يكاد الواحد من العقال أن يركب طائرة "إيرباص" مهلهلة، ويطير نحو أعلى قمة في الأسكرام، فإذا نجا من سقوط الأولى، صعد إلى الثانية وألقى نفسه، بعد ما سمع بأن مترشحين في مسابقة توظيف أساتذة، حاولوا الغشّ عن طريق الاستفادة من تسريبات مواضيع المسابقة، ولكم أن تتصوّروا مشروع أستاذ مستقبلي "يطلع" بالغش والتدليس من أجل مزاولة مهنة التدريس! فعلا، لقد فعلها إبليس، ولذلك لم يعد الغشّ في البكالوريا والامتحانات الرسمية، وآثار ذلك على المنظومة "التغبوية" والجامعة وبعدهما مسار التوظيف، سوى ممارسة رياضية لا تختلف كثيرا عن البيلياردو و"الدومينو" ومصارعة "الكاتش"، وعلينا جميعا، بالمحرم والمجرم، والمصلي وتارك الصلاة، أن يدقوا أجراس الخطر، فصعود أساتذة عن طريق التسريبات، يعني ضرب مقوّيات ومقوّمات مدرسة قوية ومنتجة للكفاءة بدل الرداءة! كتب قارئ معلقا: ماذا بقي من قيمة للبكالوريا، إذا كان أحد الطلاب يصرح لصديق له أن "البكالوريا نديها ذراع"؟.. يعني يصعد إلى الجامعة "ذراع"، و"يدّي شهادة الليسانس ذراع"، ثم "الماستر ذراع" ثم "الدكتوراه ذراع"، ثم "يدخل يخدم ذراع".. يعني نعيش في غابة "طاق على من طاق". والله، لقد وضع صاحبنا اليد على الدملة وهذه "الهبلة" التي تُبهدلنا جميعا، وتدفعنا رويدا رويدا من السيء إلى الأسوأ، فلم يعد خافيا أو مخفيا أن الكثير من التلاميذ بالمدارس، والطلبة بالجامعات، هم نتاج معلمين وأساتذة امتهنوا التعليم، إمّا بالصدفة أو نتيجة ضرورة ملحة، أو لغياب البديل، عكس أساتذة الزمن الجميل ممّن "علّمهم الجوع والحفى"! نعم، عقلية "ندّيها ذراع"، هي التي أفسدت للودّ قضية بعد ما تكاد تتحوّل إلى "قانون"، وحوّلت الامتحانات الرسمية والمسابقات المهنية، في نظر تلاميذ ومعلمين ومترشحين، إلى "لعبة" الفائز فيها هو "المزهور" و"مول الكتاف" وصاحب "المعريفة"ّ، ولذلك أصبح الغشّ عن طريق التسريبات والفايسبوك "حلال" على نقيض "الكوبياج" بواسطة "الحروز" الذي ظلّ من المحرّمات والموبقات! لا مخرج نجدة سوى تقويم هذا الإعوجاج ووقف "البريكولاج"، فمن الطبيعي أن يتدفّق "مكسورو الأيدي" وأصحاب العقول الفارغة، على الجامعات وبعدها على مناصب التوظيف، فتعمّ الرداءة وتنقرض الكفاءة في مختلف القطاعات والوظائف، ودون شكّ فإن أستاذ اليوم ومهندس اليوم وصحفي اليوم وإطار اليوم وباحث اليوم وطبيب اليوم ومحامي اليوم وإطار اليوم، وغيرهم، هم تلميذ الأمس، فكيف يا ترى يستوي الظلّ والعود أعوج! سندفع الثمن غاليا، لو استمرّ الوضع على ما هو عليه، في المجال المدرسي والجامعي، وهذه هي نتيجة "العتبة" و"الإنقاذ" و"التسريبات" وتقنين الغشّ والتكاسل بالإعادة المستمرة والسهلة للبكالوريا!