رغم التقدم التكنولوجي الكبير الذي تعرفه مختلف المهن إلا أن حرفة الحصاد التقليدي المسماة “الشوّالة”، أو “الحصّاد”، التي تعتمد على الجهد العضلي للإنسان والمنجل تبقى سائدة في الكثير من مناطق الهضاب العليا والمناطق السهبية، ويجمع أهلها أنها مهنة ورثوها عن الأجداد منذ القديم، ولن يستغنوا عنها مهما قدّمت لهم التكنولوجيا من تسهيلات، لأنها حرفة تضرب في عمق الإنسان وحضارته. لا تزول بزوال الرجال الحصّاد.. حرفة الحر والخير تبقى مهنة الحصاد التقليدي، المسماة “الشوّالة” التي تعتمد على الجهد العضلي للإنسان والحيوان، من المهن التي مازالت سائدة في الكثير من المناطق النائية في ولاية تلمسان، والتي تبقى بعيدة عن أعين المسؤولين عن القطاع الفلاحي، ويجمع أهلها أنها مهنة ورثوها عن الأجداد منذ القدم. تعتمد هذه المهنة على وسائل تقليدية تساعد “الشوّال”، وهي التسمية المحلية التي تطلق على محترفها أو الحصّاد، منها لباس يشبه المئزر يرتديه “الشوّال”، يطلق عليه اسم “التباندة” ويستعمل أيضا “الصباعيات”، وهي مصنوعة من القصب لتحمي أصابع الحصاد من المنجل الذي يحصد به الزرع، ويجمع الكثير من الفلاحين أن هذه المهنة شاقة للغاية، وتتطلّب الصبر الكبير بالنظر للظروف التي تتم فيها عملية الحصاد، حيث الحرارة المرتفعة والعطش الشديد. ولا يحمي الحصّاد نفسه من حرارة الشمس إلا من خلال ارتدائه لقبعة مصنوعة من نبات الدوم، تظل على رأسه منذ انطلاقه في العمل باكرا وإلى غاية غروب الشمس. الفلاح حسين محمد من منطقة مرشيش بولاية تلمسان يقول إن هذه الحرفة “أهلكتنا كثيرا ونحن نقوم بها لظروف معينة، لأن أصحاب الآلات الحاصدة (الحاصدات) يرفضون العمل في الأراضي الجبلية الوعرة والتي تتميّز بكثرة الأحجار، مثلما هو الحال بالنسبة لأرضنا المتواجدة بمنطقة عين غرابة ومناطق أخرى”. وأضاف المتحدث ذاته: “لذا نعتمد على أنفسنا في حصد الغلة الفلاحية التي نحصل عليها في الصيف، والتي نحرثها أيضا في فصل الخريف بواسطة المحراث الخشبي التقليدي الذي تجرّه البغال، ولذا نتوجه بطلبنا إلى السلطات المحلية علّها تعتني بأرضنا من خلال القيام بعمليات الحرث العميق لإزالة الأحجار الكثيرة، وتسميدها لتتحوّل إلى أرض تستقبل الحاصدات والجرارات، وبالتالي تخليصنا من متاعب الحرث شتاء والحصاد في فصل الحر”. وعاد محدثنا ليقول “رغم أن هذه المهنة متعبة من ناحية الجهد العضلي إلا أننا نتذوّق فائدتها”. من جهة أخرى، يتقاضى الحصّاد أو الشوّال، في الوقت الراهن، مبلغ 1200 دينار على اليوم الواحد، بالإضافة إلى إطعامه في الصباح وفي منتصف النهار، ومع مرور السنوات بدأت هذه الحرفة تتقلص بسبب انتشار آلات الحصاد الحديثة، والتي أصبحت تقوم مقام الفلاح، ولكن في الأماكن المستوية. وذكر لنا أحد الفلاحين أن اللجوء إلى هذه الآلات أملته الحاجة، بالنظر للتكاليف الباهظة جراء الاعتماد على “الشوّالة”، الذين أضحى الاعتماد عليهم يقتصر في أغلب الحالات على حصاد الخرطال. الأمين العام للاتحاد الوطني للفلاحين الجزائريين محمد عليوي لالخبر المنجل بالنسبة للفلاّح ضرورة وليس اختيارا يرى الأمين العام للاتحاد الوطني للفلاحين الجزائريين، محمد عليوي، أن حرفة الحصاد بالمنجل لن تزول وستبقى قائمة مهما اختلفت الظروف، ويستند المتحدث، في تصريح ل«الخبر”، إلى كون الطابع الفلاحي المحلي يفرض ب«القوّة” عدم الاستغناء عن المنجل. وأفاد عليوي أنّ استعمال المنجل في موسم حصاد القمح منتشر بكثرة في الهضاب العليا والمناطق السهبية، لاسيما في ولايات تيارت وتسمسيلت والشلف والبيّض، وهي ولايات طابعها الفلاحي وعر جدّا، لا تجد فيه آلات الحصاد مكانا لها، وتعوّض ب«سواعد” تنهكها برودة الشتاء أثناء الحرث، وحرارة الصيف خلال موسم الحصاد. ويقول “كبير” الفلاحين الجزائريين إن اعتماد الفلاحين الصغار على أداة المنجل “ضرورة وليس اختيارا”، تفرضها العوامل الطبيعية الوعرة في الهضاب العليا والمناطق السهبية، فضلا عن كون المساحات المزروعة “ضيّقة”، والاعتماد فيها خلال الحصاد يكون على المنجل وليس على الآلة الحاصدة، لذلك، يضيف المتحدث، حتى وإن توفرت هذه الآلة فتكون للزينة. ولاستعمال المنجل في الحصاد لا يجب أن تزيد المساحة عن 5 هكتارات، لأن الآلة الحاصدة لا يمكنها التحرك في هذه المساحة، بل يلزمها مساحة لا تقل عن 100 هكتار، ورغم ذلك فالعملية متعبة، لاسيما إذا كان “الشوّالة” ليسوا ملاك الأرض. ويقول عليوي إن الشوّالة يعملون حسب صاحب الأرض، فإذا كان رجلا كبيرا وغير قادر على حصدها، فما عليه سوى الاستنجاد بهم، وتكون أجرتهم نصف المنتوج وليس مالا، أما الفئة الثانية فأجرتهم أيضا ليست مبلغا ماليا وإنما يحوزون على “الثالثة”، بمعنى إذا كانت الكمية المحصدوة 300 قنطار مثلا، فنسبة الثلث أي 100 قنطار للشوّالة، أي الثالثة لهم، وهي الصيغة الأكثر طلبا، أما الفئة الثالثة من الشوّالة، فتأخذ مقابل الجهد مالا محددا ب1000 دينار أو 1200 دينار في اليوم، ويبدأ عملهم من ساعات الصباح الأولى إلى غاية العصر. وفي ظل هذه الظروف الصعبة، يقول محمد عليوي، يبقى نظير الفلاح الجزائري في أوروبا، مثلا، بعيدا عنه من حيث التكنولوجيا التي حوّلت الفلاحة هناك إلى صناعة، حيث آلة الحاصدة مجهّزة بأحدث التقنيات ومكيّفة، ولا يقل ثمنها عن مليار و400 مليون سنتيم. وفي مقابل هذا، يجد الفلاح الجزائري فلاحته متخلفة من جميع النواحي. وأرجع محمد عليوي، أمين عام الاتحاد الوطني للفلاحين الجزائريين، سبب “تخلف الفلاحة”، رغم المجهودات للنهوض بها، إلى خروج الفلاح “منكسرا” من أزمات لم تتوقف منذ الاستعمار الفرنسي، وانعكست هذه الوضعية على الفلاح الذي خرج من وقت لا يستوعب فيه التطور التكنولوجي الطارئ على الفلاحة، ويرى فيه نفسه بعيدا عن المستوى العالمي للفلاحة، فحرمه نقص الوسائل من التطور حتى أصبح الاستغلال عشوائيا. بورتري الفلاح عباس محمد أحد أقدم “الشوّالة” بناحية تلمسان “مكرهون نحن لا أبطال” يقول الفلاح عباس محمد، من منطقة السهب بولاية تلمسان، إن مهنة “الشوّالة” أو الحصاد التقليدي مهنة ورثناها عن أجدادنا الأوائل، ورغم صعوبتها يقول إلا أن الحاجة دفعتنا إلى الاعتماد عليها، ولا نجد بديلا عنها، لأننا نتواجد في منطقة تعتمد على الوسائل التقليدية في ممارسة النشاط الفلاحي. وأوضح عباس أنه ينهض رفقة أقربائه وجيرانه على الساعة السادسة صباحا، ثم يتوجهون إلى الحقول محملين بأدوات الحصاد، “حيث نقوم بعملية الحصاد ونكوّن مجموعات من السنابل تسمى عندنا محليا “الغمر”، ونضعها مع بعض على شكل مجموعات كبيرة، ثم نشرع في ترديد أغان قديمة عبارة عن أشعار نرددها ثم نشرع في الصلاة والسلام على رسول اللّه من أجل أن يهبّ النسيم علينا، خاصة عند اشتداد درجات الحرارة”. وبعد نهاية الحصاد، يضيف المتحدث، نقوم بجمعها بواسطة قاطرات الجرارات وحملها إلى مكان درسها أمام المنازل أو الخيام المنصوبة لهذا الغرض بواسطة عجلات الجرارات، حيث تتم عملية الدرس بواسطة مجموعة البغال أو الحمير بعد بناء المكان المسمى “الرحبة” الذي تدرَس فيه الغلة، ومن ثم تتم في المساء تصفيتها بواسطة “المدراة” تحت الهواء، ثم نستعمل، يقول، اللوح و«الشطبة”، وبعد ذلك ومن بعد الغروب أو صلاة الصبح تحسب الكمية من الشعير بترديد عبارات “اللّه واحد والثاني لا شريك له تربح والثالثة بركة القرآن الكريم”، لتنتهي العملية بتخصيص “حق اللّه”، وهي عبارة عن زكاة تخرج من المنتوج تسمى “العشور” بواسطة “آلة الخروبة”، ومن بعد نضعها في أكياس وتخزّن في أماكن معينة، ويضيف: “ومنا من يخزّنها في مخازن أرضية تسمى المطامير (جمع مطمور)، وبعد مرور أشهر عليها نجدها كما كانت عليه دون أن يتغير لونها ولا رائحتها، في حين أن هذه البضاعة لا نوجهها إلى مراكز تخزين الحبوب التابعة لتعاونية الحبوب العمومية، بالنظر إلى أن الكمية توجه إلى الاستهلاك العائلي وما بقي يخصص للبذر للموسم الجديد”. وقال محدثنا إن هذه المهنة رغم أنها شاقة إلا أن نشعر أنها أحسن من الاعتماد على الحاصدات والآلات، والمتعة فيها أن العمل يكون جماعيا، وكذلك الأكل والشرب والراحة. شاهد من أهلها خميس بن موسى إطار بمحافظة الغابات بتلمسان لالخبر “التكنولوجيا قضت على مهنة الشوّالة” أكد المكلف بشؤون الفلاحين على مستوى محافظة الغابات لولاية تلمسان، خميس بن موسى، أن مهنة الشوّالة كانت رمزا تاريخيا لسكان المنطقة، وكانت عنوانا للتآلف والتعاون بين أبناء المجتمع الواحد. وأوضح أن التطور التكنولوجي في ميدان الزراعة قلّص من الدور الاجتماعي الذي كان يميز مهنة الشوّالة عبر العصور، وأضاف: “اليوم بدأت هذه المهنة تنقرض شيئا ما، بسبب ارتفاع أسعارها، لأن الشوّال أصبح يكلّف غاليا، ثم إن ظهور الآلات الحديثة قضى بشكل كبير عليها، ولم تعد تقتصر سوى على حصاد نوع معين من الحبوب”. من جهة أخرى، قال المتحدث، ل«الخبر”، إنه بالرغم من الظروف التي كان يعمل فيها الشوّال، إلا أن الإنتاج كان كثيرا ويكفي حاجيات السكان في المنطقة الواحدة، حيث يخصص منه جزء للطحن والباقي للتخزين لزرعه في العام الموالي، واليوم ورغم الإمكانيات المتوفرة إلا أن الإنتاج يختلف من منطقة إلى أخرى، حسب محدثنا .