يستعد الفلاحون بالطيبات هذه الأيام للشروع في جني محصول التمور، خاصة مع اقتراب فصل الخريف والبداية ستكون بعملية نزع الثمار التي نضجت مبكرا والمسمى "المنقر"، ثم يتم بعدها جني محصول مختلف أنواع التمور. إن الزائر لكل ربوع دائرة الطيبات يلاحظ أنه لا تكاد تخلو بلدية أو قرية أو دشرة من وجود النخيل بمختلف أنواعه أمام السكنات والمحلات وحتى المؤسسات العمومية، ناهيك عن تلك الغابات التي أبدع الإنسان في غراستها، ويعد احتراف غراسة النخيل وإنتاج التمور بالطيبات قديم قدم تاريخ المنطقة، حيث توارثته الأجيال جيلا بعد جيل فزادت المساحات المستغلة في هذا الغرض، ومنها ارتفع عدد النخيل وتنوع، وتبع ذلك تطور تقنيات السقي وطرق الجني وأساليب التسويق، ونظرا لأهمية هذه الثروة ومكانتها في الاقتصاد المحلي والوطني وبغية تطوير وتقنين هذا القطاع، قامت الدولة بتشييد وخلق مؤسسات وهيئات وجمعيات تعنى بهذا الجانب، خاصة بعد فترة الركود. وحسب أحد محدثينا فقد مرت مرحلة تصدير التمور بفترة فراغ كبير وتراجعت بشكل رهيب، خاصة خلال الأربعة عقود الأخيرة، إذ تراجعت صادرات التمور الجزائرية والتي تشكل مناطق الجنوب منها 50 بالمائة، وذلك نتيجة مجموعة من العوامل الموضوعية وغير الموضوعية، أهمها فوضى الأسعار التي سجلت زيادات سنوية تتراوح بين 50 و60 بالمائة خلال العقد الأخير، مقابل 2 إلى 3 بالمائة سنوياً في الأسواق الرئيسة التي تصدر إليها. وتشهد المنطقة تطورا مستمرا في هذا المنتوج من سنة إلى أخرى، وذلك بفضل الجهود المبذولة والدعم الكبير الذي توليه الدولة من أجل تطوير قطاع الفلاحة على العموم ومنتوج التمور على وجه الخصوص، كركيزة أساسية لدعم الاقتصاد الوطني، فحملة جني التمور في ربوع الطيبات ووادي ريغ والتي عادة ما تتزامن مع بداية فصل الخريف وتبدأ فعليا من شهر سبتمبر إلى ديسمبر تعد حدثا في غاية الأهمية في الوسط الفلاحي، ذلك أنها تحول المنطقة إلى شبه خلية نحل من خلال كثرة النشاط كتعدد الأسواق ومجيء تجار وسماسرة من مختلف الولايات، زيادة على أن هذا النوع من الحملات يفتح أبواب الشغل أمام الشباب البطال ولو أنه مؤقت، لكنه يبقى مجديا إلى حد ما، فعلى عكس الفترة الصيفية التي تطبعها درجة حرارة شديدة وحالة ركود شبه تامة تعود الحركية والنشاط التجاري إلى منطقة الطيبات بحلول الخريف، ذلك أن مرحلة الجني تنفخ الروح في البساتين، وتجعل عددا معتبرا من الفلاحين يقبلون على جمع المحصول، فضلا عن الديناميكية المضاعفة في الجانب التجاري، من خلال تدفق التجار بمناسبة هذا الموعد، لتصبح الكثير من بساتين النخيل المنتشرة بإقليم المنطقة تأخذ صبغة ورشات متكاملة، على اعتبار أن مختلف العمليات المتعلقة بمعالجة المنتوج كالجني والجمع والتعبئة تنجز بعين المكان، وتتم عملية الجني بعد التأكد من نضج غالبية "عراجين التمر" لتبدأ العملية عند فجر كل يوم بفرش محيط النخلة بالبلاستيك أو ما شابه حتى يضمنوا سقوط التمر عليه عند قطع العراجين، ليتسلق بعدها أحدهم النخلة وغالبا ما يكون من شريحة الشباب، وذلك على اعتبار أن العملية تتطلب مجهودا بدنيا وخفة، وكل عرجون يقطع يسلم إلى آخر، كل يجمعه على حدا، بعدها تأتي عملية الفرز، وهنا يأتي دور النسوة، لاسيما منهن كبيرات السن، حيث يعملن على فرز كل عرجون حسب حجمه ومدى نضجه. ويطلب الفلاحون بالطيبات بأن تولي الدولة عناية كبيرة واهتماما بالغا لترقية هذا القطاع، لاسيما في شقه المتعلق بآليات تسويقه وتصديره إلى الخارج، بالشكل الذي يسمح للجزائر بجلب العملة الصعبة من هذه الثروة، رغم أن الدولة في السنوات الأخيرة وضعت رهانات كبيرة عليها، لتكون منطلق نهضة فلاحية قوية، قد تصبح مستقبلا بديلا استراتيجيا عن البترول وحينها سيكون لمناطق الواحات وتحديدا الطيبات شأن عظيم، خاصة في هذه السنة التي توصف بالتقشف والبحث عن مصادر بديلة عن البترول في ظل تراجع أسعاره.