خسرت السلطة معركة استقطاب المعارضة نحو حكومة توافق سياسي، حيث كشفت الأسماء المعلنة في التعديل الحكومي الجديد عن انعدام عنصر المفاجأة بالإبقاء على أبرز الوجوه الحكومية القديمة، مع تغييرات طفيفة لا يمكن أن تؤدي إلى الكثير من التغيير في جوهر مهمة التشكيلة الحكومية الجديدة التي تم الإعلان عنها، وهي تعكس خسارة السلطة لرهان قوي في تولي المعارضة حقائب وزارية يمكن أن تسمح للسلطة بالذهاب نحو تعديل الدستور بشكل توافقي. وأول ما يمكن قراءته من هذه التشكيلة أن السلطة تكون قد تأكدت باستحالة التوافق مع المعارضة التي صعّدت من سقف مطالبها، ثانيا أن هذا الفشل يمكن أن يعطينا فكرة عما ينتظر السلطة من متاعب سياسية بشأن تعديل الدستور وهي العملية السياسية المرتقب أن تتم في شهر سبتمبر القادم وفق أجندة أعلن عنها عبد المالك سلال خلال الحملة الانتخابية الأخيرة دون أن يحدد تاريخها رغم الكشف عن بعض ملامحها ومعالمها. ورغم أن التعديل كان كبيرا مقارنة بالتعديلات الجزئية المعتادة، إلا أن الحكومة "الجديدة" لا يمكن لها إلا أن تكون امتدادا لمهام سابقتها في التحضير للاستحقاقات القادمة المتمثلة في تعديل الدستور وانتخابات تشريعية مسبقة إن وافقت السلطة على مطلب تيار واسع من أحزاب المعارضة التي تدعو إلى حل المجلس الشعبي الوطني الحالي بتشكيلته المطعون في شرعيتها، لكن قبل هذا من غير المستبعد أن تلجأ السلطة إلى إحداث سلسلة من التعديلات في قانون البلدية وقانون الانتخابات. رغم ذلك، فإن البارز في الحكومة الجديدة أو المعدلة سقوط أبرز الوجوه التي شكلت مادة انتقاد واسعة مثل وزير الشؤون الدينية والأوقاف غلام الله المحسوب على الأرندي الذي تعرض لحملة انتقادات واسعة بسبب مواقفه االمثيرة للجدل من الحجاب وغيرها من القضايا الأخرى، كما أن سقوط اسم خليدة تومي من الحكومة الجديدة يمكن أن يشكل قاعدة ارتياح لدى الرأي العام المتذمر من وجودها ضمن الطاقم الحكومي، ولو أن وزير الفلاحة نوري عبد الوهاب هو أول من سيعبر عن ارتياحه لرحيلها من الحكومة. التعينيات الجديدة محل ارتياح أيضا بالنسبة إلى وزيرة الثقافة الجديدة نادية لعبيدي ذات الخلفية الثقافية الخالية من النوعة الحزبية، كما بدا واضحا العودة للتقسيم الجديد بالنسبة إلى وزارة الشباب والرياضة التي تم فصلها، فضلا عن تعيين اعلامي على رأس وزارة الاتصال بدلا من عبد القادر مساهل الذي عاد لمنصبه السابق بعدما تبين أنه خلف فراغا رهيبا في الديبلوماسية الإفريقية استغله المغرب بشكل واضح للغاية في خدمة استراتيجيته وسياسته الخارجية.