أزاحت المناظرة التلفزيونية التي جمعت أبرز خمسة مترشحين للانتخابات الرئاسية الفرنسية، ما تبقى من مساحيق التجميل التي لطالما اختفى خلفها بعض المترشحين، في محاولة لمداهنة الأوساط اليمينية المتطرفة في موعد ماي المقبل. وإن لم يسمّ أي من الفرسان الخمسة الجالية الجزائرية باسمها في مداخلاتهم، إلا أنها كانت حاضرة في خطابهم وبرامجهم، من خلال الحديث عن بعض مواصفاتها، مثل الدين الإسلامي والهجرة، اللذين نالا حصتهما من الانتقاد، من قبل مارين لوبان، مرشحة الجبهة الوطنية (اليمين المتطرف)، وفرانسوا فييون، مرشح حزب الجمهوريين (اليمين). مارين لوبان، قالت إنها ستعمل على وقف الهجرة الشرعية وغير الشرعية، وبررت خطتها هذه باستقبال بلادها نحو 200 ألف مهاجر غير شرعي في كل عام، وزعمت بأن هؤلاء (المهاجرين) هم من بين الأسباب التي تركت سبعة ملايين فرنسي يعانون من البطالة. وبالنسبة إلى مرشحة اليمين المتطرف فإن "إمكانيات فرنسا لم تعد تكفي لاستيعاب المهاجرين"، كما استكثرت عليهم الأجور التي يتقاضونها مقابل أتعابهم، وقالت إن "المهاجرين يحصلون على أجور تشكل أضعاف ما يتقاضونه في بلدانهم الأصلية". عداء لوبان المستحكم تجاه الجاليات المهاجرة لم يتوقف عند منع الهجرة الشرعية فحسب، بل تعدى إلى حرمان الجالية المسلمة من أبسط حقوقها الدينية، مثل منع تدريس المواد المتعلقة بالدين الإسلامي في المدارس فضلا عن منع الفتيات من ارتداء الحجاب، وذلك تحت غطاء قانون تكريس العلمانية الذي يعود إلى العام 1905. ومما قالته بهذا الخصوص: "تركنا المجال للمتطرفين الإسلاميين ولابد من وضع حد لذلك. هناك خطرٌ يواجه مجتمعنا إذ لم يكن هناك وجود للبوركيني قبل بضع سنوات في السواحل الفرنسية". مرشح اليمين، فرانسوا فييون، المثقل بفضائح الفساد التي تلاحقه وعائلته، استغل تطرّف بعض المسلمين المعزولين ليهاجم الجالية برمتها بطريقة ماكرة، عندما شكك في اندماج المسلمين في النسيج الاجتماعي لفرنسا، وهو موقف عادة ما يشعر أبناء هذه الجالية بالتمييز رغم أن أجيالا منهم ولدت على التراب الفرنسي، ويفترض أنهم يتمتعون بكافة الحقوق التي يتمتع بها غيرهم من الفرنسيين. خطاب فييون تضمن أيضا العديد من النقاط التي أثارت حفيظة المسلمين، مثل مراقبة عمل الأئمة وإخضاع تكوينهم لأجندة تعدها الحكومة الفرنسية، وكذا تشديد الرقابة على تمويل بناء المساجد وخطب الجمعة، بداعي محاربة التطرف. أبرز مدافع عن الجاليات المهاجرة والمسلمة على وجه التحديد، كان مرشح أقصى اليسار، جون ليك ميلونشان، الذي كان أكثر إقناعا، عندما قال إن "الظروف هي التي دفعتهم إلى الهجرة وليس المتعة"، وضرب مثالا باليونانيين والإسبان الذين فروا من بلادهم والتحقوا بفرنسا بحثا عن آفاق أرحب، كما قال. ميلونشون رافع لأجل الحفاظ على حقوق المسلمين في بلاده، وفي مقدِّمتها حرِّية الاعتقاد، ورفض بشدة توظيف العلمانية كحجة لاستهداف المسلمين ببساطة لأنهم فرنسيون، وهاجم لوبان قائلا: "أنت بخطابك هذا تقسّمين الفرنسيين إلى قسمين، ولا يمكن منع أي طائفة من ارتداء الزي الذي يناسبها". المرشح الأوفر حظا للفوز بسباق الإيليزي، إيمانويل ماكرون، كان صارما بدوره في الرد على لوبان بخصوص الدين الإسلامي، ورد عليها: "لن نقبل بإجبار أي مسلمة على عدم ارتداء الحجاب"، واتهم مرشحة اليمين المتطرف بزعزعة استقرار المجتمع الفرنسي من خلال تفكيك نسيجه، الذي يضم نحو أربعة ملايين مسلم، ومحاولة تصويرهم على أنهم أعداء للجمهورية الفرنسية.