هل يمكن أن تقوم محكمة في نيويورك بمحاكمة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز لمسؤولية حكومته المفترضة عن هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001؟. هذا ما يمكن أن يحصل مع القانون الأمريكي الجديد (جاستا) الذي يتيح لضحايا اعتداءات إرهابية ملاحقة حكومات أجنبية، ما قد يؤدي إلى فوضى كاملة في العلاقات الدولية. وكان الكونغرس الأمريكي أقر في نهاية سبتمبر الماضي قانون "جاستا" وهو اختصار ل"قانون العدالة بمواجهة مروجي الإرهاب"، متجاهلاً فيتو الرئيس باراك أوباما، ما سيؤدي إلى مزيد من التأزم القائم أصلاً في العلاقة بين الولاياتالمتحدة والسعودية.
امتعاض الدول الحليفة لأمريكا من القانون الامتعاض إزاء هذا القانون لا يقتصر على المملكة، بل أن دولاً حليفة عديدة للولايات المتحدة لم تخف قلقها إزاء إعادة النظر بالمبدأ شبه المقدس في القانون الدولي وهو حصانة الدول. حتى أن دولاً في الإتحاد الأوروبي مثل فرنسا وهولندا هددت بتشريعات مماثلة رداً على القانون الأمريكي، ما قد يتسبب بسلسلة طويلة من الملاحقات القضائية على المستوى الدولي ضد الولاياتالمتحدة وممثليها في الخارج من دبلوماسيين أو عسكريين. ولم يخف وزير الخارجية الأمريكي بدوره جون كيري امتعاضه من إقرار قانون "جاستا"، معتبراً أنه "يشكل مجازفة كبيرة" للولايات المتحدة، مندداً قبل أيام وهو يقف إلى جانب نظيره السعودي عادل الجبير ب"التأثير السلبي جداً لمفهوم الحصانة السيادية على مصالح الولاياتالمتحدة". وقال كيري أمام الجبير، إن هناك "وسائل لإصلاح" هذا القانون، فيما أكد خبراء أن الأمر لا يمكن أن يحصل ما لم يتم الالتفاف عليه عبر قوانين جديدة للحد من قدرة الأمريكيين على تقديم شكاوى. حتى أن الوزير السعودي حذر من مخاطر الوصول إلى "فوضى في النظام الدولي". وقد يفتح القانون على المستوى الدولي الباب أمام فوضى بحسب ما يحذر حسين إيبش الاختصاصي في شؤون دول الخليج. كما أن الإتحاد الأوروبي حذر في نهاية سبتمبر الماضي من أن "دولاً أخرى قد تسعى لإقرار قوانين مماثلة ستؤدي إلى مزيد من الإضعاف لمبدأ حصانة الدول". وجاء هذا التحذير في رسالة موجهة إلى الإدارة الأمريكية. وتباحث نواب فرنسيون وهولنديون وبريطانيون في مشاريع قوانين للرد على القانون الأمريكي، كما برزت اعتراضات عليه من دول الخليج العربي وتركيا والعراق والأردن وباكستان وحتى اليابان. العلاقات السعودية الأمريكية على محك قانون "جاستا" ذهب البروفسور في جامعة برنستون برنار هيكل الذي شارك في هذا المؤتمر إلى سيناريو كارثي نظرياً قائلاً: "إن العاهل السعودي نفسه قد يدعى للمثول أمام محكمة في نيويورك ليستجوبه نائب عام.. وفي حال لم يمثل فقد يصدر حكم ضد المملكة". وتشهد العلاقات بين الرياضوواشنطن فتوراً شديداً منذ ثلاث سنوات خصوصاً بسبب السياسة المترددة جداً للرئيس أوباما بشأن سوريا والتقارب الأخير بين واشنطن وطهران. وأضاف هيكل، أن "هذا القانون يؤكد للقادة السعوديين أن إدارة أوباما تخلت بشكل أو بآخر عن حلفائها في المنطقة من أجل سياسة أكثر تقرباً من إيران". وتنفي الرياض بشدة أي علاقة لها بهذه الهجمات (15 من منفذي الاعتداءات من أصل 19 هم سعوديون) وقامت لجنة تحقيق أمريكية عام 2004 بتبرئتها من أي علاقة لها بالاعتداء. واعتبر المدير السابق للاستخبارات السعودية الأمير تركي الفيصل، في كلمة أمام مؤتمر في واشنطن حول تداعيات هذا القانون، إنه "وضع لمهاجمة أوفى صديق للولايات المتحدة خلال الأعوام السبعين الماضية". ولا يشير قانون "جاستا" أبداً إلى السعودية إلا أنه يسمح من الآن فصاعداً للناجين من هجمات إرهابية أو لأقارب ضحايا هجمات الحادي عشر من سبتمبر بملاحقة المملكة قضائياً.