ماذا يمكن أن يقال عن الجريمة الإرهابية البشعة التي ارتكبت أمس بضواحي بومرداس وما سبقها من عمليات إرهابية هنا وهناك عبر الوطن، كيف يمكن وصفها وتصنيفها، وما هو التفسير الذي يمكن إعطاؤه لها في ظل إلحاح السلطات الجزائرية من زمان على أن الإرهاب في الجزائر لم يعد سوى بقايا إرهاب والعدد الباقي من الإرهابيين الناشطين عبر مختلف أنحاء الوطن، لم يعد يتجاوز عدد أصابع اليدين في أسوأ الأحوال!؟ * يجب البحث إذا في زوايا أخرى عن صدر الداء ولم يعد هناك غير وضع هذه العملية في سياق عدد من الأحداث والتطورات الإقليمية والدولية المرتبطة بالظاهرة الإرهابية وبغيرها من السياسات والمواقف السياسية في العالم والعالم العربي وشمال إفريقيا ومنطقة الساحل الإفريقي. * إن هذه العملية تأتي مباشرة في أعقاب صدور بيان عن الخارجية الأمريكية يصنف الجزائر ضمن الدول الثلاث الأولى في العالم الأكثر خطرا في المجال الأمني المتعلق بتفشي واستفحال الإرهاب، وأنها تأتي بعد أيام معدودة من الاعتداء الإسرائيلي على القافلة الإنسانية البحرية التي كانت متوجهة إلى مدينة غزة الفلسطينية لإغاثة سكانها المحاصرين منذ سنوات من طرف إسرائيل ومصر، غذائيا وصحيا، والدور الريادي الذي لعبته الجزائر إلى جانب تركيا في هذا المسعى الإنساني والمواقف التي وقفتها من الاعتداء الإسرائيلي الإجرامي والتي جددت من خلالها مواقفها التاريخية من القضية الفلسطينية والكيان الإسرائيلي وسياسته الإجرامية وإعلان إسرائيل بالتزامن تقريبا أنها تملك أكثر من 2000 عميل للموساد في داخل الجزائر، كما أنها (العملية) تأتي بعد أيام من الإعلان عن الوجود الأمريكي في شمال مالي عبر إنشاء القواعد العسكرية لتعويض المشروع الأمريكي المرفوض من طرف الجزائر والقاضي بإنشاء قيادة أركان أمريكية على الأراضي الجزائرية بدعوى مكافحة إرهاب القاعدة في منطقة الساحل الإفريقي، ثم محاولات الالتفاف العديدة على المواقف الجزائرية من ظاهرة الإرهاب وتعريفاته وتفسيراته ورفض إسقاطه على حركات التحرر ومكافحة الاستعمار، ومن ذلك ما قامت به المغرب منذ أسبوعين من تنظيم ملتقى "كيفيات تطبيق سياسة الأممالمتحدة في مكافحة الإرهاب الدولي".. ولكن بالتعريف الذي وضعته كل من إسرائيل وأمريكا في سبعينيات القرن الماضي بهدف وضع حركات التحرر وعلى رأسها الثورة الفلسطينية تحت طائلة الإرهاب، كما يحاول المغرب اليوم أن يفعله بالثورة الصحراوية وقضية الشعب الصحراوي لإسقاط حقه في تقرير المصير باستعمال منظمة الأممالمتحدة التي اعترفت له سابقا بهذا الحق. * وفي هذا الزخم من الأحداث والمواقف والسياسات والتغيرات التي تكاد تكون يومية والمناورات المتواترة.. هناك حقيقة واحدة ثابتة وهي أن الإرهاب قد أصبح فعلا عابرا للحدود والقارات، ولكن من يستطيع إدخاله بسهولة إلى البلدان والأقطار وتمريره وبسهولة عبر نقاط التفتيش والمراقبة، مهما كانت دقيقة، هما فقط إسرائيل وأمريكا.