سمعنا عن جمالها الكثير لكننا لم نتوقع أبدا أن تكون بتلك الروعة التي وجدناها عليها عند زيارتنا.. إنها البحيرة السوداء أو ما يعرف بالأمازيغية "أڤلميم أبركان".. لؤلؤة طبيعية تترامى على مساحة شاسعة بغابة أكفادو في ولاية بجاية، تعتبر من بين أجمل المناطق الرطبة التي تزخر بها الولاية والجزائر ككل، تغطيها أشجار البلوط والصنوبر العملاقة بشكل رائع ومتناغم وهو ما يضفي عليها منظرا رائعا، وكأنها تبعث دعوة حقيقية للراحة باعتبارها ملاذا للهدوء، لكن المؤسف أنها مازالت تنتظر إلى اليوم قرارا من الدولة لتصنيفها كمحمية طبيعية وطنية بما يحفظ لها خصوصيتها ويضمن تسييرا وحماية أفضل لها من تهديدات تحيط بها. يستمتع الجزائريون من جديد بالسياحة الجبلية التي حرموا منها لزمن طويل لاعتبارات عديدة، على رأسها الأزمة الأمنية التي عاشتها البلاد، لكنهم اليوم بفضل الأمن والاستقرار أصبحوا يجوبون الغابات ويتنافسون على تسلق الجبال، لتكون بذلك البحيرة السوداء مقصدا مهما لمحبي المغامرات الجبلية ومكتشفي الطبيعة العذراء من الذين يبحثون عن الراحة بعيدا عن فوضى المدينة وقلق الحياة اليومية، لما فيها من تنوع بيولوجي فريد من نوعه. وتعد البحيرة السوداء واحدة من بين مجموعة من المناظر الطبيعية أو بالأحرى جوهرة من بين الجواهر الفريدة التي تزخر بها غابة أكفادو التاريخية التي تتواجد على ارتفاع لا يقل عن 1600 متر عن سطح الأرض، حيث تجلب السياح المحبين للطبيعة أكثر فأكثر، وتنكشف هذه البحيرة وسط غابة هي إحدى أكبر الغابات في الجزائر وفي شمال إفريقيا إن لم تكن هي الأكبر، تقع على الحدود بين ولايتي بجاية وتيزي وزو وهي غابة تتشكل أساسا من الصنوبر الحلبي وأرز الأطلس والتنوب النوميدي والبلوط الفلين وغيرها من الأشجار والنباتات النادرة، الغابة تحتوي أيضا- حسب المعلومات التي تحصلت عليها "الشروق" على أنواع عديدة من الحيوانات كالمكاك والذئاب والثعالب والوشق والخنازير البرية والقط البري والضبع المخطط وابن آوى إلى جانب الأيل البربري والسناجب والأرانب البربرية وغيرها كما نجد أيضا بالمكان الكثير من الأبقار التي ترعى لوحدها بكل آمان، مما يعكس ألوانها المتباينة بين الأزرق السماوي والأبيض من السحب والأخضر الغامق من الأشجار المختلفة التي تحيط بالبحيرة من كل الجهات وكأنها تحميها مما يزيد المكان سحرا وجمالا للذين يبحثون عن الهدوء والسكينة تحت ظلال الأشجار. ويقصد البحيرة عشرات العائلات القادمة من مختلف ولايات الوطن وكذا من المناطق المجاورة بحثا عن الراحة والهدوء، بعيدا عن ضجيج المدينة وصخب الشواطئ، ويزداد الإقبال على المكان نهاية الأسبوع، حيث تجد الكثير من العائلات جالسة بمحيط البحيرة وأخرى اختارت التجوال والتمتع بزرقة مياه البحيرة وخضرة أشجار الغابة المحيطة بها. لكن وحتى إن كانت البحيرة مخصصة فقط لمحبي الطبيعة الخلابة بعيدا عن الطفيليين الذين يسيئون لمثل هذه الأماكن القليلة على مستوى الولاية والوطن، لاحظت "الشروق" بعض التصرفات اللا مسؤولة لبعض الزوار الذين يعجزون عن رمي فضلاتهم في الأماكن المخصصة لها فيلقون بها هنا وهناك من دون احترام أدنى المقاييس، مسيئين بذلك إلى المكان رغم عديد اللافتات التي تم تثبيتها من طرف محافظة الغابات بالولاية للتحسيس بأهمية الحفاظ على نظافة محيط البحيرة وغابة أكفادو التي كانت إبان الحرب التحريرية مركزا مهما للمجاهدين وقادة الثورة. إذ من الأولويات البالغة حاليا، ضرورة المحافظة على المكان وحماية البحيرة السوداء وغابة أكفادو ككل من الخطر الخارجي ومن زحف الاسمنت والصيد العشوائي وظاهرة قطع الحطب وتلويث المكان وحمايتها من الحرائق في انتظار إصدار قرارا رسميا يقضي بتصنيف غابة أكفادو بأكملها كمحمية طبيعية وطنية ووضع نظام خاص لتسييرها إذ بإمكان المنطقة أن تتحول إلى وجهة سياحية ذات سمعة عالمية كما بالإمكان أيضا تشييد مراكز رياضية بالمنطقة وبمواصفات عالمية لتحضير الفرق الرياضية بدل التوجه في كل مرة إلى الخارج.