذي كان يجهل قرار تعيينه في الحكومة سابقا عندما كان يرأس مصلحة أمراض القلب بمستشفى تيزي وزو. وهنالك في بجاية، التي وصلتها وزيرة البيئة دليلة بوجمعة في زيارة رسمية، لكن الوزيرة "السابقة" وصلتها الأخبار "المزعجة" بأنها لم تعد وزيرة، فما كان منها سوى قطع الزيارة والعودة إلى البيت. نصيب النساء من التعديل والإبعاد كان مشابها فزميلتها نورية زرهوني التي كان مفترضا أن تفتح الصالون الدولي للسياحة، لكن الإبعاد وصلها حتى قبل أن تفتح الصالون وتنشط ندوة صحفية. الإثارة في طريقة الإخطار بانتهاء الاستوزار، شملت كذلك وزيرة الثقافة نادية لعبدي التي كانت كل المؤشرات تؤكد ذهابها، وتقول التسريبات إنها قد علمت بالقرار وهي تشاهد خبرا عاجلا عبر فضائية خاصة وهي ببيتها، الطريف كذلك أن للعبيدي صلة بالصحافة حتى عند تعيينها فقد اتصل بها صحفيون مقربون منها وهي في ولاية المدية لحضور وقفة تاريخية للشهيد محمد بوقرة، وكانت تلك الاتصالات للتهنئة بتولي منصب وزيرة الثقافة الأمر الذي استغربت له، كما لا تقل قصة خليفتها غرابة، فعز الدين ميهوبي كان في مهمة خاصة بإمارة دبي، وهنالك بلغه قرار التعيين.