عاد المخرج الجزائري، الذي طالما أثار الجدل بجرأة الطرح والغوص في مشاكل المجتمع الجزائري دون قيود أو حدود. عاد اليوم من وهران مكرما عن فيلم "عمر قتلاتو" وحضر عروض أفلامه "التائب" و"مدام كوراج". التقته "الشروق"، فكان هذا الحوار. تكرم اليوم في حفل اختتام فعاليات الطبعة التاسعة من مهرجان وهران.. انطباعك؟ لا يمكننا تجاهل أهمية المهرجانات السينمائية. والأكيد أن مهرجان وهران هو نافذة ضرورية على جديد السينما في العالم. ولكنني أتحفظ على عدم الاستمرارية. فبمجرد اختتام المهرجان تغلق القاعات ويقاطع الجمهور الفن السابع. هذه ظاهرة غير صحية ويجب أن توضع استراتيجية لإرجاع الجمهور إلى المسرح والسينما وإلى المعارض. للأسف، كلما أزور الجزائر وأمر أمام متحف "ماما" بالعاصمة، أتحسر لأن هذا المكان الذي صرفت عليه الملايير لاحتضان الإبداعات يظل في أغلب أيام السنة مغلقا أمام الجمهور. وأشير أيضا إلى أهمية إشراك الجمهور في المهرجانات وعدم الاكتفاء بحضور السينمائيين والصحافة.
على ذكر الصحافة.. أفلام علواش كلها مثيرة للجدل وتصر على تقديمنا للآخر في صورة المتخلفين.. لماذا؟ يضحك... – أعلم أن الصحافة الجزائرية تكرهني– عندما قدمت فيلمي الأول "عمر قتلاتو" كان بطلا العمل يصادفان القمامة في كل زوايا الأحياء الشعبية. أنا لا أستعين بالديكور. أقدم الواقع كما هو. وأذكر أن وزير الثقافة آنذاك، طالب الإبراهيمي، انتقد عنوان الفيلم "قتلاتو" وطلب مني تغييره، كما عاتبني على إظهار القمامة في الكثير من المشاهد. باختصار أنا أقدم الواقع ولا يمكنني أن أزوّر الحقيقة أو أقدم الأكاذيب. وللإشارة، لم أكن أنا من سيقوم بمهمة الإخراج.. كنا نعمل في مؤسسة تعطي الفرص بالدور. وكان دور مخرج أقدم مني وكان له اسم في الساحة السينمائية ولكنه اعتذر بسبب التعب. وكلفت بإخراج العمل الذي ولدت فكرته على هامش تصوير فيلم "ريح الجنوب". أردت تقديم فيلم عن حي باب الواديمسقط رأسي.
ولكن الجزائر ليست فقط القمامة والعنف والتحرش والتخلف والمخدرات؟ ما هو الجميل.. الصحراء؟ نعم.. أما الباقي، فأنا لم أقدم إلا الجزائر كما هي من دون ماكياج. ورغم ذلك، قدمت أيضا أشياء إيجابية. فمثلا عندما عرض فيلم "السطوح" في أوروبا كانت ردود الفعل مركزة على جمال المناظر التي وظفتها والخاصة بالعاصمة وهو ما خلق عند الجمهور الأوروبي فضولا لزيارة الجزائر رغم كل شيء.
يعود "عمر قتلاتو" إلى قاعات السينما بعد 40 سنة.. هل تتوقع أن يلقى "مدام كوراج"، الذي أثار ضجة بعد برمجته في إسرائيل، نفس التجاوب؟ ما يهمني أكثر هو عودة الجمهور إلى قاعة السينما ومشاهدة "عمر قتلاتو" وجئت خصيصا لمتابعة رد فعل الجمهور من فيلم "مدام كوراج"، الذي عرض فقط في مهرجان الفيلم المتوسطي بعنابة. أتمنى أن يتفاعل الشباب مع الفيلم لأنني أقدم الواقع من دون أي تزييف.
هل يتابع مرزاق علواش سينما الشباب؟ أكيد.. وأنوه بفيلم "قنديل البحر". أجده فيلما شبابيا مختلفا وجديدا. السينما هي قاعات وجمهور وليست فقط أفلاما. وبالمناسبة أشجع الشباب المهتم بالفن السابع الذي اختار الفيلم القصير لغياب التمويل. وبالمناسبة، أطلب من وزارة الثقافة تمويل هؤلاء الشباب بدل دعم أفلام لا تضيف شيئا إلى تاريخ السينما الجزائرية. أتابع بعض الأعمال على الإنترنت ويؤسفني أن يكون هؤلاء الشباب الموهوبون تائهين. انتهى زمن الدعم العشوائي.
علواش ومقناش بوشارب وآخرون متهمون بالسقوط في فخ "الإنتاج المشترك" وتقديم أفلام تحت الطلب.. فعلا. أصبحت هذه التهمة لصيقة بأعمالنا، فنحن متهمون بتقديم أفلام على مقاس الآخر لأنه يمولنا، وأننا ننتج أفلاما للجمهور الأوروبي وليس للجمهور الجزائري أو العربي.. وهذا غير حقيقي ومجرد أحكام مسبقة. أنا أقدم سينما للجمهور الواسع. وهذه مجرد اتهامات باطلة ولا أساس لها من الصحة.. فليقولوا ما شاؤوا لأن هذا البلد فيه الكثير من الغيرة والحسد. وهو ما أبرزته في آخر أفلامي.. الجزائري لا يحب الجزائري. وللتذكير.. تصوير فيلم في فرنسا أسهل بكثير من تصويره هنا ولكني أحرص على التصوير في الجزائر. وأحصل على دعم محدود جدا للتصوير فقط، فأضطر إلى البحث عن جهة تمول عملية إنهاء الفيلم وتقديمه في شكل محترف.
هل يفكر علواش في فيلم عن "داعش" أو "التطرف"؟ وهل شاهد فيلم بوشارب؟ سبق أن تناولت هذه الظاهرة سينمائيا من خلال فيلم "باب الواد سيتي". عندما صورناه كنا نتخفى كاللصوص وكان فريق العمل يغير مكان التصوير باستمرار. تحدثت عن صعود تيار متطرف وتناميه في المجتمع الجزائري. يجب أن نكون حذرين في التعاطي مع موضوع "التطرف"، الذي أصبح موضة عالمية. لدي مشروع حول حالة الإحباط واليأس التي تدفع بالشباب إلى التطرف والانتحار أو قتل الآخر.
شبه صنصال منذ أيام هؤلاء الانتحاريين بالمجاهدين وبمعركة الجزائر.. ما رأيك؟ الثورة الجزائرية مدرسة في التحرر ولا يمكن أن نقارن ما لا يقارن.. إنه التاريخ ولا نتعاطى مع التاريخ هكذا.