الاستحقاق التشريعي الذي أفضى إلى فوز عريض لجبهة التحرير كشف في المقابل عن تراجع كبير في القواعد الانتخابية للأحزاب الكبيرة، بكلي عليها مراجعة في أدائها وقياداتها وبرامجها والنزول مجددا إلى الأرض لإعادة بناء الثقة من المواطن الناخب. الاستحقاق التشريعي الذي أفضى إلى فوز عريض لجبهة التحرير كشف في المقابل عن تراجع كبير في القواعد الانتخابية للأحزاب الكبيرة، بكلي عليها مراجعة في أدائها وقياداتها وبرامجها والنزول مجددا إلى الأرض لإعادة بناء الثقة من المواطن الناخب. النتائج التفصيلية التي أفضت إليها تشريعيات 2012 جاءت بحقائق صادمة لقيادات الأحزاب المشاركة في الاستحقاق يفترض أن تخضع للتحليل الموضوعي عند الأحزاب المنهزمة كما عند التشكيلات الفائزة، لأنها تقدم صورة قريبة من الواقع لما هي عليه اليوم الخريطة الانتخابية وموقف الكتلة الانتخابية من المسار التعددي ومن القوى السياسية التي تنشط داخله. كما أن النتائج، ومع سلامة العملية الانتخابية مما كانت تتهم به في السابق، تملي على البرلمان القادم إعادة النظر في قانون الانتخابات، وتحيدا في التداعيات المستقبلية لنظام الاقتراع النسبي على القائمة الذي وإن كان قد سمح بإحداث تنوع كبير داخل البرلمان بوجود أكثر من عشرين حزبا، إلا أن نظام توزيع الأصوات، وبشكل خاص توزيع أصوات القوائم التي لم تحصل على نسبة خمسة في المائة، أحث وسيحدث في الاستحقاقات القادمة اختلالات كبيرة، كما يمنه من قياس الإحجام الحقيقية للأحزاب. على المستوى الأول يفترض على جميع الأحزاب أن تتوقف عند التراجع الكبير الحاصل في قواعدها الانتخابية قياسا مع الاستحقاقات السابقة رغم الزيادة الحاصلة في الكتلة الانتخابية وارتفاع نسبة المشاركة. ومن ذلك أن جبهة التحرير الفائز الأول في هذا الاستحقاق بنسبة تقارب 48 في المائة من مقاعد البرلمان قد شهد انكماشا لقاعدته الانتخابية، حيث فقد قرابة النصف قياسا مع تشريعيات2002، التي صوت فيها لصالحه 2.618.003 من بين كتلة انتخابية قدرت وقتها ب17.951.127 ، بينما حصل في الاستحقاق الأخير على 363 . 324 . 1 من كتلة انتخابية تقدر 841 . 645 . 21 مسجل. الحصيلة السلبية كانت أعظم بالنسبة للتجمع الوطني الذي تراجعت قاعدته الانتخابية إلى 057. 524 ناخب، أي بنسبة 5.61 في المائة من الكتلة المشاركة و2,42 قي المائة من الكتلة الانتخابية المسجلة المقدرة ب 21646000 مسجل ومن جهتها فإن الأحزاب المنتسبة للتيار الإسلامي بحاجة إلى تدبر النتائج التفصيلية التي أكدت ثبوت المنحنى العام لتراجع متواصل لقواعدها الانتخابية حتى وإن كان التراجع كان طفيفا قياسا مع استحقاق 2007، لأن الكتلة الانتخابية لأربعة أحزاب إسلامية متواجدة على الساحة تقريبا منذ بداية التعددية لا تتجاوز اليوم 882000 ناخب أي بنسبة 9,94 في المائة من كتلة الأصوات المعبر عنها، وحوالي 4 في المائة من كتلة الناخبين المسجلين. ولن نكون بحاجة إلى استعراض التراجع الحاصل عند بقية التشكيلات الحزبية المشكلة للقطب الديمقراطي العلماني وكثير من الأحزاب التي لم تغادر الخانة الموصوفة بالأحزاب المجهرية التي يفترض أن تغادر المشهد أو تبحث عن قيادات وبرامج جديدة قادرة على استقطاب اهتمام الناخبين. ولعل احتساب أكثر من 047 . 704 . 1 صوت ملغى في الاستحقاق الأخير يمثل نسبة 18 في المائة من المشاركين في الاستحقاق هو أكبر دليل على أن قرابة خمس الناخبين آثروا تلبية نداء رئيس الجمهورية للمشاركة مع تبليغ رسالة واضحة نعبر عن عدم رضاهم بما قدمته الأحزاب من وجوه وبرامج، وقد كانت هذه الكتلة قد احتلت المرتبة الأولى متفوقة على جبهة التحرير بأكثر من 400 ألف صوت، وكان بوسعها أن تصنع الفارق في هذا الاستحقاق لصالح هذا الحزب أو ذلك لو أن التشكيلات الحزبية كانت في الموعد وتعاملت بجدية مع تطلعات الناخبين. وفي الجملة فإن النتائج تملي على جميع التشكيلات الوقوف عندها واستخلاص الدروس وعلى رأسها البحث عن سبل وقف هذا التراجع الحاصل في القواعد الانتخابية الذي هو أخطر من تراجع نسب المشاركة على الحياة الديمقراطية، ويحتاج إلى معالجة تعيد النظر في ممارسة الأحزاب وحاجتها إلى إعادة هيكلة حقيقية والعمل على تشبيب كوادرها وتحديث برامجها بما يتوافق مع تطلعات المواطنين فصلا عن النزول إلى الأرض وإعادة بناء جسور الثقة مع المواطنين يعمل يومي جواري لا يتوقف عند الحملات الانتخابية. وعلى المستوى الثاني من دروس الاستحقاق سوف يكون لزاما على البرلمان الجديد وعلى لحكومة القادمة أن تعيد دراسة النتائج من جهة تأثير نظام الاقتراع على تشكيل مشهد سياسي متوازن، واعتماد تعديلات لبعض مواد قانون الانتخاب ومنها المواد من 84 إلى 87 التي تنظم الاقتراع النسبي على القوائم وتوزع الأصوات. فبقدر ما يحسب للاقتراع النسبي من مزايا تسمح بتنوع المشهد السياسي وإشراك أكبر عدد من الأحزاب والحساسيات، فإن نظام توزيع الأصوات في ظل مشاركة عدد كبير من القوائم الصغيرة التي تقصى حتما بموجب مبدأ إقصاء القوائم التي لا تحصل على نسبة 5 في المائة، إن هذا النظام يحرف المبدأ الديمقراطي ويحرم شريحة واسعة من الناحبين من التعبير الحقيقي عن رأيهم ويصرفه لحساب قوائم لم يصوت عليها الناخب. الاستنتاج الأخير الذي يفترض أن تخرج به الأحزاب البرلمانية هو أن التنوع في المشهد بهذا العدد الكبير من التشكيلات الحزبية بلا هوية سياسية واضحة من شأنه من يضعف المسار الديمقراطي، حتى وإن كان محمودا في الديمقراطيات الحديثة، لكنه يمنع من تشكل أقطاب ذات وزن قادرة على بناء برامج وسياسات تضمن للبلد التداول الآمن على السلطة.