أفضت الانتخابات التشريعية إلى ما كان يراد لها بإعادة تأهيل حزبي السلطة الجبهة والتجمع بأغلبية مريحة في البرلمان القادم (164 و97 مقعدا أي بأغلبية تفوق 56%) مع إعادة انتشار متوقعة لبقية المقاعد بين أحزاب إسلامية وعلمانية وأحرار، يراد تأهيلها لقيادة المعارضة مع فسيفساء متنافرة من الحضور الحزبي بمقعد أو مقعدين لعشرات الأحزاب المجهرية. من جهة الرهانات، تكون السلطة قد استفادت من الإقبال النسبي المتواضع (38,25 (% الذي ضمن لها حضور الكتلة الانتخابية التقليدية من النساء والشيوخ والمتقاعدين، خاصة في الأرياف والولايات الداخلية، فيما تكون أحزاب المعارضة قد افتقرت إلى الزخم الشعبي الذي كان سيقلِّب الطاولة لو أنها نجحت في توجيه خطابٍ مُقنع للشباب الحاضر بغيابه في هذا الاستحقاق. ومع أن جبهة التحرير قد حافظت على الريادة إلا أنها فقدت 56 مقعدا قياسا مع تشريعيات 2012 فيما كسب التجمع الوطني الديمقراطي 29 مقعدا إضافيا سوف يعزز حضوره في الحكومة القادمة، ولم تستفد الأحزاب الكبيرة في المعارضة مما فقدته جبهة التحرير من مقاعد وحافظت على مستوى قريب من نتائجها في تشريعيات 2012 مع تراجع كان واضحا عند حزب العمال الذي فقد سبعة مقاعد في حين خسر الأفافاس ستة مقاعد. غير أن إعادة الانتشار تكون قد خضعت لكيمياء معقدة ظاهرها فيه الرحمة وباطنها من قبله العذاب، فالتجمع الوطني لم يكسب كثيرا من تراجع حصة الآفلان الذي يستطيع بلغة الأرقام تشكيل أغلبية بإشراك حمس والأفافاس وكتلة الأحرار، فيما لا يستطيع التجمُّع الحكم دون مشاركة جبهة التحرير لو أراد الانفتاح على بقية الكتل الحزبية. ومن جهة المعارضة، لن تسمح لها التشكيلة الجديدة بخلق تحالفات وازنة مع تقسيم متوازن للمقاعد بين الأحزاب الإسلامية والأحزاب العلمانية التي لا تملك أدنى فرصة لتأليف قلوب العشرات من النواب الممثلين للأحزاب المجهرية، كما ليس بينها ألفة عقائدية أو برامجية قد تستأنس إليها للمبادرة إلى اقتراح التشريعات كما يسمح به التعديلُ الدستوري. نحن إذن أمام تشكيلةٍ برلمانية متحكّم فيها مسبقا، حتى مع بداية العمل بالصلاحيات الجديدة التي منحها التعديل الدستوري للبرلمان، ولن تعيق عمل الحكومة مستقبلا، كما أنها ضبطت التنافس على رئاسة الحكومة بين الجبهة والتجمع التي فصل فيها التعديل لصالح الحزب الفائز بالأغلبية ما لم يكن للرئيس رأيٌ آخر. وفي الجملة، فإن هذا الاستحقاق الذي كانت تراهن عليه أحزاب المعارضة لتحقيق نقلة نوعية لم يأت بجديد يذكر حيال موقع المعارضة التي عوقتها نسبة المشاركة المتراجعة بنسبة 4% عن النسبة المسجلة في 2012 كما أعاقها حضور الأحزاب المجهرية ولو بمقعد أو مقعدين، كما لم تستفد الأحزاب الداعية إلى المقاطعة من النتيجة التي لا يمكن استغلالها إعلامياً أكثر من أسبوع. بقي أن نسجِّل أن هذا الاستحقاق هو الأول الذي كان مفتوحا أمام الشباب المولودين سنة 1999 مع بداية العهدة الأولى للرئيس، والظاهر أنه لا السلطة ولا المعارضة استطاعتا إقناع هذه الفئة العمرية بالمشاركة ليكون هذا العزوف نقطة سوداء يفترض أن تعالجها السلطة والأحزاب قبيل حلول موعد رئاسيات 2019.