دخل الفيلم الجزائري "مدام كوراج" المنافسة في اليوم الثاني من مهرجان عنابة الأوّل للفيلم المتوسطي، أوّل أمس، بالمسرح الجهوي "عز الدين مجوبي"، وقدّم مخرجه وكاتب السيناريو مرزاق علواش عمله بوفاء تام لطريقته المتعارف عليها، وعالج كعادته بعض الآفات الاجتماعية التي تنهش الشباب واختار هذه المرة آفة الإدمان على المهلوسات المعروفة في الشارع الجزائري بأقراص "مدام كوراج" التي تدفع الشخص إلى فعل أشياء غير معقولة. في الفيلم الأوّل المؤرّخ لمسيرة علواش السينمائية "عمر قتلاتو الرجلة" تناول المخرج حياة الشاب عمر المغرم بسلمى التي كان يمر من تحت شرفة بيتها يوميا وهو يسير إلى عمله في مكافحة سوق الذهب السوداء، يستعيد هذه الفكرة في فيلم "مدام كوراج" (إنتاج 2015) مغيّرا من لون شخصية (البطل) فالفتى عمر (عدنان جيمي) مراهق نشأ في أحد الأحياء القصديرية بضواحي مستغانم، مدمن على المهلوسات بكلّ أنواعها مما جعله شخصا غير سوي، يتدبّر المال بنشل ذهب النسوة في الطريق وسرقة حقائبهن، وفي يوم من الأيام تقع عينه في عين ضحيته سلمى، التي نشل منها سلسلتها لكنه سرعان ما لحق بها وأعادها إليها. يعجب الشاب عمر بسلمى، فبعد أن لحقها حتى حيها أصبح يترصّدها في المدرسة الثانوية كذلك، وبقي على نفس الحال حتى سبب لها مشاكل مع أخيها الشرطي الذي يضطر إلى تعنيفه بمركز الشرطة ليتوقّف عن ملاحقتها، لكن هيهات أن يفعل أو يسمع كلام أيّ شخص، الشيء الوحيد الذي يتحكّم فيه هي مهلوسات "مدام كوراج" التي تمنحه الشجاعة الكاملة حتى يثأر لأخته من بطش مختار الذي يقود شبكة دعارة. قد يبرّر المخرج مرزاق علواش حال عمر بالظروف القاسية التي يعيشها، لكنه في الوقت عينه يضع أصبعه على زر "زوم" ليقرّب صورة الخطر الناجم عن الإدمان الذي يحطّم حياة شباب يافعين، وأمعن المخرج في سرد تفاصيل أحداث فيلمه وسط الفوضى العارمة والنفايات المتراكمة في كل مكان. يذكر أنّ الفيلم مدته 100 دقيقة، يتناول كذلك فكرة نفاق المجتمع المصرّح به في مشهد أم عمر التي لا تتوانى عن مشاهدة البرامج الدينية ولكنها تتستّر عن الأفعال المخلة التي تمارسها ابنتها، ولا تخاف على مصير ابنها الحاضر جسدا الغائب عقلا. وسجل الفيلم أداء ملفتا للممثل عدنان جيمي، الذي كان محور الأحداث المرة التي واجهها من بداية الفيلم، وانتهى به الأمر جاثما داخل العمارة حيث تقطن سلمى، يفترش الكرتون ويحتضن سلاحا أبيضا لينتقم من أخيها الشرطي. المخرج مرزاق علواش في ندوة صحفية:"مدام كوراج" يعكس واقعا عنيفا أكّد المخرج مرزاق علواش في ندوة صحفية، بعد نهاية عرض فيلمه "مدام كوراج"، أوّل أمس، بالمسرح الجهوي "عز الدين مجوبي"، أنّ العمل يعكس العنف الذي ترتّّب عن العشرية السوداء، من خلال الكلمات النابية المستعملة وسلوك أشخاص من إدمان وضرب وتهديد واستسهال فعل الجريمة. وقال مرزاق علواش إنّ العبارات النابية يسمعها الجزائريون في الشوارع كلّ يوم وهي شكل من أشكال العنف اللفظي الذي لم يعالج بعد سنوات الإرهاب وهو ما يستدعي، حسبه، الكلام والمناقشة من أجل إيجاد الحلول الناجعة لتنظيف المجتمع الجزائري من مخلفات تلك الفترة العصيبة. وأوضح المتحدّث أنّ الفيلم واقعي، وهو الأسلوب الذي لم يغيّره منذ أن ولج عالم السينما بإخراج أوّل فيلم "عمر قتلاتو الرجلة"، معبّرا عن سعادته بتفاعل الجمهور مع أفكاره حتى وإن كانت قاسية فهي تترجم واقع شباب المجتمع الجزائري الذي يغرق في هالة من المشاكل الخطيرة بين العنف والإدمان والدعارة، وقال إنّه تعمّد إقحام صور المزابل في معظم أحداث الفيلم، وذلك لتبليغ رسالة مفادها أنّ السلطات المحلية لا تقوم بدورها المنوط بالنظافة على مستوى الأحياء. كما ربط علواش نظرته السلبية للمجتمع الجزائري بانكساره وخيبته أمام المشاكل والعوائق التي يعيشها صنّاع السينما في الجزائر الذين يعانون العديد من المشاكل على مستوى الإنتاج والتوزيع وحتى نقص قاعات السينما، وأبدى علواش سعادة كبيرة بمشاركة الجمهور العنابي متابعة فيلم "مدام كوراج"، في العرض الوطني الأول له في مدينة عنابة وليس بالجزائر العاصمة فقط.