هل تعتبر الوسطية في الدين تهمة؟ ربما هذا ما أحسسته من عيِّنات عدد كبير من نساء داعش اللواتي معهن، فتياتٌ في عمر الزهور يضِعن والسبب –حسبهن- جهلهن للدين والوسطية فيه، وهو ما جعل أول باب يحاول مساعدتهن، هو باب داعش الذي أدخلهن في مفهوم مغالط تماما، دين يفهمه هؤلاء على أن المرأة فيه سبيَّة وجارية وأن وجودها هو لإشباع رغبة المقاتل وإنجاب أكبر عدد من الأولاد مجهولي النسب. أم حذيفة زوجة أمير أنصار الشريعة قصة أم حذيفة مختلفة نوعا ما عن الأخريات، فهي تونسية الأم ليبية الأب، أخبرتنا أنها كانت إنسانة عادية بدون خلفية دينية، متبرِّجة، وحسبها فإن هذا هو لب المشكلة، مشكلة أن لا يملك الإنسان خلفية دينية وأول ما يسمعه عنه يصدِّقه فورا. بداية أم حذيفة مع التنظيم الذي أطلق عليها هذا اللقب كانت مع أختها صاحبة الفكر المتطرف وزوجة قيادي في التنظيم، أخت كانت تقدم لها الدروس عبر الأنترنت، رؤية محدثتنا للفيديوهات بكثرة جعلها تفكر في التوجه نحو سوريا ل"الجهاد"، لكنها مع مرور الوقت لم تستطع فعل ذلك، مضيفة أن أختها كانت متواجدة في تونس، ربما لمهمة معينة.. ربطت الأخت شقيقتها في تلك الفترة بمقاتل في داعش تونسي الجنسية، أرسل لها شخصين لإخراجها من بيت أهلها وإيصالها إليه في مدينة سرت، وهذا بغرض الزواج منها، وفعلا تم الزواج الذي منه بدأت الصدمة، اكتشفت أم حذيفة أن زوجها المقاتل يتعاطى الحبوب التي تجعله يعاملها بشكل سيِّء، لم تستطع التحمل وبعد 25 يوما تطلقت منه، وبحكم أن بقاء المرأة داخل التنظيم دون زواج أمرٌ محرَّم، تزوجت مرة أخرى من شخص ليبي عرفت أنه أمير أنصار الشريعة، كانت كنيته أبو سلام، عمره 32 سنة، تقول محدثتنا إنها تخلصت من شرائح هواتفها النقالة التي يعرفها أهلها وحتى أختها التونسية وهذا حتى تقطع اتصالاتها بهم وحتى لا يسألوا عنها. زواج أم حذيفة مع أمير أنصار الشريعة دام ثلاث سنوات، حتى بعد قدوم تنظيم داعش ومبايعة زوجها له، بقي مسئولا عن تنظيمه في كل من مناطق سرت والنوفلية وهراوة، مَهمّته -حسب زوجته- كانت التجنيد والتسليح والتفخيخ وكل الأمور اللوجستية التي لها علاقة بالجانب العسكري، كما تقول إنه كان يحظى بكامل الثقة من قبل قيادات داعش في المنطقة، أما داخل المنزل فكان عاديا جدا إلى درجة أنها لم تكن تحس أنه أميرٌ لتنظيم معين، خاصة وأنه كان يشاهد معها التلفاز الذي يحرِّمه داعش، تنظيم تقول أم حذيفة إنه كان يمنع خروجهن بدون سبب، يعني المتزوجة تبقي في منزلها إلى أن تموت ولا يجوز لها الخروج إلى الشارع، بعكس زوجها الذي كان متفهِّما ويسمح لها برؤية صديقاتها من الليبيات والتونسيات، هنا تقول شاهدتُنا التي التقيناها داخل أحد المعتقلات الليبية، إن بعضهن يحمل فعلا الفكر المتطرف الذي يدعم قيام دولة داعش، فيما البقية وجدن أنفسهن خارج الإطار الذي صُوِّر لهن، فقد جئن من أجل مسمى الدين و"الخلافة على منهج النبوَّة"، ليجدن في الأخير التحرشات الجنسية واستغلال المهاجرات الأجنبيات، واقعٌ لم تتمكن أي واحدة منهن الفرار منه. تقول أم حذيفة إن الاهتمام الأوَّل لتنظيم داعش كان النساء وكيفية جلبهنَّ واستقطاب أكبر عددٍ منهن، كما كان يُمنع على المطلقة والأرملة البقاء بدون زواج، والتي ترفض ذلك يقال لها إنها "وقفت ضد شرع الله؟!" ويصدر الحكم بحقها أنها "مرتدَّة"، وأصعب شيء بالنسبة للنساء هذا الحكم الذي يستبيح دمها وقتلها مباشرة، وتضيف أن النساء اللواتي كن قليلات الخروج فوجئن خلال حرب سرت بوجود السبايا، وفوجئن أكثر بامتلاك أزواجهن لاثنتين أو ثلاث نساء في منزل واحد، بينما كان يبيِّن لها أنها زوجته الوحيدة، تقول إن إرهابيي داعش كان مسموحا لهم إعادة الزواج أكثر من مرة، حتى بدون موافقة الزوجة، المهمّ بالنسبة للتنظيم هو جلب أكبر عددٍ من الأطفال التابعين لهم. مع بداية معركة سرت، قيل لأمِّ حذيفة إن زوجها قد قُتل خلال أحد الاشتباكات، فما كان منها سوى التنقل مع النساء إلى الحي رقم واحد داخل مضافات خاصة اجتمع فيها الرجال أيضا، كان هؤلاء يخبرونهنّ أن الأمريكيين يقومون بإنزال بري وأنهم سيغتصبونهن في حال فكّرن في الخروج، كان الطيران الأمريكي يقصف وكان الأمراء حسب شاهِدتنا، يطلبون من النساء والأطفال الخروج أمام المنازل حتى يراهم الطيارون ولا يقومون بقصفهم وهذا يعني استخدامهن كدروع بشرية لحماية الإرهابيين، لم تستطِع أيُّ واحدةٍ الفرار حسب محدثتنا وهذا لكون معظم النساء المتواجدات يحملن الفكر المتطرف، كان ممنوعا التفكير في الهروب أو الإفصاح عن تلك الرغبة لأي واحدة خلسة، لأنها ستخبر الجميع وستعاقب صاحبته، مثلها مثل تلك التي دُفنت وهي حية أو تلك التي تم إغراقُها داخل خزانات المياه، وغيرها من الحالات التي كانت أم حذيفة شاهدة عليها، وشاهدة أيضا على الأحزمة الناسفة التي كانت متوفّرة بكثرة، هنا طرحتُ عليها سؤالا: "هل ترتدي النساء الأحزمة الناسفة مجبرات؟"، لتردّ بالنفي وتؤكّد أن النساء الانتحاريات مقتنعات تماما بما يقمن به من "جهاد في سبيل الله؟!" حسب اعتقادهنّ، والجزء الثاني خاصة العربيات ينتحرن خوفا من الوقوع بين يدي الجيش الليبي وتسليمهن مجددا إلى حكوماتهن التي قد لا ترحمهن، لهذا يلجأن إلى التخلص من حياتهن خوفا من التحقيقات الأمنية. تكمل محدثتنا، أنها سمعت تكبيرات الجيش من بعيد ولكونها ليبية عاشت حرب عام 2011 فقد عرفت أنها للشباب الثوَّار وأنه لا مفر ولا نجاة إلا الهروب نحوهم، خلال محاولة النساء فعل ذلك، كان القناص يقتل أكبر عددٍ منهن، وهنا تتذكر مقتل العديد أمامها خاصة الإفريقيات، كما تتذكر ركض النساء بدون أطفالهن، المهم حسبها أن ينجين بأنفسهن حتى ولو تطلب الأمر التخلي عن فلذات أكبادهن. ندمٌ وبكاء، هذا هو حالها اليوم، فقد اكتشفت كذبة داعش، وتضحيته بالنساء والأطفال ورفضه استسلامهن، تنظيم تقول إنه لو كان يحمل ذرة من الرحمة والشفقة لتركهن يسلمن أنفسهن، ولما اتخذ منهن دروعا بشرية تموت ليعيشوا هم، تتذكر أيضا كلمة زعيم داعش أبو بكر البغدادي للمقاتلين التابعين له في المنطقة، والتي قال فيها "أصبروا يا أهلنا في ليبيا إن مصيركم كأصحاب الأخدود"؟! على حدّ زعمه. والصبر بالنسبة لأم حذيفة كان يعني أن يضحى بالنساء والأطفال وأن يموتوا، خاصة بعد ما اكتشفوا أن كل الأمراء المعروفين والقيادات البارزة في تنظيم داعش خرجت رفقة عائلاتها مع بداية المعركة، بعد أن طلب منهم البغدادي ذلك لنقل "الدولة" إلى رقعة جغرافية أخرى، كلمة البغدادي كانت تعني نهاية كل النساء الباقيات تحت الحصار في مدينة سرت. عاشت أم حذيفة ثلاث سنوات مع تنظيم داعش، أنجبت خلالها ولدين، تقول بأنها نادمة على تجربتها غير الموفقة، فقد اكتشفت تنظيما يمارس الخروق من تحرشات واغتصاب وحتى تعاطي المقاتلين لحبوب الترامادول، توبة قد يراها البعض غير مجدية لنساء لم يتم التغرير بهن بقدر ما كُنَّ عن قناعة به.
أم خطاب بين حلم سوريا وحقيقة ليبيا أم خطاب، عيِّنة أخرى لنساء داعش في ليبيا، تدرس الطب، بداية القصة تعود لشقيقتها الصغرى صاحبة ال22 سنة والتي كان لديها ميولٌ تجاه التنظيمات الإرهابية، فقد كانت تحب أسامة بن لادن وأبو مصعب الزرقاوي. تقول أم خطاب إن أختها كانت كثيرة الوحدة والجلوس أمام الانترنت، وفي إحدى المرات طلبتها للحديث معها وأخبرتها أن هنالك "دولة إسلامية" و"خلافة" و"أميراً للمؤمنين" يحكمهم، وتضيف قائلة "طلبت منها من باب الفضول أن تُفهمني أكثر، لأنني كنت إنسانة عادية، وإسلامي وسطي، أصلّي وأصوم وأقرأ القرآن"، تقول محدثتنا إن أختها كانت تُريها شرائط فيديو خاصة بتنظيم داعش، وكيف أنهم "جنود الخلافة" الذين "يحبهم الله!"، على حدّ زعمها، طلبت الأخت من شقيقتها أن تفتح حسابا على موقع تواصل اجتماعي وأن تنضم إلى مجموعة من البنات حتى يشرحن لها أكثر عن هذا التنظيم، تقول أم خطاب إن المجموعة التي دخلتها كان بها خمس فتيات، إحداهن تدرس في كلية الهندسة، واثنتان تدرسان في كلية الطب، واحدة اسمها أم البراء وواحدة تدعى أم عبد الله، وكانت أصغر واحدة فيهن تدعى خولة من مواليد 92، بعد 6 أشهر من الحديث معهن اقتنعت محدثتنا بهذا التنظيم، خاصة وأن الفتيات على الانترنت، كنّ يرسلن إليها مقالات تقول إنها لأبو عبد الله الليبي وآخر يدعى الشيخ الرحيمة، مقالات تدعو ل"الولاء والبراء" لله عز وجل، يعني أن تتبرأ المرأة من كل شيء لا يحكم بشرع الله، في تلك الفترة أرسل التنظيم للفتيات إصدارات تبين حاجته للكوادر الطبية، وأن على المثقفات "النفير" من المكان المتواجدات فيه و"الهجرة" باتجاه "أرض الإسلام" للمساعدة في التخصصات التي درسنها. تقول أم خطاب إن أول من التحقت بداعش كانت أصغر واحدة فيهن وهي خولة، وهذا بمساعدة شقيقها الذي كان يقاتل مع التنظيم في سوريا والذي مهَّد لها الطريق للهروب من بيت الأهل، كانت خولة تتواصل مع الفتيات عبر نفس المجموعة في الانترنت وتخبرهن بكل الإيجابيات التي وجدتها بمنطقة الرقة السورية التي يسيطر عليها داعش، كل ذلك الحديث شجع الفتيات على الخروج من بيت الأهل وهذا بعد أن نسقت أخت أم خطاب الموضوع مع صديقتها أم البراء المتزوجة من مقاتل داعشي، هذا الأخير جلب لهن سيارة إلى باب المنزل ونقلهن إلى منطقة مصراته الليبية بعد أن تخلص من شفراتهن منعا للتواصل مع الأهل، وضعهن الرجل في فندق داخل نفس المنطقة وفي تلك الليلة التقت بهما أم البراء وأخبرتهما أن أهليهما بلغوا مصالح الأمن عن اختفائهما وأنه صار من الصعب حجز تذاكر سفر لهما باتجاه أقرب دولة توصلهما إلى سوريا، أخبرتهما أم البراء بالخطة البديلة وهي إيصالهما إلى مدينة سرت الليبية معقل تنظيم داعش، وهذا للقاء أختها المتزوجة هناك، على أساس أنها ستتكفل باستخراج جوازات سفر جديدة لهما تمكنهما من الذهاب إلى منطقة الرقة السورية. في نفس اليوم غادرت الفتاتان باتجاه منطقة سرت، حيث تم استلامهما من قبل شقيقة أم البراء، وأخذتهما إلى أحد الفنادق التي وجدتا فيها "أبو عبيدة الأثبجي" أحد شيوخ التنظيم، وزعم الشيخ أنهما قد "ارتدَّتا عن دين الله" لكونهما فكّرتا في الخروج من سرت نحو سوريا، والأولى بالنسبة له هو البقاء ومساعدة التنظيم في ليبيا! فتوى "ردَّة" الأختين كانت تعني الإبقاء عليهما حبيستين إلى غاية البتّ في أمرهما مجددا، تقول أم خطاب إنها وأختها بقيتا لمدة ثلاثة أيام دون أكل، حتى قدوم أم مجاهد التي قدّمت نفسها على أنها المسؤولة عن "المهاجرات"، وهنا بدأ الضغط عليهما للزواج، فكرة لم تقبل بها الفتاتان، فما كان من والي سرت "أبو عامر الجزاوي" إلا إرسال قراره في حقهما وهو تطبيق حكم "التعزير"، أي العزل عن العالم الخارجي حتى لا يُثرن الفتنة بين الإخوة، قرار أبقى الأختين لمدة ثلاثة أشهر حبيستين بين أربعة جدران، عزلة أرغمتهما على الخضوع للأمر الواقع والقبول بعروض الزواج، كان أول عرض لشقيقتها تقول أم الخطاب، من والي سرت أبو عامر، هذا الأخير تم رفضه، لأنه كان سببا في تطبيق "الحدّ" عليهما، لتكون من نصيب شخص آخر يدعى "المسكين"، زواج الشقيقة كان يعني خروجها من حد "التعزير" الذي بقيت فيه محدثتنا لمدة شهر آخر مُنعت خلالها من أي زيارة، وزادت حدة الضغط النفسي عليها لتوافق أخيرا على الزواج من مقاتل داعشي كان اسمه عبد الرحمان التونسي، هذا الأخير طلب منها أن لا تسأل عن عمله ولا علاقاته ولا إلى أين يذهب، تقول أم خطاب إنها اكتشفت خلال ارتباطها به أنه كان يتبع الجهاز الأمني الخاص بوالي سرت، كان غيابُه عن المنزل يفوق الثلاثة أيام أحيانا دون أن تعرف مكانه. .. يُتبع