زاد دخول التجمع الوطني الديمقراطي، الانتخابات المحلية المقبلة، بقبعة الوزارة الأولى، من حدة التنافس مع الغريم التقليدي، حزب جبهة التحرير الوطني، قبل نحو شهر عن موعد الاستحقاق المقبل. وعلى عكس الانتخابات التشريعية الأخيرة التي خاضها "الأرندي" محروما من امتيازات قيادة الوزارة الأولى (أويحيى كان يومها مديرا للديوان برئاسة الجمهورية)، ومع ذلك حقق فيها اختراقا انتخابيا زعزع عرش جمال ولد عباس في الحزب العتيد، ستخوض القوة السياسية الثانية في البلاد، موعد 23 نوفمبر المقبل معززة بثقل ازدواجية المسؤولية الحزبية والرسمية لمسؤولها الأول. هذا المعطى يكون قد زاد من حدة المخاوف لدى الحزب العتيد، وما عزز من هذه المخاوف، هي المشاكل التي يعاني منها هذا الأخير بسبب أزمة الترشيحات التي تنذر بتمرّد قاعدة واسعة من مناضليه المتذمرين من القوائم المفرج عنها، حيث تتجه شرائح واسعة نحو التصويت العقابي. وموازاة مع هذا، غزت بيوت الأحزاب بعض الإشاعات تحدثت عن تلقي الولاة ل "تعليمات" توجههم نحو تغليب كفة الحزب العتيد في الاستحقاق المقبل، على حساب التجمع الوطني الديمقراطي، وهو تسريب لا يمكن قراءته إلا عبر منفذ واحد، وهو أن "الأفلان" مذعور من احتمال تلقي صفعة في المحليات المقبلة، لاسيما وأن التجارب بينت أن الإدارة عادة ما تنساق تلقائيا وراء الحزب الذي يُعتقد أن له امتداد قوي داخل مصادر صناعة القرار، وهي ممارسة ترسخت لدى بعض الفاعلين فيها (الإدارة) تملقا وتسلقا. وإن كان "الأفلان" يبدو أفضل تموقعا على الورق، بحكم أن رئيسه هو رئيس الجمهورية، إلا أن ذلك ليس كافيا لإسقاط اعتقاد ترسخ منذ سنوات، لأن أويحيى سيخوض الحملة الانتخابية بقبعة الوزير الأول، وهو حضور قد يغطي على رمزية الرئيس، الذي يبقى رئيسا لكل الجزائريين وهو الاعتبار الذي يضعه فوق الخصوصيات الحزبية. وإذا كان الصراع داخل الموالاة يبدو محتدما وعلى أشده بين القوتين السياسيتين الأولى والثانية، فإن المعسكر المحسوب على المعارضة يبدو أنه رفع المنشفة حتى قبل الانتخابات، ويجسد هذه القراءة التصريح الذي صدر عن رئيس حركة مجتمع السلم، عبد المجيد مناصرة، الذي قال فيه إن الانتخابات في نظر الكثير من الجزائريين لم تعد استحقاق وآلية من آليات التداول الديمقراطي على السلطة، بقدر ما أصبحت مرادفا للأزمات، بسبب ما أصبحت تخلفه من "ثغرات في الجدار الوطني". ويمثل هذا الموقف شريحة واسعة من الأحزاب التي تتحرك خارج دائرة الموالاة، والتي تطور خطابها السياسي من الحديث عن مخاطر "العزوف الانتخابي" إلى "العزوف عن الترشح"، وهي ظاهرة بدأت في الانتشار بشكل لافت، وخاصة لدى الأحزاب التي تبدو منذ الوهلة الأولى أن حظوظها محدودة. والبارز في خطاب هذا المعسكر "اليائس" من التغيير عبر الصندوق، هو استمرار توظيف خطابها لبعض العبارات المشككة في مصداقية الانتخابات، على غرار "التزوير"، وهو المبرر الذي ألبسته لعدم تحمس إطاراتها للترشح، بالرغم مما تقدمه من مشاريع سياسية تقول إنها مثالية لمواجهة حاجيات المواطن. أما الطرف الآخر فردوده معلبة وجاهزة ومفادها أن المعارضة لا تزال عاجزة عن جلب الناخب إلى الصناديق.