ألزم الوزير الأول عبد المجيد تبون، كل القطاعات الوزارية المعنية بملف مناطق النشاط والمناطق الصناعية، بمن فيهم الولاة، بإعداد مقترحات لضبط دفتر شروط جديد، يحدد كيفيات إنشاء وتهيئة وتسيير المناطق الصناعية، في وقت سيقطع دفتر الشروط الجديد "رقاب" العديد من المستفيدين عن طريق المحاباة والمحسوبية، كما سيؤدي إلى فسخ مئات عقود الامتياز التي لا تتطابق مع مضمون دفتر الشروط الجديد. قصة استحداث مناطق صناعية جديدة في الجزائر، التي ارتفع عددها من 33 منطقة صناعية عند بداية عمل حكومة الوزير الأول السابق عبد المالك سلال إلى 50 منطقة صناعية لدى مغادرته، شغلت فضاء واسعا، وأحدثت ضوضاء كبيرة من دون أن تحقق المردودية الاقتصادية أو الأهداف المرجوة من إنشائها، ورغم أن الموضوع ظل حاضرا ضمن بنود وتدابير قوانين المالية للسنوات الثلاث الأخيرة، إلا أن المشروع بقي يراوح مكانه، غارقا في "وحل" المشاكل التي لم تجد معها نفعا العديد من الآليات، فبداية من الحق في الامتياز الذي استغله منتهزو الفرص، مرورا بالتخصيصات والاستفادات التي بقيت عقودا مجردة ومساحات شاغرة، إلى قروض خرجت بطلبات تمويل مشاريع وهمية، وصولا إلى "فضيحة" تهيئة وإعادة تأهيل المناطق الصناعية ومناطق النشاطات، وصفقات التراضي التي منحتها الوكالة الوطنية للوساطة والضبط العقاري ضمن هذا السياق، هذه الصفقات التي شكلت سببا مباشرا لقرار تجميد عمليات التهيئة.
72 منطقة صناعية و450 منطقة نشاط من دون جدوى وتحصي الجزائر 72 منطقة صناعية تشغل مساحة إجمالية تقدر ب12 ألف هكتار، فيما تعد كذلك 450 مناطق نشاطات تتربع على مساحة ب17 ألف هكتار، ورغم هذا الكم إلا أن العقار الصناعي ظل دوما يشكل شكوى الصناعيين، الأمر الذي جعل حقيبة الوزير الأول السابق لدى قدومه تحمل مشروعا لإقامة 33 منطقة صناعية، هذا الرقم تنامى مع الأيام وأصبح 49 منطقة صناعية جديدة، فضل أن تنشأ على مرحلتين، المرحلة الأولى يتم خلالها إنشاء 18 منطقة على مساحة ب5 آلاف هكتار، أما المرحلة الثانية فيتم خلالها إنشاء 31 منطقة على مساحة ب8 آلاف هكتار. إعلان الحكومة نيتها في استحداث مناطق صناعية جديدة، جعل الطلبات تتهاطل على المصالح المختصة بالولايات، هذه الطلبات رافقتها تحركات، ووساطات جعلت مئات الهكتارات تذهب بالدينار الرمزي حسب مصادر حكومية، لغير أهلها وبعقود امتياز مدتها 33 سنة، هؤلاء استحوذوا على الأراضي ولم يقيموا مشاريعهم، حيث تشير إحصائيات رسمية أن 60 بالمائة من الأراضي التي منحت للمستثمرين لم يسجلوا بعد مشاريعهم وهناك حتى من حصل على قروض بنكية لتمويل مشاريع "وهمية" بل تحركت آلة المحاباة من أجل التشريع لنقل ملكية العقار، هذا النزيف أرغم سلال على توجيه أوامر جديدة للولاة باسترجاع العقارات غير المستغلة، وتعديل كيفيات منح الحق في الامتياز. كما تم دعم القرار في قانون المالية بفرض رسم عند حدود 3 بالمائة من القيمة الحقيقية للجيوب العقارية غير المستغلة لدفع أصحابها على التخلي عليها، إلا أن كل هذه الإجراءات لم توقف نزيف العقار الصناعي، ولا الفساد الذي طاله فالاعتداءات بالجملة والمحاباة أصبحت تكاد أن تكون لصيقة بكل قرار استفادة أو عقد امتياز.
"خلاف" داخل الحكومة بسبب صفقات التراضي وأمام شكوى الصناعيين والمستفيدين الجدد من وضعية المناطق الصناعية الجديدة والانتقادات التي طالت المناطق القديمة، قررت الحكومة إعادة تأهيل المناطق القديمة وتهيئة الجديدة على حساب الدولة ومن الأموال العمومية، ولأن الملف ملحق بوزارة الصناعة والمناجم، كلف الوزير السابق عبد السلام بوشوارب في 8 ماي 2016، الوكالة الوطنية للوساطة والضبط العقاري ببرنامج التهيئة وإعادة التأهيل، هذه الأخيرة لم تحتكم إلى قانون الصفقات العمومية ومنحت صفقات التهيئة بالتراضي، "للأحباب والأصحاب" الأمر الذي فجر جدلا بين وزراء الحكومة السابقة، بقيادة وزير السكن والعمران يومها عبد المجيد تبون، الذي أدار معركة طاحنة لوقف الصفقات التي كان ينظر إليها على أنها تبديد للمال العام في وقت قطاعات آخرى على رأسها قطاع السكن بحاجة إلى كل "فلس" يخرج من الخزينة العمومية، وأمام ضغط كبير من هذا الأخير، وفضيحة ترتيب المستفيدين من الصفقات، جمد سلال عمليات تهيئة المناطق الصناعية. وحسب مصادر حكومية، فإن قرار رفع التجميد عن المناطق الصناعية وإعادة بعث المشروع سيخضع لدفتر شروط من شأنه حسب مصادرنا أن يطهر القطاع، مثلما طهرت دفاتر شروط ورخص الاستيراد التي وضعها عبد المجيد تبون قطاع التجارة الخارجية، ورجحت مصادرنا فسخ عقود امتياز عشرات المستفيدين الذين كشفت التحقيقات أنهم مستثمرون وهميون وأصحاب مشاريع وهمية، كما سيسقط دفتر الشروط استفادات المحاباة والمحسوبية. ومن بين المقترحات التي سيحملها دفتر الشروط "المقصلة" مراعاة الاستعمال الأمثل والعقلاني للعقار والمتوفر داخل المنطقة الصناعية، وذلك بالاستجابة للاحتياجات إلى جانب بند آخر يتعلق بتوجيه المشاريع الجديدة إلى المناطق الصناعية، في حالة تطابق المشروع مع طبيعة المنطقة الصناعية، والأهم من كل هذا منح الهيئات المسيرة صلاحيات الضبط الإداري، وذلك تحت تصرف الهيئات الرئيسية، منها الوالي حتى تتمكن من القيام بمهمة المتابعة والمراقبة، لوقف نزيف العقار وعقلنة الاستفادة منه، وتوجيهه لصالح المشاريع الناجعة والمردودية الاقتصادية المضمونة.