فجّرت التصريحات النارية المتكررة للأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، عمار سعداني، ضد غريمه في التجمّع الوطني الديمقراطي، أحمد أويحيى، جملة من التساؤلات حول أهداف وخلفيات هذه "الهجمة"، التي باتت توحي وكأنها مؤشر على قرب وقوع حدث ذي شأن كبير. أمس وفي "خرجتين" إعلاميتين متتاليتين، أطلق سعداني "وابلا من الصواريخ" على غريمه في الأرندي، متهما إياه بخيانة ثقة الرئيس بوتفليقة.. وانكشفت بعض خلفيات هذا الهجوم، عندما اتهمه بالتحضير للترشح للانتخابات الرئاسية في عام 2019، من موقعه كمدير لديوان الرئاسة، داعيا إياه إلى التوقف عن ممارسة السياسية في قصر المرادية. سعداني استحضر كل ما هو سيئ ومشين في مسيرة أويحيى ليوظفه في حربه عليه، ما يبين أن المسألة تتجاوز التنابز بالتصريحات إلى معركة كسر عظم، ووصول الصراع إلى هذا الحد، يعني من بين ما يعنيه أن أحد الرجلين بات مرشحا لمغادرة موقعه الريادي في قمة الهرم السياسي. وبالعودة إلى الوراء قليلا، نجد أن سعداني اعتاد دخول مثل هذه الحروب، وكانت أولى المعارك تلك التي خاضها ضد مدير دائرة الاستعلامات والأمن السابق، الفريق محمد مدين المدعو توفيق، وهي التي انتهت كما هو معلوم بتنحية ما اصطلح على تسميته مجازا ب "رب الجزائر"، ليتأكد الجميع بعدها أن ما قام به سعداني إنما مهمة كلف بها وأنجزها كما يجب. ومن هذا المنطلق، يذهب الكثير من المتابعين إلى القول إن ما يقوم به سعداني اليوم، هو السيناريو ذاته الذي أنجزه ضد مسؤول دائرة الاستعلام والأمن السابق، وهي قراءة تستند على العديد من المبررات، ولعل أولها أن أويحيى من الشخصيات السياسية المحسوبة على الفريق توفيق، وأن عنوان هذا المشروع هو تصفية "التركة السياسية" التي نسجها على مدار نحو ربع قرن. ويقوم هذا المشروع على وأد أي أمل يلوح أمام أويحيى للوصول إلى قصر المرادية، وقد قالها سعداني صراحة، عندما أكد أن مناضلي حزبه يشاطرونه موقفه هذا الرافض لكل ما من شأنه أن يمكن أويحيى من ركوب "الأفلان" في أي انتخابات مقبلة. ولم تكن هذه الحرب لتندلع لو لم يجمع أويحيى منصبه الحزبي (الأمين العام للأرندي) إلى منصبه الإداري (مدير الديوان بالرئاسة) الصائفة المنصرمة، وإطلاقه مبادرة سياسية اعتبرها غريمه في الأفلان، محاولة لإنشاء تحالف سياسي جديد ليركبه من أجل الوصول إلى مناصب سياسية سامية، قبل أن يرد عليه بمبادرة مضادة هي تلك التي تحتضن القاعة البيضوية بالمركب الأولمبي محمد بوضياف،اليوم أولى تجمعاتها الشعبية في غياب الأرندي. وعلى الرغم من الهجومات المتكررة لسعداني على غريمه، إلا أن أويحيى ظل ينأى بنفسه عن الرد، واكتفى في بعض المرات بالتأكيد على أن سعداني صديقه، وهو موقف وإن اعتبره البعض "ترفّعا" من قبل الرجل عن الدخول في صراعات هامشية لاسيما أنه يتولى منصبا إداريا في هرم الدولة، وهو موقف غير معهود من أويحيى الذي اعتاد رد الصاع صاعين لخصومه. إلا أن البعض الآخر لم يتردد في اعتبار موقف أويحيى هذا، انحناء أمام العاصفة خوفا من أن تقتلع جذوره، وهو الخبير بخبايا ودهاليز الغرف المظلمة للسلطة، فضلا عن كون الكثير من المتابعين بات على إدراك تام بأن سعداني لا يتكلم من فراغ.