وفتيات مآلهن الشوارع بسبب الشهرية أصبحت الظروف الاجتماعية والاقتصادية بوجه عام تؤثر حتى على الأسرة الواحدة بالنظر إلى انتشار الأنانية وحب الذات واللهث وراء الماديات حتى بين الآباء وفلذات أكبادهم، فقد أضحى راتب الشاب والشابة على حد سواء يحدد نوع العلاقة بين أفراد الأسرة، فهناك من الآباء من طردوا أبناءهم بسبب بطالتهم، أما آخرون فاشترطوا على أبنائهم ذكورا وإناثا دفع أقساط من مصروف البيت كمقابل عن الأكل والمبيت في زمن صار يوزن فيه الشخص بما يملك في جيبه. عتيقة مغوفل آثرنا هذا الموضوع للنقاش وراودتنا الفكرة من الحالة المزرية التي يعيشها أحد شباب الحي الذي نقطن به، كان يبيت كل ليلة أسفل درج العمارة التي نقيم بها، وفضولنا دفعنا ذات يوم لسؤاله (لماذا تبيت هنا كل ليلة ؟) ولم نكن ندر أنه ينتمي إلى أسرة تبرأت منه، ولأجل ماذا لأجل بطالته التي لم يخترها لوحده وإنما الظروف الاجتماعية والاقتصادية للبلاد هي من فرضتها عليه. أسرته تدفعه إلى التشرد والإدمان لم يتجرأ الشاب المسمى(رضا) الذي يبلغ من العمر 28 سنة أن يروي لنا قصته وفضل أن يتكتم عن الموضوع، ولكن ومع إصرارنا بدأ يتحدث عن الأسباب التي دفعته إلى الخروج من منزله أو بالأحرى التي أدت به إلى طرده من بيته، تنهد وقال (لم يحالفني الحظ أن أكمل دراستي فقد كنت شابا طائشا وتوقفت عن الدراسة في مستوى السابعة أساسي، ولم أرض حينها أن أتعلم أية صنعة وفضلت أن أعمل في التجارة الحرة أي (التبزنيس) ظنا مني أني سأجني المال الكثير، ولكن لسوء حظي لم أوفق في مخططاتي وبقيت بطالا كل يوم أتكئ على جدران أتسكع في الشوارع كما يحلو لي، وكانت والدتي هي من تعطيني مصروف الحلاقة والسجائر وكان والدي كلما يطلب مني الخروج للبحث عن أي عمل أرد عليه لا يوجد عمل، كما أني لن أشتغل عند أرباب عمل استغلاليون، إلا أن ثار علي في أحد الأيام وطردني من المنزل في عز فصل الشتاء رغم توسل والدتي الكثير بأن يمنحني فرصة أخرى، إلا أنه لم يرد عليها وصمم على قراره فتوجهت إلى بيتي عمي الذي آواني ليومين إلا أنه طلب مني المغادرة بعدها لأنه خاف من سخط والدي عليه، ولم يرض أي شخص آخر من العائلة إيوائي احتراما لرأي أبي، وهكذا بدأت رحلة التشرد فمرة أبيت في مرش الحي وحين يشتد البرد يأويني أحد الأصدقاء في بيته، أما في فصل الصيف فأبيت في حديقة الحي لأن الجو فيها يكون عليلا، هذه الوضعية جعلتني أعيد النظر في مسار حياتي وبدأت البحث عن العمل إلا ان وجدت عملا عند أحد اللحامين بباب الوادي وأنا الآن اشتغل قمت بإرسال بعض الوساطات لوالدي حتى يصفح عني ويعيدني للمنزل وسط باقي إخوتي ووالدتي التي كنت أستغل أوقات غياب والدي عن البيت حتى أزورها كلما اشتقت إليها، إلا أنه رفض إرجاعي للمنزل لأني وببساطة مدمن مخدرات، تلك السموم التي تعودت عليها من خلال مرافقة أصدقاء السوء وحتى يصفح عني اشترط علي الإقلاع عنها، وهو الأمر الذي دفعني إلى التفكير في العلاج من هذه السموم، وأنا الآن أعمل جاهدا حتى أتخلص منها نهائيا)، بعد أن أتم رضا الحديث عدنا وطرحنا عليه سؤالا آخر والذي كان (هل حقدت على والدك بعد كل ما فعله بك) فأجاب رضا (لا بالعكس رغم أنه لم يصفح عني بعد إلا أني لم أحقد عليه يوما لأنه وبكل بساطة يعلمني كيف أكون رجلا ولو أن أسلوبه قاسٍ إلا أني راضٍ به كل الرضى)، عدنا وسألناه مرة أخرى (عندما تتزوج ويرزقك الله بالأولاد هل ستتعامل معهم بهذه الطريقة فأجابنا رضا (لا مستحيل أن أخرج ابني للمبيت قي الشارع من أجل الراتب لأن التشرد صعب جدا ولا أتمناه حتى لعدوي بحكم ما عانيته عبر الشوارع التي لا ترحم، وقد صدق من قال اسأل المجرب ولا تسأل الطبيب). أب يطرد ابنته من المنزل بسبب المال تركنا(رضا) في حاله وواصلنا البحث عن قصص واقعية لأشخاص آخرين طردوا من منازلهم فالتقينا بالآنسة(لويزة)، التي تبلغ من العمر32 ربيعا متحصلة على شهادة مهندسة دولة في الإعلام الآلي. منزل لويزة العائلي يقع بولاية تيزي وزو وبالضبط بقرية واضية، بعد أن تعرفنا على لويزة بدأت تروي لنا قصتها مع والدها الذي طردها من المنزل بسبب راتبها الشهري، فقالت (كنت أعمل بإحدى المؤسسات الخاصة بتيزي وزو وكنت أتقاضى مرتبا جيدا وهو الأمر الذي جعل والدي يطمع في مرتبي، بالرغم من أني كنت أعطيه 5 آلاف دينار جزائري شهريا كمساهمة مني في مصروف البيت إلا أن هذا لم يرضه، فقد كان كلما يريد المال يطلب مني وكأني بنكا مستحيل أن ينفد وكنت كل مرة أعطيه ولا أرفض له طلبا وألتمس له العذر بأنه والدي وله علي واجب الطاعة، إلا أن الأمر زاد عن حده حين طلب مني ثاني أيام عيد الفطر أن أقرض ابن عمتي مبلغ 20 مليون دينار جزائري حتى يشتري سيارة ويشتغل عليها سائق أجرة، فرفضت الفكرة لأني خفت أن لا يرجع لي ابن عمتي مالي إلا أن والدي أصر على أن أقرضه النقود لأنه وعده بذلك ولن يخلف وعده، ولكني صممت على أن لا أقرض ابني عمتي المال، فشب شجار عنيف بيني وبين والدي انتهى باتخاذ أبي قرار طردي من المنزل وقد كان قراره حاسما لا رجعة فيه بالرغم من التدخلات العديدة التي قام بها أشقائي وباقي أفراد العائلة، ما جعلني أتقدم بطلب نقل إلى العاصمة للمؤسسة التي أعمل بها والذي حظي بالقبول وها أنا الآن أعمل هنا وأقيم بالإقامة الجامعية، بعد أن قدمت لي بعض الصديقات المساعدة ليسمح لي المسئولون بالإقامة في الحي الجامعي إلا أن يفرجها الله علي، طرحنا سؤالا آخر على لويزة (هل تظنين أن علاقتك بوالدك ستتحسن يوما ما وتعود المياه إلى مجاريها)، فأجابت لويزة (بالنسبة لي لقد نسيت أنه يوجد شخص في حياتي اسمه والدي فإن توفي غدا لن أحضر جنازته ولن أترحم عليه أو أقف عند قبره، لأنه جرحني وآلمني كثيرا و تصرفه معي جعل العديد من الأشخاص يشككون في شرفي وهو الأمر الذي لن أغفره لوالدي ما حييت). أولياء يناهضون تلك الأفعال تقربنا من بعض أولياء الأمور لمعرفة رأيهم في الموضوع فوجدنا أن منهم من يمانع القيام بتلك التصرفات باتجاه فلذات الأكباد والتسبب في دفعهم إلى التشرد ووقوعهم في مخالب الإدمان، أو حتى التبرؤ من الفتاة ككائن ضعيف وطردها من المنزل بسبب الماديات وطعن شرف الفتاة، بل وحتى العائلة وحوم العديد من التساؤلات من طرف المحيطين بهم حول أسباب الطرد، وأول من حدثنا كان السيد حمود في العقد السادس من العمر، حين طرحنا عليه سؤالنا كما يلي (هل تطرد ابنك من المنزل إذا كان عاطلا عن العمل أو لا يعطيك من راتبه الشهري؟ فأجابنا (أنا أب لثلاثة ذكور واحد تلميذ ثانوي والاثنان الباقيان بطالان، لذلك فإني أضطر أحيانا لإعطائهما المصروف بل أني أشتري لهما حتى العطر والجال ليتزينا ولم أفكر يوما في طردهما من المنزل لأني أعلم أن الشارع سيضيعهما، بالإضافة إلى هذا فالبطالة اليوم آفة تطال جميع الشباب). لكن رأي السيد بوعلام صاحب 76ربيعا كان مغايرا تماما لرأي السيد حمود، فقد عبر عن رأيه قائلا (أنا عندما كنت في ريعان الشباب كنت أحفر الأرض حتى أحصل على المال وأعيل عائلتي، ولم أعط يدي يوما لوالدي من أجل أن يعطيني النقود لأن هذا يعتبر عارا كبيرا ولن أكون رجلا إذا تصدق علي آخر بالمال، وأنا بكامل عافيتي لذلك فأنا لا أتساهل أبدا مع أبنائي في هذا الموضوع ومن لا يتحصل منهم على قوته بغرق جبينه فلا حاجة لي به ولا أقصد من ذلك الاستيلاء على أموالهم فحسب ولكن من أجل نزع صفة الاتكالية عنهم وتعليمهم الاعتماد على أنفسهم والتشمير على سواعدهم لأجل كسب قوتهم). أما الشيخ عثمان متقاعد فقال إنه أب لأبناء وبنات يعملون ولم تسول له نفسه في يوم طلب أي شيء منهم، بحيث يتركهم يبنون مستقبلهم وأحلامهم ويكتفي بمنحة تقاعده في تغطية حاجيات البيت، واحتار كثيرا للأولياء الذين يجبرون بناتهم وأبناءهم على مصروف البيت، وأردف هذا ليس من شيم الأسر الجزائرية التي يميزها التضامن والتكافل والاتحاد وكما يقال (عيش تسمع وعيش تشوف) وهو عار كبير لحق ببعض العائلات.