يتحدّث السفير الإيطالي بالجزائر باسكوالي فيرارا، في هذا الحوار مع "الشروق" عن واقع العلاقات السياسية والعسكرية والاقتصادية بين البلدين، وشدّد على أن فضيحة سايبام لم تؤثر سلبا في صورة الشركات الإيطالية التي استمرت بالتواجد في الجزائر. وأوضح الدبلوماسي الإيطالي أن بلاده هي أول شريك اقتصادي للجزائر بمبادلات فاقت 9 ملايير دولار، فضلا عن تطرقه لملف عقود الغاز والتأشيرات والوضع في ليبيا وقضايا أخرى.
كيف تقيِّمون واقع العلاقات الثنائية بين الجزائر وإيطاليا؟ الجزائروايطاليا يرتبطان منذ 2003 بمعاهدة الصداقة وحسن الجوار والتي عملت جيدا كمحرك للعلاقات السياسية والاقتصادية. وفي هذا السياق تم منذ 2007 إطلاق القمة الثنائية بين البلدين، وحاليا نحن بصدد تحضير القمة الرابعة والتي ستكون هنا في الجزائر، ونحن بصدد النظر في أجندة الطرفين، ومن المهم أن نعقدها في أسرع وقت ممكن، ومن المرجح أن تكون هنا في الجزائر بحلول الخريف القادم. وهناك الحوار الاستراتيجي حول القضايا السياسية والأمنية الذي يقوده الوزير مساهل وكاتب الدولة الإيطالي أميندولا والذي تتدخل فيه وزارات الداخلية والدفاع والعدالة والشرطة.
بين البلدين، هناك تعاون في المجال العسكري، هل تضع ايطاليا شروطا معينة لبيع الأسلحة للجزائر؟ التعاون العسكري هو بين المؤسسات والقوات المسلحة للبلدين، وهناك اتفاق إطار بين الطرفين يتضمن أنشطة دورية، ومؤخرا تم التوقيع على مذكرة تفاهم في التكوين لمختلف القوات المسلحة. هناك تعاونٌ أيضا مع الشركات التي تشتغل في القطاع الأمني، وهناك اتفاق لإطلاق شراكة ما بين وزارة الدفاع الجزائرية وشركة "ليوناردو فين ميكانيكا" لمشروع صناعي للحوّامات في سطيف وليس لتصديرها للجزائر وسينتج مئة منها لتكون تحت تصرُّف الجزائر على سبيل المثال من أجل مراقبة الإقليم والحدود. الاتفاق العام وُقع عليه والمشروع يحرز تقدما لتحديد التفاصيل حول هذه الشراكة.
وكيف تقيِّمون التعاون مع الجزائر في إطار مكافحة الإرهاب؟ هذا النوع من التعاون مع الجزائر ممتاز خصوصا ما تعلق بتبادل المعلومات وهي تتم بصفة مستمرة وخصوصا التنبؤ والتحذير بخصوص هجمات إرهابية، خاصة في وضع جد معقد في المتوسط والساحل.
اقتصاديا ماذا تمثل الجزائر بالنسبة لإيطاليا؟ هي تمثل أحد الشركاء الرئيسين على الصعيد الدولي وليس القاري فقط، وإذا لاحظنا حجم التبادلات خلال عام 2016 فهي فاقت 9 ملايير دولار، وايطاليا صارت الشريك الاقتصادي الأول للجزائر وأوَّل مستورِد من الجزائر وثالث ممون لها، وشراكتنا تقليدية كما هو معروف في قطاع الغاز، ولكن أيضا المنشآت الكبرى والمُعدَّات الصناعية. وفي النموذج الاقتصادي الجديد للحكومة الجزائرية لا يمكن فقط القول إن ايطاليا شريكٌ تجاري للجزائر، لكن وجب إقامة شراكة صناعية والاستثمار في الإنتاج المحلي، والفرص هنا متعددة من الطاقات المتجددة والصناعات الغذائية والسياحة، أنا واثق من أن هذه مرحلة جديدة من الشراكة بين البلدين.
شهدت الفترة الأخيرة جدلا كبيرا بخصوص عقود الغاز بين البلدين، وإمكانية وقف ايطاليا لهذه العقود، هل ستواصل فعلا ايطاليا شراء الغاز الجزائري؟ العلاقات بين البلدين تحكمها الروابط بين الشركات التي تعمل في إنتاج وتصدير واستيراد الغاز والبترول، وهناك عقود طويلة الأمد بين إيني وسوناطراك ستنتهي في 2019 وسيتم إعادة التفاوض بشأنها وهذا أمر عادي. لذلك هناك رغبة واهتمام من المؤسسات الإيطالية للمواصلة في هذه العلاقة لشراء الغاز الجزائري، والحكومتان تقومان بدور المسهِّل والشركات هي التي تقيِّم واقع السوق. اعتقد أن هناك إشارات رمزية ولكنها جد قوية وتتعلق ب"إيني" التي عقدت اجتماع مجلس إدارتها في حاسي مسعود وهو ما يعني أن الجزائر تبقى نقطة مرجعية أساسية ل"إيني" في المستقبل. الأمر الثاني أن "إيني" ليست مهتمّة فقط بقطاع الغاز والنفط، لكنها أيضا بتطوير الطاقة الشمسية وقطاع البتروكيمياء والتنقيب عن النفط في عرض الساحل الجزائري.
وهل ايطاليا تفضل عقودا طويلة أم قصيرة لشراء الغاز؟ في الطاقة هناك دائما عقودٌ طويلة المدى نظرا لحجم الاستثمارات والبنى التحتية التي لا تتماشى مع العقود القصيرة، لكن أكرر أن هذا يعود للشركات (إيني وسوناطراك)، وكحكومات نقوم بخلق الظروف المناسبة وأعتقد أنه لا توجد أسباب لعدم مواصلة هذا التعاون في المستقبل.
مشروع أنبوب الغاز غالسي لم ير النور بعد، لماذا هذا الجمود برأيكم؟ لا يمكن القول إنه جمود، لكن المشروع في حالة انتظار (Stand-by)، هو مشروع مهم مرت 10 سنوات على إطلاقه، لكن لا ننسى الأزمة الاقتصادية عام 2008 وتراجع الطلب على الغاز وحدثت أمور كثيرة بعدها. وشخصيا اعتقد أن المشروع له أهمية سواء بالنسبة لإيطاليا أو للجزائر، لأن البلدين مهتمان بإطلاق ربط مباشر للغاز بينهما.
في السنوات الأخيرة كانت هناك عدة حالات لمؤسسات إيطالية متورطة في قضايا فساد في الجزائر على غرار شركة "سايبام"، ألا تعتقد أن صورة المؤسسة الإيطالية تضررت كثيرا في الجزائر؟ عدة حالات.. لا أعتقد ذلك.. والأمر يتعلق بمؤسسة واحدة فقط هي سايبام والعدالة تقوم بعملها بشكل جدي، وقضية في العدالة لا يمكن التعليق عليها. العدالة الإيطالية تتابع القضية بتصميم كبير والقضية تعود لسنوات ماضية والشركة من ذلك الحين تغيرت كثيرا وغيرت طاقمها الإداري وغيرت أيضا من فلسفتها وجعلت الكفاءة والشفافية مرجعين أساسيين في عملها، وسنرى ما ستقوله المحكمة بخصوص هذه القضية. أضيف أيضا أن هذا الأمر لا يتعلق فقط بالشركات الإيطالية، فالقضية بين يدي العدالة لتسليط الضوء عليها ونحن أول من طالب بتسليط الضوء على القضية، لأن الشركات الإيطالية هنا يجب أن تعمل بحرية وهي لها سمعة جيدة سواء من ناحية الكفاءة أو الاحترافية. وشخصيا لا اعتقد أن صورة المؤسسة الإيطالية قد تضررت إذا ما نظرنا خصوصا لتواجد الشركات الإيطالية في المشاريع الكبرى بالجزائر على غرار "إيني" وغيرها.
فرنسا وألمانيا متقدِّمتان على ايطاليا فيما يخص الشراكة في صناعة السيارات في الجزائر، لماذا هذا التأخر الإيطالي، علما وان أول مشروع لسيارة جزائرية كان من المفترض أن يتم بشراكة مع فيات؟ لقد حدثت الكثير من الأمور، وفيات تحولت إلى فيات كرايزلر، ووِجهة اهتمام الشركة تحولت إلى جهة أخرى من العالم (أمريكا)، لكن هذا ليس معناه أن صناعة السيارات الإيطالية غير مهتمَّة بالاستثمار في الجزائر. ومؤخرا حلت هنا بالجزائر مهمة استكشافية ل"فيات كرايزلر" للوقوف على القطاعات التي يمكن إقامة شراكة فيها، كما أن هناك شركة في قطاع الجرارات الفلاحية ببومرداس والشاحنات أيضا (البويرة)، لذلك لا يمكن القول إن ايطاليا غائبة في الجزائر التي هي ثاني أكبر سوق للسيارات بإفريقيا.
محور الهجرة السرية عنابة - سردينيا صار نشيطا منذ عام، هل من أرقام عن عدِّ الجزائريين الواصلين؟ في 2016 وصل أكثر من 1200 جزائري عبر هذا المحور، لكن العدد يبقى محدودا ويدل على أن مراقبة المياه الإقليمية الجزائرية جد فعالة، خصوصا إذا ما قارنا هذا الرقم ب180 ألف مهاجر وصلوا ايطاليا من ليبيا. هي ظاهرة جديدة، لكن تم إدارتها بشكل جيِّد، وحتى عمليات الترحيل تبقى ضعيفة بالنظر إلى العدد القليل للواصلين. بالمقابل الجالية الجزائرية المسجلة في ايطاليا تقدر ب28 ألف شخص وهي مندمجة بشكل جيِّد.
وماذا عن التأشيرات الممنوحة للجزائريين؟ الطلب يتزايد من عام لآخر وفي 2016 قمنا بمعالجة نحو 30 ألف ملف، وحاليا العدد بلغ نحو 30 ألفاً، وقمنا بفتح مركزي أدرار وقسنطينة، وصرنا أول مكتب قنصلي ايطالي في شمال إفريقيا، وهناك رغبة في معالجة ملفات التأشيرات بالكيفية الأكثر شفافية في ظل احترام القوانين. نحن قُمنا بتسهيلات فيما يخصُّ التأشيرة خصوصا ما تعلق بآجال معالجة الملفات من تاريخ جمعها في المراكز إلى القنصلية في المعدل هي 5 أيام وفيما يخصُّ تأشيرات رجال الأعمال يمكن معالجتها في يوم واحد فقط، وإجمالا نقوم في القنصلية بمعالجة حوالي 300 ملف.
جزائريون يشتكون من معاملة تمييزية بمطار روما الذي تحوَّل إلى نقطة سواء بالنسبة لهم، لماذا؟ مطار روما في عديد الحالات يعرف تعزيز عمليات المراقبة، ولا يتعلق الأمر فقط بالجزائريين، لكن للمسافرين من قارات عدة، وهي عمليات مراقبة لا تختلف عن تلك المطبَّقة مثلا في مطار الجزائر العاصمة. الأمن أمرٌ ضروري وأنا متفهم عندما يتم تفتيشي حينما أغادر مطار الجزائر، وأنا كسفير لإيطاليا وأنا أتقبل هذا الإجراء من منطلق أن الأمن هو الأولوية رقم واحد، الأمن يتطلب تشديد إجراءات الأمن.
إلى الآن الجزائر مازالت مجهولة للإيطاليين كوِجهة سياحية، لماذا برأيكم؟ اعتقد أن هناك ظروفاً تاريخية والجزائر مرت بمأساة وعرفت كيف تخرج منها بحكمة وليس كل البلدان باستطاعتهم فعل ذلك، وفي هذه المرحلة البلاد عاشت نوعا من العزلة على الصعيد الدولي، وفي تلك المرحلة ايطاليا بقيت إلى جانب الجزائر ولم تتخلَّ عنها. ولذلك كان نوع من الانقطاع من التواجد الجزائري على الصعيد الدولي خلال تلك الفترة، وهذا الأمر تزامن مع بداية العولمة التي صارت أمرا عمليا لبقية العالم. اعتقد أن الجزائر يمكنها الاستثمار في صورة البلاد دوليا والترويج للسياحة والاتصال مثلا بوكالات السياحة الإيطالية للتعريف بالوجهة الجزائرية، وحتى المنشآت صارت متواجدة في الجزائر بمعايير دولية، وعموما الجزائر هي اكتشاف في كل يوم (تاريخ وثقافة ومعالم وطبيعة وغيرها).
ايطاليا كشريك استراتيجي لليبيا، كيف ترى المخرج لهذه الأزمة؟ أريد الإشارة إلى أن ايطاليا بلدٌ شجاع بعد أن قرَّر إعادة السفير إلى طرابلس وهي خطوة تعبر عن الثقة في الشعب الليبي أيضا. أما عن الوضع في ليبيا فنحن جد معجبين بالدور الذي تقوم به الجزائر، خاصة الخطوات المتعاقبة للوزير مساهل للتواصل مع كافة الأطراف الليبية (اجتماع دول الجوار) وهي مساهمة جد مُهمّة. مع الجزائر نتقاسم مبدأ أساسياً لحل الأزمة الليبية وهو أنه لا يوجد حل عسكري، بل هناك حل سياسي من خلال الحوار بين الأطراف الليبية. والحل السياسي يجب أن يتم التوصل إليه من الأطراف الليبية ويجب أن لا يأتي هذا الحل من الخارج وكل هذا المسار تحت إشراف الأممالمتحدة.
ألا تعتقد أن تدخل الناتو في ليبيا كان خطأ فادحا بالنظر لكون ايطاليا تدفع الآن ثمنا باهظا (الهجرة السرية)؟ اعتقد أنه يجب النظر إلى الأمام ولا يمكن تحليل الوضع الدولي بالنظر إلى الخلف، الوضع حاليا في ليبيا كما يعرفه الجميع، وليس من المفيد التركيز على أخطاء محتملة تم الوقوع فيها حتى ولو كانت بنيّة حسنة، وإنما البحث عما يجب القيام به.
هل ستواصل الحكومة دعم تدريس اللغة الإيطالية في الجزائر؟ نحن سعداء بالدعم الذي نتلقاه من الوزيرة بن غبريط، ومنذ 2013 اللغة الإيطالية هي اللغة الثالثة في الثانويات، حاليا هناك 11 ألف تلميذ يدرسونها، ونحو 180 أستاذ جزائري، فضلا عن 20 منحة للدراسة في ايطاليا سنويا، و3 كليات في جامعات البليدة والعاصمة وعنابة بأكثر من 2000 طالب، ونود أن تكون هناك كلية للغة الإيطالية في وهران لتغطية ولايات الغرب. الحكومة الإيطالية ما زالت تساهم في العملية من خلال إرسال الخبراء والتكفل بالأساتذة الإيطاليين في الجامعات لعدة سنوات.
كلمة عن رمضان في الجزائر؟ هذا أول رمضان لي في الجزائر وصراحة أنا معجب بالاحترام الكبير لهذا الركن الأساسي من الإسلام. واعتقد بأنه من المهم اكتشاف مدينة الجزائر مثلا ليلا خلال رمضان والتي تغير وجهها بالكامل، ومن المهم أيضا تخصيص وقت للتفكر والتأمل الديني في عالم صار أكثر توترا وكأنه لا وقت لأي شيء آخر، ولفترة في السنة تغيير العادات أعتقد انه مهم خاصة مع تخصيص وقت للجو العائلي. وخلال هذا العام قررنا الحفاظ على احتفالية العيد الوطني الإيطالي التي تصادف 2 جوان، أي خلال شهر رمضان، وسنقوم بها من إفطار به حليب وتمر وبعدها حفل موسيقي بعد الإفطار.