لا تزال قضية اللقاء "غير الرسمي" الذي جمع الوزير الأول، عبد المجيد تبون، بنظيره الفرنسي، إدوارد فيليب، بحر الأسبوع المنصرم، تصنع الجدل سياسيا وإعلاميا، غير أن الجديد في القصية هو وجود تسريبات بهذا الخصوص مصدرها الإعلام الفرنسي الذي كان غائبا في أعقاب "واقعة الماتينيون". فبعد مرور نحو أسبوع عن الحادثة، طبعه الصمت المطبق للصحافة الفرنسية، التي اعتادت الخوض في كل ما له علاقة بالشأن الجزائري، خرج موقع "موند افريك" الذي يملكه "نيكولا بو"، الصحفي والمحقق السابق بيومية "لوموند"، ليتحدث عن كواليس هذا "اللقاء غير الرسمي". يقول المصدر إن الرئاسة الجزائرية كانت على علم مسبق بلقاء تبون فيليب، غير أنها كانت تنتظر دعوة رسمية لبرمجة لقاء رسمي بين الوزيرين الأولين، وهو الأمر الذي لم يحدث، لأن الوزير الأول الجزائري لم ينتظر الضوء الأخضر من قصر المرادية للقاء نظيره الفرنسي، على حد ما أورده المصدر. وكان بيان صادر عن مصالح الوزير الأول، أوردته وكالة الأنباء الجزائرية، أوضح الاثنين المنصرم، أن لقاء تبون بنظيره الفرنسي، كان قد تم بطلب من إدوارد فيليب، بينما كان الوزير الأول الجزائري مارا بالأراضي الفرنسية، في حين ذهبت "تسريبات" أخرى، سبقت هذا البيان إلى التأكيد على أن اللقاء تم بطلب من تبون. تعجّل تبون للقاء الرجل الأول في "الماتينيون"، حسب "موند افريك"، جاء بعد ما تناهى إلى علم خليفة عبد المالك سلال، بأن التقرير الذي أعدته لجنة من الغرفة العليا للبرلمان الفرنسي برئاسة السيناتور سيمون سيتور، كانت قد زارت الجزائر مؤخرا، يتهمه بالإضرار بالمصالح الفرنسية في الجزائر، وهي المناسبة التي اعتبرها تبون -حسب المصدر ذاته- فرصة لا تعوض للتأكيد للطرف الفرنسي على أن خارطة طريق حكومته، لا تستهدف الإضرار بالعلاقات الجزائرية الفرنسية، ولا المساس بالمصالح الفرنسية في مستعمرتها القديمة. ومعلوم أن "اللقاء غير الرسمي" بين تبون ونظيره الفرنسي، أحدث ضجة سياسية وإعلامية كبيرتين، سرعان ما انجرت عنها تداعيات سياسية، تمظهرت من خلال الانتقادات التي استهدفت الوزير الأول، جسدتها ما اعتبر أخطاء تسييرية ارتكبها خليفة سلال، مثل الدخول في صراع مع رجال الأعمال (نزاعه مع رئيس منتدى رؤساء المؤسسات علي حداد)، وعرقلة الاستثمار الفلاحي (إلغاء امتيازات وعقود استثمارية وقعها الوزير الأول السابق)، وتحويل معتمدات مالية موجهة نحو دعم الاستثمار، إلى السكن الترقوي، فضلا عن التدخل في عمل الولاة بتوجيهات شفوية... وسبق للوزير الأول عندما كلف بإدارة حقيبة وزارة التجارة بالنيابة، إثر مرض ثم وفاة الوزير السابق، بختي بلعايب، أن اتخذ قرارات خلفت ارتدادات سياسية بين الجزائر وباريس، ولعل أهمها قرار وقف استيراد التفاح من فرنسا، وهو القرار الذي كان وراء دعوة رئيس منطقة "ألب كوت دازور"، كريستيان ايستروزي، الوزير الأول الفرنسي، الضغط على الجزائر للعودة عن هذا القرار، تفاديا لتضرر المنتجين الفرنسيين، غير أن الرد جاء سريعا من تبون، الذي خاطب إيستروزي قائلا: "يبدو أن ساعة هذا المسؤول (الفرنسي) توقفت في 1962". يشار إلى أن السياسة الخارجية وخاصة العلاقة مع فرنسا، تبقى من الصلاحيات الحصرية لرئيس الجمهورية، وهو الأمر الذي لطالما أكدت عليه الرئاسة في أكثر من مناسبة.