رغم تطور ألات الحراثة الميكانيكية الحديثة، ألا أن السيد محند أكلي فشتاح المدعو "بوحو" الفلاح الوحيد المنحدر من قرية إغيل حماد ببلدية صهاريج بولاية البويرة، الذي ما يزال يستعمل المحراث التقليدي الذي تجره الثيران لحراثة الأراضي، في زمن "المكننة" والجرارات العصرية، التي بات الكثير منها مزودا بمكيف هوائي، ويبدأ أكلي عمله في الحراثة قبل شروق الشمس، ويبقى إلى غروبها، إلا في حال نزول المطر المستمر والشديد. لم يتمكن تطور الآلات الحديثة التي اختصرت الزمن والجهد ورفعت من حجم الإنتاجية، من تنحية المحراث التقليدي الذي لا يزال يستخدمه السيد فشتاح في عمله اليومي وهذا نظراً للطبيعة الجبلية الصعبة بقرى البويرة، ما جعل من الصعب على المحراث الحديث الوصول اليها وحراثتها، مما حفظ للمحراث القديم مكانته، واستمر في القيام بما عجزت الآلة عن القيام به حيث أن الكثير من الحقول الزراعية عبارة عن أراض كثيرة ووعرة. ويقول السيد "فشتاح" الذي التقته "الشروق" بقرية اغيل حماد بالصهاريج أن المحراث التقليدي هو الأداة الوحيدة التي كان يستخدمها الآباء والأجداد في حرث وزراعة الأرض لتأمين لقمة العيش، مضيفا أن الفلاح يصنعه من أخشاب الأشجار المتوفرة في قريته، ويتكون العود من عدة قطع خشبية توصل وتركب مع بعضها البعض، لتفي بالغرض الذي صنعت من أجله، وهو حراثة الأرض من أجل زراعتها، مضيفا أن المحراث التقليدي يسمح للفلاح بالدخول إلى أصغر المساحات وأضيقها، وهذا يتيح له حراثة كل شبر من الأرض واستغلاله في الزراعة، كما أن ارتفاع تكلفة الحراثة الميكانيكية بالمقارنة مع الحراثة التقليدية، جعلت الكثير من الفلاحين يفضلون حراثة أرضهم باستخدام المحراث التقليدي. من جهة أخرى، أكد السيد فشتاح أن حراثة الأرض وبذرها تبدأ من شهر أكتوبر إلى غاية بداية الربيع على ابعد تقدير، ولا يمكن التأخير عن هذا الموعد، ويتم ذلك في العادة بعد أول هطول مطري جيد، ويحرث الفلاح أرضه لإعدادها للزراعة، مستخدما لذلك المحراث اليدوي ويحرثها بعمق لشق قشرة الأرض، وتفتيت كل الكدر، والقطع الكبيرة والكتل المتماسكة. يقول السيد فشتاح وهو فلاح متمرس أن سكان قريته والقرى الأخرى يستأجرونه لحرث أراضيهم قبل عملية البذر، لان الفلاحين بالمنطقة لا يملكون عود الحراث، ولا حتى الثيران التي تجر عود الحراث، ويتقاضى مقابل عمله أجرا نقديا لا عينيا مقابل الحراثة، حيث قديما كان من يتولون حراثة الأرض، يقبضون الثمن عينيا على شكل محاصيل زراعية أو غيرها، مضيفا أن الكثير يعتمدون على خدماته خاصة عندما تكون قطعة الأرض جبلية مائلة ولا تحتفظ بالماء كالأرض المنبسطة، وذلك من خلال حرثها بخطوط متباعدة بالطول والعرض، لكي تحتفظ بأكبر قدر ممكن من مياه الأمطار، ولأطول فترة ممكنة حتى تمتصها بشكل جيد.
جهد .. صبر وخبرة قبل البدء بالحراثة يفحص السيد فشتاح ملائمة الأرض للحراثة بأخذ حفنة من التربة وضغطها بين راحتيّ يديه، فاذا كانت رطبة ومتماسكة كالعجينة تترك لبضعة أيام حتى تجف قليلا، وإلا كان من الصعب حرثها، لأن الطين سيتراكم على سكة المحراث، وتجرف أمامها كتل كبيرة من الطين، وفي ذلك تعب وإجهاد كبير للحرّاث. ويضيف السيد فشتاح أن عود الحراثة يحتاج لجهد كبير وصبر أكبر، إلى جانب معرفة الفلاح كيفية مسك المحراث، وكيفية توجيهه، وكيفية المحافظة على استقامة خطوط الفلاحة وتوازيها، وبمقدار ما يكون الفلاح أكثر خبرة في التعامل مع المحراث، يكون عمله أسرع وأسهل وأكثر اتقانا، والفلاح المتمرس يحرث التربة جيداً، ويجعلها في خط مستقيم، وبعمق متساوي تقريبا، فلا يدع السكة تغور كثيرا في الأرض، ولا يتركها على سطح التربة، ولا يستعجل في الفلاحة ولا يبطئ، ولا يترك فيها اي بقعة صلبة غير محروثة. وفي اليوم المعد للحراثة يستيقظ السيد فشتاح محند أكلي مبكرا،ً أي قبل أذان الفجر، وذلك لعلف زوج الثيران التي ستخرج للحراثة لأنها أكثر صبراً وتحملاً للتعب خاصة مع طبيعة الأرض جبلية الوعرة وكذلك نوع التربة.