في كلمته الافتتاحية للقمة العربية الثالثة والعشرون بمدينة سيرت الليبية، وقبيل تسليم رئاسة القمة إلى الزعيم الليبي معمر القذافي، انتقد أمير قطر العمل العربي المشترك وطالب الدول العربية بضرورة تخطي الإدانة والأقوال والشجب والحاجة الماسة للتركيز على التنفيذ والعمل في الميدان. الشيخ حمد بن خليفة الثاني قال: "إن واجب الأمانة إلى جانب حق الأمة وكرامة الإخوة من ملوك ورؤساء وأمراء الدول العربية يفرض علي أن أقول من فوق هذا المنبر إن العمل العربي المشترك يواجه أزمة حقيقية... فقد توافرت أمامنا الشواهد والأدلة على أزمة عربية مستعصية لم يعد ممكنا تجاهلها أو الالتفاف حولها". أثارت نتائج قمة الجامعة العربية بمدينة سيرت بالجماهيرية العربية الليبية ردود أفعال سلبية ومتشائمة يغلب عليها طابع الاستهزاء والسخرية في العديد من الأحيان. منظمة أصبح الجميع يسخر منها لأنها فقدت أسباب الاحترام والنجاح ابتداء من رؤساء وقادة الدول الذين تيقنوا أنه لا فرق بين غيابهم أو حضورهم في قمم المنظمة. من جهة أخرى أصبحت المنظمة جسدا بدون روح وبدون استراتيجية وبدون برنامج عمل يتماشى مع الألفية الثالثة والأوضاع التي يعيشها العالم. المنظمة أصبحت وكأنها عبء ومصدر لإهدار الوقت والمال لغالبية الدول العربية وأصبح الجميع يتمنى توقفها وإنهاء مهامها بدلا من الاستمرار بهذه الطريقة. تواجه جامعة الدول العربية تحديات كبيرة جدا في زمن التكتلات الكبرى والعولمة وزمن الانفجار المعلوماتي والثورة التكنولوجية واقتصاد المعرفة. من جهة أخرى تواجه الدول العربية قاطبة وداخل حدودها تحديات كبيرة جدا تتمثل في الديمقراطية والحكم الرشيد والمشاركة السياسية والحريات الفردية والتنمية المستدامة وحقوق الإنسان والرأي العام والمجتمع. والإشكالية المطروحة اليوم بخصوص إصلاح وإعادة هيكلة المنظمة العربية هي إشكالية "أن نكون أو لا نكون"، إشكالية أن نتأقلم ونتكيف مع الأوضاع الإقليمية والعالمية وإلا الاستسلام للفشل والتشردم والتمزق. بالوضع الذي هي عليه جامعة الدول العربية اليوم، يفضل ألا تكون لأن انعدامها يكون أحسن من وجودها وهي تتفرج على فضائح في العراق وفي فلسطين وفي دار فور وفي مناطق عدة من الوطن العربي. عقود من الزمن مرت على إنشاء جامعة الدول العربية، ما هي الدروس وما هي العبر؟ وماذا حقق العرب من خلال هذا الجهاز؟ هذا الجهاز الذي سمي ببيت العرب لبعث وتطوير العمل العربي المشترك. فشل جامعة الدول العربية يعكس أزمة العمل العربي المشترك وفشل الأنظمة العربية قاطبة في تحقيق التنمية المستدامة وفي تحسين ظروف معيشة المواطن العربي. فجامعة الدول العربية ما هي إلا انعكاسا للأنظمة العربية ويجب أن نقّر أنه من غير المنطقي أن تكون هذه المنظمة ديمقراطية وفعالة وقوية وناجحة وتتمتع بهياكل وأجهزة تعمل على تكريس الديمقراطية والحكم الرشيد لدعم وبعث العمل العربي المشترك. تعاني جامعة الدول العربية في حقيقة الأمر من تناقضات ومشاكل الدول العربية والتي تتمثل فيما يلي: الأنانية القطرية وحب الزعامة والصراعات والنزاعات الجانبية بين العديد من الدول الأعضاء. معضلة الإجماع العربي بسبب غياب الرؤية والاستراتيجية الموحدة وتبعية الدول العربية لقوى خارجية مختلفة تتضارب مصالحها في المنطقة. الارتباط باتفاقيات ومعاهدات ثنائية مع قوى خارجية على حساب المصلحة العامة للدول العربية قاطبة وعلى حساب العمل العربي المشترك. تفتقد قرارات الجامعة لآليات الإلزام والتنفيذ وهذا يضرب في الصميم فاعلية المنظمة. انعدام التعاون والتبادل الاقتصادي المشترك، فالعمل المشترك يقوى ويصبح فعالا إذا كانت هناك آليات التكامل الاقتصادي والتبادل التجاري بين الدول العربية. تهميش وإقصاء الشعوب العربية من الممارسة السياسية والمشاركة في صناعة القرار. عدم شرعية السلطة في معظم الدول العربية، وغالبية القادة والحكام يتربعون على كراسي الحكم لعقود من الزمن ويعملون على توريث ذويهم في الحكم. انعدام التداول على السلطة وثقافة الديمقراطية والحوار واحترام الرأي العام والمجتمع المدني. الاستحواذ على النظام الإعلامي والسيطرة عليه من قبل السلطة، الأمر الذي يعيق العمل الديمقراطي وتكريس مبدأ النقد والنقد الذاتي واحترام الرأي والرأي الآخر. فشل المشروع الديمقراطي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي في معظم الأقطار العربية. الفعل الديمقراطي في العالم العربي مع الأسف الشديد مغيّب، ونلاحظ أن طاقات هائلة سواء كانت مادية أو بشرية غير مُستغلة بطريقة جيدة. فالقرار لا يُتخذ بطريقة مدروسة وعلمية، والسلطة لم تجد ما تقدمه لشعبها ونجدها تتربع على سدة الحكم لعقود من الزمن. النظام الإعلامي لا يقوم بدوره الحقيقي وما يفعله هو التملق والتسبيح والتمجيد. فالفجوة إذن كبيرة جدا بين السلطة والجماهير، هذا على مستوى كل قطر عربي، فكيف تنجح هذه الدول في تحقيق عمل عربي مشترك وهي عاجزة عن تجسيد قواعد الديمقراطية داخل حدودها. فالدول العربية اليوم عاجزة على إنشاء شبكة سكك حديدية مشتركة وشبكة طرقات سيارة تربط المحيط بالخليج، وشبكة كهرباء وشبكة مياه وشبكة غاز. ومن هنا فإن جامعة الشعوب مغيبّة تماما، والعمل العربي المشترك نجده غائبا عن مختلف المستويات سواء تعلق الأمر بالسياسة أو الاقتصاد أو التعليم أو الثقافة أو الرياضة... الخ. فبدون تكامل اقتصادي وبدون تبادل في مختلف المجالات بين الشعوب العربية من موريتانيا إلى سلطنة عمان فالكلام عن العمل العربي المشترك والكلام عن بيت العرب يعتبر ضربا من النفاق السياسي. فالأنظمة العربية بحاجة إلى وقفة مع الذات لتحديد آليات التغيير والتأقلم مع متطلبات القرن الحادي والعشرين. لا نستطيع أن نطالب بديمقراطية جامعة الدول العربية في ظل أنظمة عربية مستبدة لا تؤمن بالديمقراطية ولا تؤمن بالحريات الفردية ولا تؤمن بالفصل بين السلطات وبحرية التعبير وحرية الصحافة. فالتغيير لا بد منه ويجب أن يأتي من الداخل وبإيمان عميق من صانع القرار. فمستقبل العرب يكمن في تحرير الفرد العربي وإعطائه إمكانيات الخلق والإبداع حتى يساهم بطريقة إيجابية وفعالة في بناء مستقبله ومصيره. الأنظمة العربية اليوم أمام خيارين لا ثالث لهما، إما الإصلاح والشروع في الديمقراطية وإشراك الجماهير في العملية السياسية وصناعة القرار والتخلي عن الآليات البالية السلطوية التعسفية والدكتاتورية أو المحافظة على الوضع الراهن، وهذا يعني الموت البطيء والانبطاح والخضوع والاستسلام للقوى الخارجية التي تتربص بالوطن العربي. تكمن السلطة الحقيقية في الشعب وليس في أجهزة البوليس والمخابرات وقوات الردع. الأمر يتطلب إعادة ترتيب أوضاع النظام العربي الجديد بإجراء إصلاحات حقيقية على المستوى الداخلي لكل قطر عربي وعلى مستوى العلاقات العربية بما يحقق التنمية الشاملة والإصلاحات السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية والفكرية في إطار نظام عربي متكامل يقوم على الديمقراطية واحترام شعوبه بالدرجة الأولى واحترام الدول الأعضاء بدون مزايدة ولا مساومة. فالشعوب العربية تحتاج اليوم إلى أنظمة عربية قوية تستمد قوتها من شعوبها ومن الشفافية والديمقراطية والحكم الرشيد، كما تحتاج إلى عمل عربي مشترك قوي وفعال يقوم على رؤى واستراتيجيات واضحة وعلى الأفعال وليس الأقوال والشعارات الفارغة والرنانة. تركز الكلام في قمة سيرت حول مصارحة الذات وتبني الصراحة والشجاعة والنقد الذاتي والاقتناع بضرورة الإصلاح والتغيير لتصبح الجامعة اتحادا، وليصبح هناك تدوير في الأمانة العامة وتدوير في رؤساء اللجان وكذلك "دمقرطة" المنظمة وآليات العمل بها، كما هو معمول به في معظم المنظمات الإقليمية في العالم. والسؤال الذي يطرح نفسه هل إعادة تنظيم وهيكلة وتغيير اسم الجامعة كاف لإصلاح العمل العربي المشترك وتجاوز الأزمة التي يتخبط فيها. لقد غير الأفارقة اسم منظمتهم من منظمة الوحدة الإفريقية إلى الاتحاد الإفريقي، لكن الأمور بقيت على حالها وما زالت القارة السمراء تتخبط في مشاكلها وما زال الاتحاد عاجز عن تحقيق طموحات وآمال مئات الملايين من الأفارقة.