رغم مرور خمسين عاماً على الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة، إلا أن الأمل بنيل الفلسطينيين حريتهم وإقامة دولتهم المستقلة يبدو بعيداً وضئيلاً، حسب تقرير نشرته وكالة الأناضول للأنباء، الاثنين. ويرى محللون فلسطينيون، أن ذكرى الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية، إبان حرب عام 1967، تأتي والقضية الفلسطينية تمر بأخطر مراحلها، وأكثرها قتامة. وقال هؤلاء المحللون في أحاديث منفصلة مع وكالة الأناضول، إن تحرير فلسطين، لم يعد القضية الأبرز والأهم للفلسطينيين، بسبب أحداث الانقسام بينهم، ولم يعد أيضاً على سلم أولويات المجتمع العربي أو الدولي، كما كان في السابق. وأضافوا إن "أمل استقلال الفلسطينيين من الاحتلال الإسرائيلي، أصبح بعيد المنال في الوقت الراهن". وشن جيش الاحتلال في 5 من جوان 1967، هجوماً على مصر والأردن وسوريا، وتمكن من احتلال شبه جزيرة سيناء، وقطاع غزة، والضفة الغربية، ومرتفعات الجولان. وأطلقت "إسرائيل" على هذه الحرب اسم "الأيام الستة"، فيما عُرفت عربياً ب"النكسة"، أو "حرب حزيران (جوان)". وبدأت الحرب بشن سلاح الجو الإسرائيلي هجوماً على قواعد سلاح الجو المصري. وكان ذلك الهجوم، النقطة الفاصلة بعد ثلاثة أسابيع، من التوتر المتزايد بين "إسرائيل" وكل من مصر والأردن. وامتدت الحرب من 5 إلى 10 جوان، وأدت إلى استشهاد نحو 20 ألف عربي و800 إسرائيلي، وتدمير من 70-80 في المائة من العتاد الحربي في الدول العربية مقابل 2-5 في المائة في "إسرائيل"، وفق إحصائيات إسرائيلية. وترتب على "النكسة"، وفق إحصائيات فلسطينية تهجير نحو 300 ألف فلسطيني من الضفة الغربيةالمحتلة وقطاع غزة، معظمهم نزحوا إلى الأردن، ومحو قرى بأكملها وفتح باب الاستيطان في القدسوالضفة الغربيةالمحتلة. ولم تنته تبعات حرب 1967 حتى اليوم، إذ ما تزال "إسرائيل" تحتل الضفة الغربية، كما أنها قامت بضم القدس والجولان لحدودها، فيما تحاصر قطاع غزة، براً وبحراً وجواً، بعد انسحابها الأحادي منه عام 2005. وصدر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة القرار رقم 242 في نوفمبر عام 1967 الذي يدعوا "إسرائيل" إلى الانسحاب من الأراضي التي احتلتها في جوان عام 1967، لكنه لم ينفذ حتى الآن. وأدت حرب 1967 إلى فصل الضفة الغربية عن السيادة الأردنية، وقبول العرب منذ مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 بمبدأ "الأرض مقابل السلام"، الذي ينص على العودة لما قبل حدود الحرب لقاء اعتراف العرب ب"إسرائيل". وأشار تقرير صادر عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني (حكومي)، في ماي الماضي، إلى أن إسرائيل تسيطر في الوقت الراهن على أكثر من 85 في المائة من أراضي "فلسطين التاريخية"، والبالغة مساحتها حوالي 27 ألف كيلو متر مربع. ورغم قبول منظمة التحرير الفلسطينية الانخراط في عملية السلام، واعترفت بحق "إسرائيل" بالوجود، إلا أن ذلك لم ينجح في إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية. وتوقفت آخر جولات المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية في أفريل 2014، جراء رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي بنيامين نتنياهو، وقف الاستيطان في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة، والقبول بحدود 1967 كأساس للتفاوض. وتسعى سلطات الاحتلال إلى السيطرة على أراضي الضفة الغربية بما فيها القدس، من خلال البناء الاستيطاني. وأعلنت منظمة "مركز ماكرو للاقتصاديات السياسية" (غير حكومية)، أمس (الأحد)، أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة أنفقت عشرين مليار دولار أمريكي على بناء وتوسيع مستوطنات في الضفة الغربيةالمحتلة، بما فيها مدينة القدس الشرقية، منذ عام 1967، حسب القناة الثانية في التلفزيون العبري. ويعتبر المجتمع الدولي الاستيطان في الضفة الغربيةالمحتلة مخالفاً للقانون الدولي، وتعده العديد من الدول عقبة رئيسية أمام التوصل إلى حل للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي، لكنه استمر في ظل كل الحكومات الإسرائيلية. وحسب إحصائيات حقوقية إسرائيلية، فإن عدد المستوطنين في الضفة الغربية (بما فيها القدس) يزيد عن 600 ألف، ويعد وجودهم مصدر احتكاك وتوتر مستمر مع 2.6 مليون فلسطيني. كما تحاصر "إسرائيل" قطاع غزة، منذ فوز حركة حماس في الانتخابات البرلمانية عام 2006، وهو ما تسبب بتفشي الفقر والبطالة، وتردي الأوضاع المعيشية، ناهيك عن شنها لثلاث حروب مدمرة على القطاع أعوام 2008-2009 و2012 وأخيراً العدوان الكبير في 2014. المرحلة الأسوأ ويقول الدكتور مشير عامر، الكاتب والمحلل السياسي، إن "القضية الفلسطينية مرت بمراحل صعبة كثيرة على امتداد فترة الصراع، إلا أنها الآن في أسوأ مراحلها، نتيجة الانقسام الفلسطيني بالدرجة الأولى". وأضاف للأناضول: "هناك حالة تشتت في الجهود الفلسطينية الرامية للتحرير، وبالمقابل المشروع الاستيطاني الإسرائيلي مازال ماض قدماً في تحقيق أطماعه والتوسع بشكل كبير في الأرض الفلسطينية". واستدرك قائلاً: "نمر اليوم من مأزق إلى آخر أكبر منه، فقطاع غزة يتعرض لحصار محكم، وفي الضفة التي تشهد مواجهات مستمرة مع الاحتلال وتوسع كبير في الاستيطان، وهجمة على مدينة القدس". ويرى عامر بأن تحسن العلاقات بين "إسرائيل" والدول العربية، في الآونة الأخيرة، زاد من سوء وضع القضية الفلسطينية. وتابع: "أصبح هناك علاقات جيدة بين دول الإقليم وإسرائيل، وهذا على حساب الشعب الفلسطيني". واتفق المحلل السياسي، وأستاذ الشؤون الإسرائيلية في "أكاديمية فلسطين للعلوم الأمنية" في غزة، ناجي البطة، مع سابقه، وقال: "نحن نعيش أسوأ الحالات التي مرت بها قضية فلسطين في تاريخ الصراع". ويرى البطة أن الفترة المقبلة، ستكون "قاتمة ومظلمة". وتابع: "ما يزيد الأوضاع سوءاً، أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يتبنى الرواية الإسرائيلية، وينصر إسرائيل في كل حالاتها". بدوره، يقول الدكتور وليد المدلل، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الإسلامية، في غزة، إن قضية فلسطين "تمر بمنعطف خطير جداً وغير مسبوق، له أشكال متعددة، متمثلة في الأطراف الدولية والنظام الإقليمي والفلسطيني". وأضاف للأناضول: "حالة الانقسام الفلسطيني تعيق أي حالة نهوض، فلا يمكن طلب المساعدة من الغير، والمجتمع مفكك". ويسود الانقسام السياسي أراضي السلطة الفلسطينية، منذ منتصف جوان 2007، عقب سيطرة حماس على قطاع غزة، بينما بقيت حركة فتح تدير الضفة الغربية، فيما لم تفلح جهود المصالحة والوساطات العربية في رأب الصدع بين الحركتين. وأكمل المدلل: "أصبحت فلسطين في آخر سلم أولويات الدول العربية، نتيجة للظروف الراهنة غير المستقرة التي تعيشها، ودور الإقليم تآكل وتراجع كثيراً". ويرى المدلل بأن هناك "خطورة لاحقة ستتعرض لها القضية، لأن الموقف العربي أصبح متحالف مع إسرائيل". ولفت إلى أن إنهاء الانقسام، وتوحيد الصف الفلسطيني، وتحقيق الوحدة الوطنية، من شأنه أن يحقق نتائج إيجابية للفلسطينيين.