تعيش عائلة عطوي، بقرية الطاحونة، ببلدية بين الويدان غرب سكيكدة، أجواء من الفرحة العارمة، وسط سعادة كبيرة، وهيّ تعيش على وقع عودة الوالد "أحمد عطوي" البالغ من العمر 63 عاما، والمختفي منذ 25 عاما، إلى درجة تمّ فيها إعلانه واحدا من مفقودي فيضانات باب الوادي بالعاصمة الجزائر في عام 2001، وإقرار وفاته واستخراج شهادة وفاته أيضا. قصّة واقعية لعائلة تشتت منذ عام 1992، بفعل ظروف قاهرة، ألزمت الوالد أحمد على مغادرة المنزل باتجاه العاصمة الجزائر، بحثا عن عمل يسترزق منه وأفراد عائلته، قبل أن يقرّر البقاء هناك، غير أنّ ظروفا أصعب ومشاكل أكبر، تسبّبت في انقطاع اتصاله مع أفراد عائلته، وتغيبّه لطول هذه المدّة عن بيت العائلة، لدرجة ظنّ فيها الجميع بأنّه واحد من ضحايا زلزال بومرداس، أو فيضانات باب الوادي بالعاصمة الجزائر، ما جعل السّلطات تستجيب لنداء العائلة وتعلنه مفقودا من مفقودي مأساة باب الوادي، وبقوة القانون أصبح الرّجل ميتا بعد مرور خمس سنوات على بلاغ فقدانه، وتمّ تبليغ العائلة بعدها بحكم قضائي يعلن على اعتبار أحمد عطوي متوفيا. غير أنّ أفراد عائلة عمي أحمد، رغم إعلان وفاته ظلّوا في رحلات بحث وتفتيش متواصلة عن والدهم، الذين تركهم صغارا أكبرهم سنّا لا يتجاوز من العمر 12 عاما، ويقول سمير للشروق التي تنقلت إلى منزل العائلة لتشارك عائلة عطوي فرحتهم "أنا اليوم أولد من جديد، تصوّر أنني لم أر أبي منذ 25 عاما، تصوّر بأنني تزوجت وعشت ظروفا قاهرة ومررت بلحظات صعبة ومرّة في الحياة، من دون أن أجد والدي إلى جانبي، وكنت أبكي بداخلي وأتألم بشدّة، عندما تخبرني أحاسيسي بأنّه مازال حيّا، ولكنه في مكان ما من هذا العالم، كنت أريده في أصعب الأوقات التي أمرّ بها، وكنت أريده في أسعد اللحظات التي عشتها، وكنت أبحث عنه عندما أخلو إلى نفسي ليلا، أكلّم ذاتي فتردّ دوما قائلة بأنّ أبي حيّ يرزق، انطلاقا من هنا لم أتوقف عن البحث عن بابا، ولحظة العثور عليه كانت لحظة فارقة في حياتي، أنا اليوم أعتبر نفسي أولد من جديد"، قبل أن يضيف "تصور أولادي دوما ما يسألوني بابا وعلاه ما عندناش جدّنا، وكنت أردّ بأنه غائب وسيعود، والحمد لله ثبت بأنّي لم أكذب على أبنائي، إنها الحقيقة بشكل ما وبرحمة منه سبحانه وتعالى أصبح لأبنائي جدّ، وها أنا اليوم أعيش مع والدي من جديد". ويقول بأنّ خبر العثور عليه، أستقبلته من عند صديق له، يعمل في مطعم بالحميز بالعاصمة الجزائر، يتردّد عليه دائما والدي، وفي يوم من الأيام حدثّه الوالد عن عائلته هنا وبأنّه ينحدر من هذا المكان ولديه عائلة لا يعلم عنها شيئا منذ سنوات التسعينيات، وبمجرّد سماع هذه القصة سارع صديقي للاتصال بي، وفورا لم أتردّد في حمل أخي وابن عمّي وقصدنا العاصمة في ذات الليلة، وفي الصباح كان اللقاء الذي انتظرناه منذ 25 عاما، وعدنا به إلى بيت العائلة هنا في الطاحونة وسط أجواء احتفالية رائعة لم نعشها منذ سنوات، فيما يقول عمّي أحمد بأنّه يحسّ وكأنّه ولد من جديد بعد 63 من عمره، قضّى نصفها مرميا في أكواخ الحميز بالعاصمة، وبأنّه تفاجأ منذ أيام عندما كان يهمّ باستخراج شهادة ميلاده من بلدية الحميز بالعاصمة بملاحظة أسفل شهادة الميلاد كتب عليها "متوفّى"، وعندما سأل عون الحالة المدنية ردّ عليه بأنّ المطلوب في هذه الشهادة مقيدّ بكونه متوفى عام 2009، ما جعله يدخل معركة اجراءات أخرى على مستوى المحاكم ليثبت صحّة وجوده حيا يرزق، وفي غمرة ذلك عثر على هذا الشاب المنحدر من بلدية أم الطوب وروى له قصته العجيبة والغريبة، ومن محاسن الصدف أنّ هذا الشاب صديق حميم لولده سمير، وبتوفيق من الله سبحانه وتعالى عاد لمنزله معززا مكرّما، أين تقيم عائلته لأجله عرسا حقيقيا منذ يومين بقرية الطاحونة ببين الويدان في سكيكدة.