يعد نجاح اجتماع منظمة الدول المنتجة للنفط (أوبك)، المنعقد الأربعاء بالجزائر، في الخروج بقرار تخفيض الإنتاج، ثمرة تحركات دبلوماسية قامت بها الجزائر منذ مطلع عام 2015 من أجل بحث توافق بين الدول المنتجة لإعادة الاستقرار للسوق. رمت الجزائر خلال الأشهر الماضية، بكل ثقلها الدبلوماسي من اجل البحث عن توافق بين الدول المنتجة للنفط، يفضي إلى قرار بتسقيف الإنتاج لامتصاص الفائض في العرض، الذي أدى إلى انهيار الأسعار في السوق الدولية منذ منتصف عام 2014. وكان المهمة تبدو شبه مستحيلة في البداية، خاصة بعد فشل عقد قمة لأوبك عام 2015 والتي بادرت فنزويلا بالدعوة إليها، كما فشل اجتماع الدوحة في أفريل 2016 في الوصول إلى اتفاق لإعادة التوازن إلى السوق، بسبب ما قيل عن خلافات بين إيران والسعودية حول مسألة الحصص في المنظمة. وبحكم اعتمادها شبه الكلي على عائدات الطاقة في اقتصادها، وضعت السلطات الجزائرية مسألة بحث توافق لتثبيت الإنتاج وحتى خفضه على رأس أولوياتها منذ مطلع عام 2015. وقال الوزير الأول عبد المالك سلال، في عدة مناسبات أن تراجع الأسعار منذ منتصف 2014 كان وراء فقدان الجزائر لأكثر من نصف مداخيلها، بشكل جعل الحكومة تراهن على أي تحسن لمستوى الأسعار لمواجهة هذا الوضع. وبدأت التحركات الدبلوماسية الجزائرية باتجاه دول من منظمة أوبك وخارجها، مطلع عام 2015 عندما أوفد رئيس الجمهورية شهر فيفري وزير العدل السابق الطيب بلعيز المملكة العربية السعودية، أين سلم رسالة للملك سلمان بن عبد العزيز لم يكشف عن محتواها، لكنها حسب وسائل إعلام سعودية تضمنت تنسيق المواقف لمواجهة انهيار سوق النفط. كما التقى بلعيز خلال الزيارة بوزير البترول والثروة المعدنية السعودي السابق، علي بن ابراهيم النعيمي، لبحث نفس الملف حيث تعد السعودية أكبر دولة منتجة داخل أوبك ولها نفوذ كبير على قراراتها. من جهة أخرى أوفد رئيس الجمهورية وزير الطاقة السابق يوسف يوسفي، إلى رئيس أذربيجان التي تعد قوة بترولية جهوية هامة في القوقاز الذي سلمه رسالة حول نفس الملف. وتطرق مضمون رسالة الرئيس بوتفليقة حسب وكالة الأنباء الجزائرية إلى "ضرورة التشاور بين الدول المنتجة للنفط سواء أعضاء منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك أو الدول غير الأعضاء حول وضع السوق الدولية". من جهته بحث الوزير الأول عبد المالك سلال، خلال مشاركته في قمة الاتحاد الإفريقي بإديس بابا مطلع عام 2015 مع رؤساء البلدان الأعضاء في جمعية منتجي البترول الأفارقة (APPA) ملف أسعار النفط، ويتعلق الأمر بكل من نيجيريا والغابون وأنغولا والكونغو وغينيا الاستوائية. وكانت تلك التحركات بعد فشل كل محاولات جمع أعضاء منظمة أوبك في عقد اجتماع لبحث وقف انهيار أسعار النفط والتي كانت آنذاك في مسار تنازلي بدأ في منتصف عام 2014. وفي تلك الفترة زار الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، الجزائر في 13 جانفي 2015 ضمن جولة لدول نفطية في المنطقة. وأعلن الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو خلال تلك الزيارة، إنه فشل في الحصول على إجماع بين الدول الأعضاء في منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" لعقد اجتماع طارئ للمنظمة. وكان مادورو الذي تواجه سلطته موجة احتجاجات بفعل تأثر الاقتصاد بالأزمة النفطية، يروج في جولته تلك لمبادرة لعقد قمة لأوبك تبحث إعادة التوازن للسوق. وبعد تلك الانتكاسة عقدت أوبك اجتماعا لها في الدوحة، في أفريل 2016 لكنه فشل في إيجاد توافق حول تثبيت الإنتاج، بسبب إصرار إيران الخارجة لتوها من حصار اقتصادي، على استثنائها من القرار بشكل أثار حفيظة السعودية، في ظل خلافات سياسية حادة بين البلدين حول ملفات عدة في المنطقة. وبعد فشل اجتماع الدوحة، استأنفت الجزائر تحركاتها الدبلوماسية لاستضافة اجتماع غير رسمي لمنظمة أوبك، على هامش المنتدى الدولي للطاقة الذي تقرر عقده بالجزائر. وكانت هذه التحركات في كل الاتجاهات، وكان أهمها جولات مكوكية لوزير الطاقة نور الدين بوطرفة مطلع شهر سبتمبر إلى دول مثل إيران وقطر وروسيا، كما التقى خلالها وزير النفط السعودي في باريس في لقاء ثلاثي ضم أمين عام منظمة أوبك محمد باركيندو والذي زار الجزائر بعدها وأعلن تفاؤله بنتائج الاجتماع. وطغت المفاوضات حول أسعار النفط على أشغال منتدى الطاقة الدولي، وقام الوزير الأول عبد المالك سلال ومعه وزير الطاقة بعدد كبير من اللقاءات على هامشه، مع وزراء نفط داخل أوبك وخارجها وخاصة بين السعودية وإيران لتقريب وجهات النظر. وسادت أجواء التشاؤم، خلال انطلاق منتدى الطاقة الدولي بشأن إمكانية حصول توافق داخل الاجتماع غير الرسمي للمنظمة، لكن اللقاء خرج بقرار تسقيف الإنتاج بين 32.5 و33 مليون برميل يوميا وتحول إلى اجتماع استثنائي، بشكل قلب كل التوقعات وحقق أمنية وزير الطاقة، الذي قال في بدايته أنه لن يرفع دون توجيه رسائل إيجابية للسوق. وأدى إعلان القرار، إلى ارتفاع محسوس لأسعار الخام في السوق الدولية قدرت بنسبة 6 بالمائة.