بين مؤيد ومعارض.. قانون الصحة الجديد يحدث فتنة كبيرة، وفي هذا الملف الذي أعدته الشروق نستعرض لكم آراء الفقهاء والقانونيين والخبراء حول الموضوع. تفاوتت آراء فقهاء الشريعة والمشايخ بخُصوص مشروع قانون الصِّحة المعروض على البرلمان لمناقشته، خاصة في الشق المتعلق ب"تقنين" عملية الإجهاض، خاصة وأن الموضوع أثار حفيظة النواب بلجنة الصحة، المتمسكين بمراعاة الأحكام الشرعية في الموضوع، خاصة وأن بعض المختصّين اعترضوا على الخطوة، متخوفين من فتح الباب على مصراعيه لهذا الأمر الحساس، ما قد يجعل الإجهاض ممارسا وعلى العلن، في وقت أكدت الجهات الرسمية، ومنها وزارة الشؤون الدينية والمجلس الإسلامي الأعلى، أن لجنة الصِّحَة أخذتْ باستشارتهم. بوعبد الله غٌلام الله: رأينا من رأي وزير الشؤون الدينية وتمسّك رئيس المجلس الإسلامي الأعلى، بوعبد الله غٌلام الله في اتصال مع "الشروق"، أمس، برأي وزير الشؤون الدينية، محمد عيسى حول موضوع الإجهاض "لأن الوزارة والمجلس الإسلامي مؤسسة واحدة، ورأيهما واحد في الموضوع" حسب تعبير غلام الله، مؤكدا أن القائمين على إعداد مشروع قانون الصحة استشاروا وزارة الشؤون الدينية قبل إعداد مشروع القانون، وهو ما يجعل أمر تعارض مواده مع الشريعة "أمرا مستبعدا" حسب قوله. ومع ذلك لم ينف محدثنا، أمر عدم استشارة المجلس الإسلامي الأعلى، قبل إعداد مشروع قانون الصحة. عضو النقابة المستقلة للأئمة بشير الإبراهيمي: نخشى ممارسة الإجهاض على العلن وفي المستشفيات ويرى عُضو النقابة المٌستقلة لموظفي الشؤون الدينية والأئمة، الإمام بشير الإبراهيمي، أن ترخيص عملية الإجهاض مرتبط بشروط معينة، ولا تصحُ في الغالب ممارسته دون ضوابط شرعية. ويؤكد المتحدِّث ل"الشروق"، أن الغموض في تقنين عملية الإجهاض وعدم الأخذ بالرأي الشرعي "قد يجعل هذه المسألة الشرعية الخطيرة، سهلةٌ للكثير من الأمّهات العازبات، واللواتي يقدمن على التخلص وإزهاق أرواح أجنتهنَّ غير الشرعية، وهو ما يُعتبر قضية جنائية يُعاقب عليها بنص القانون" حسب قوله، معتبرا بأن التسرٌّع في معالجة هذا النوع من المواضيع الحسّاسة، "قد يفتحٌ بابَا كبيرا للفساد". وحسبه فإنّ عملية الإجهاض التي كانت مٌمارسة في الخفاء وبعيادات سرية، قد تتحول لتمارس على العلن وفي مستشفيات عمومية، إذا لم تحدد الضوابط، مضيفا "الإجهاض يرخص شرعا في حالات استثنائية، ومنها إذا خيف على المرأة من الهلاك، وإذا تأكد أنّ جنينها لا تستقيمٌ حياته...". إمام المسجد الكبير الشيخ علي عية: سأحضر نقاشات لجنة الصحة لتبيان الأحكام الشرعية حول الإجهاض أما إمام المسجد الكبير وشيخ الزاوية العلمية لتحفيظ القرآن والذكر، وعُضو المجلس العلمي، الشيخ علي عية، فتحرّك عن طريق توجيه رسالة للجنة الصحة والشؤون الاجتماعية والعمل والتكوين المهني بالمجلس الشعبي الوطني، الثلاثاء، مدعمة بالأدلة وقول الفقهاء حول مسألة الإجهاض. وفصّل علي عية في رسالته التي تلقت "الشروق" نسخة منها، الأحكام الشرعية التي تمنع والتي تبيح عملية الإجهاض، ومن بعض ما ورد فيها "بعد نفخ الروح في الجنين بعد الشهر الرابع، فلا يجوز إسقاطه أبداً عند أكثرية العلماء، بأيّ حالِ من الأحوال.. أما إذا كان سببا في موتها، فلا بأس بتعاطي أسباب إخراجه، حذراً من موتها، لأنّ حياتها ألزم عند الضرورة القصوى، وهذا بتقرير طبيبين فأكثر ثقات، أن بقاءه يضرها وأن عليها خطراً بالموت". فيما ذهب المالكية - حسب رسالة عيّة - إلى عدم الجواز مطلقا، وهو قول لبعض الحنفية وبعض الشافعية وبعض الحنابلة، إذ لا يجوز إخراج المني المتكون في الرحم ولو قبل الأربعين يوما، وإذا نفخت فيه الروح حرم إجماعا، إذ لا يجوز إسقاط الحمل في مختلف مراحله إلا لمبرر شرعي وفي حدود ضيقة جدا، ولا يجوز إسقاطه خشية المشقّة في تربية الأولاد أو خوفاً من العجز عن تكاليف معيشتهم وتعليمهم أو من أجل مستقبلهم أو اكتفاء بما لدى الزوجين من الأولاد، ونحو ذلك من المبررات غير الشرعية. وبخصوص ضحايا الاغتصاب، يقول الإمام "عليهن أن يجهضن أجنتهنّ، فإن كان ذلك قبل نفخ الروح فهو جائز عند بعض العلماء أما بعد نفخ الروح فلا يجوز لها، فالقول بجوازه مخالف لإجماع أهل العلم على التحريم، ولأنه من قبيل قتل النفس المعصومة". وتلقت اللجنة البرلمانية للصحة، رسالة علي عية باهتمام، موجهة إليه دعوة للحضور إلى البرلمان اليوم بعد الظهر لمناقشة وإثراء الموضوع، حسب تأكيده ل"الشروق". مفتي جمعية العلماء المسلمين الشيخ كمال بوسنة: هذه هي الأحكام الشرعية لعملية وشروط الإجهاض وبدوره، أكد عضو لجنة الفتوى بجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، الشيخ كمال أبو سنّة، "أن الإجهاض بعد نفخ الروح، أي بعد أربعة أشهر من عمر الجنين حرام بالإجماع، فإذا قامت ضرورة تحتِّم إسقاطه لإنقاذ حياة الأم من الموت، بتقرير من الأطباء المختصين الثقات، فعندئذ يجوز الإجهاض بعد نفخ الروح، مراعاة للضرورات، والضرورات تبيح المحظورات، وعملا بقاعدة ارتكاب أخف الضرريْن، وأهون الشرَّين". وأوضح أبو سنة ل"الشروق" أمس، أنه لا يجوز إخراج الجنين أو إسقاطه قبل نفخ الروح فيه، أي قبل الأربعين، في معتمد المذهب المالكي، وأباح العلماء من فقهاء الحنفية إجهاض الجنين قبل الأربعين لعذر شرعي أو ضرورة وتقدر الضرورة بقدرها، وهو المعتمد عندهم، ورجّح بعض العلماء هذا الرأي، وذهب مجمع الفقه الإسلامي في مكةالمكرمة إلى جواز إجهاض الجنين الذي فيه تشوّه، قبل مرور مائةٍ وعشرين يوماً عليه، بشروطٍ، وهي إذا ثبت بتقرير لجنة طبية من الأطباء المختصين الثقات، وبناءً على الفحوص الفنية بالأجهزة والوسائل المختبرية أن الجنين مشوه تشويهاً خطيراً، وأن يكون الجنين غيرُ قابل للعلاج في مستقبل حياته، وأن يوافق الوالدَين على الإجهاض، مثلما قال المتحدث. خيارات الحكومة تفجر الجدل بين خبراء الاقتصاد تحديد النسل خطر على البلاد.. ولكنه يساهم في تحقيق الرفاه للجزائريين! سراي: تحديد النسل سيساهم في تقليص الأعباء المالية للبلاد مصيطفى: نحن مجتمع فتي ونحتاج لشباب تحفظ كاتب الدولة الأسبق للاستشراف والإحصائيات بشير مصيطفى، على قرار الحكومة القاضي بتبني برنامج وطني لتحديد النسل، وهذا بناء على مؤشرات اقتصادية قال إنها ستدخل الجزائر في أزمة يد عاملة في حال تبنيها، بالمقابل وعلى عكسه يرى الخبير الاقتصادي عبد المالك سراي، بأن تحديد النسل سيساهم في تقليص الأعباء المالية للبلاد، وسيحسن من معيشة الفرد الجزائري مستقبلا. اعتبر بشير مصيطفى في تصريح ل"الشروق"، بأن توجه الحكومة نحو تحديد النسل سيؤثر بشكل مباشر على بنية المجتمع الجزائري ، هذا الأخير الذي يعتبر "فتي"، - حسبه - وبحاجة إلى ديناميكية بشرية تساهم في بناء مستقبل البلاد، معتبرا اتخاذ هذا القرار سيتسبب في نقص اليد العاملة في جميع المجالات، سيما وان جل شباب الجزائر الحاصلين على منصب عمل، يشتغلون في الادراة. وتابع كاتب الدولة الأسبق قوله: "سنعيش أزمة مثل تلك التي تعرفها دول الخليج التي تعتمد على اليد العاملة الأجنبية وهذا لسد الفراغ وبناء اقتصادها، مضيفا أن دولة الصين التي يفوق تعداد سكانها مليار نسبة تخلت عن تحديد النسل، وتأكدت مع مرور الزمن بأن ورقة الشباب هي من تسير عجلة الاقتصاد. وبرر بشير مصيطفى خيار الحكومة القاضي بتوجه نحو تحديد النسل بكون ميزانية الدولة عاجزة ويصعب لها تسيير المرحلة مستقبلا،خاصة وان الجزائر متمسكة بحماية الطابع الاجتماعي، والتحويلات الاجتماعية تتطلب مبالغ مالية إضافية،مصرحا "الوضع الحالي يخضع للضغط الديمغرافي "، وعجلة الاقتصاد في البلاد تسير بعجلة بطيئة جدا جعلها تعجز على تلبية حاجيات متجمع وصل عدد سكانه 40 مليون نسمة، وهو رقم صغير مقارنة مع دول أخرى التي فاق تعداد سكانها 100 مليون . وعلى عكسه اعتبر الخبير الاقتصادي عبد المالك سراي، أن توجه الحكومة نحو تطبيق برنامج وطني لتحديد النسل، سيساهم في تخفيض الأعباء المالية مستقبلا، لاسيما وان كل المؤشرات الاقتصادية أثبتت عجز هذه الأخيرة على تحقيق التوافق بين نمو السكان وسير عجلة الاقتصاد الوطني. وأضاف سراي، أن تبنى هذا الخيار يهدف لتقليل من الأعباء المالية، والعمل على تلبية حاجيات سكان الجزائر، وتابع سراي قوله: "طرح هذا البرنامج الاستعجالي في هذا الوقت يؤكد بأن الحكومة وجدت صعوبة في تحقيق التوافق، خاصة وان الأرقام تكشف عن زيادة تقارب مليون نسمة في عدد الجزائريين سنويا. قانونيون يقرأون المواد الخاصة به في قانون الصحة تقنين الإجهاض "جائز" ولا علاقة له بالجريمة المعاقب عليها غشير: التقنين جاء متأخرا ويجب فتح نقاش حول إجهاض المغتصبات دهيم: الإجهاض مباح شريطة عدم مخالفة الشريعة وقانون العقوبات يرى حقوقيون جزائريون بأن تقنين الإجهاض في حالة وجود تشوه خلقي للجنين وكذا تعريض حياة الأم للخطر والذي جاء به مشروع قانون الصحة الجديد، هو أمر مباح وضروري في عدد من الحالات التي تتطلب الإجهاض والتي كانت محل جدل لسنوات بسبب الفراغ القانوني الموجود بهذا الشأن في قانون الصحة وحتى قانون العقوبات، شريطة أن لا يخالف قواعد الشريعة، مطالبين بتوسيع النقاش حول المسألة من خلال إشراك رجال الدين والقانونيين وحتى المختصين في الصحة لتحديد كيفيات تطبيق المواد القانونية في الحالات الخاصة حتى لا تستغل من قبل الشبكات الإجرامية المختصة في الإجهاض. وفي الموضوع، أكد عضو نقابة المحامين بالعاصمة أحمد دهيم في تصريح للشروق أمس، بأن ما ورد في مشروع قانون الصحة يخص الحالات الخاصة، وهو استثناء، حيث يتطلب لتقنين الإجهاض شهادة طبية وتقرير حالة من قبل الطبيب المعالج، وماعدا الحالات المتعلقة بتعرض الجنين لتشوه خلقي وكذا تعريض حياة الأم للخطر، فالإجهاض يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون. وأوضح المحامي دهيم بأن الإجهاض لغرض ستر فضيحة أخلاقية أو عن طريق شبكات إجرامية تقوم بذلك هو جرم يعاقب عليه القاون بموجب المادة 304 من قانون العقوبات والتي تشير في فحواها بأن كل من أجهض أو استعمل مواد غذائية أو أدوية للإجهاض يعاقب من سنة حتى 5 سنوات، وإذا أدى الإجهاض إلى وفاة المرأة الحامل ستكون العقوبة مشددة من 10 حتى 20 سنة، لافتا في السياق بأن قانون العقوبات جاء بشكل عام، والجيد في قانون الصحة أنه حدد الحالات الخاصة التي أثارت اللبس والغموض على مدار سنوات، خاصة أن كثيرا من الأطباء كانوا يخافون من اتخاذ قرار الإجهاض في حالات التشوه الخلقي للجنين بسبب تعرضهم للعقوبة. ومن جهته، يرى الرئيس السابقة للرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان بوجمعة غشير بأن الاجهاض ضروري في الحالات التي ورد ذكرها في مشروع قانون الصحة، مشيرا إلى أن نص القانون جاء متأخرا جدا، لأن هذه الحالات -حسبه- كانت محل جدل منذ سنوات، وأضاف بأنه من الضروري قبل تقنين الإجهاض في حالته الاستثنائية أن تخضع هذه المسألة للنقاش وأن لا يكون مقتصرا فقط على لجنة الصحة، بل يجب توسيع النقاش ليشمل رجال الدين والقانون وحتى ممثلي المجتمع المدني، لأن هذا الموضوع يهم الأسرة والمجتمع. وأوضح المحامي غشير بأن قانون العقوبات جاء بشكل عام، ويعاقب بموجبه كل من ارتكب فعل الإجهاض، وأضاف بأن هناك تخوفا من المؤسسات الصحية الرسمية في بعض الحالات التي تخص التشوه الخلقي بسبب عدم ورودها في قانون الصحة القديم، والتي اقتصرت فقط على تعريض صحة الأم للخطر، مطالبا بعدم أخذ الأمور بحساسية دينية ولا قانونية، ليذهب إلى حد المطالبة بتقنين الإجهاض في حالة حمل الفتاة المغتصبة، حيث أكد غشير بأن المرأة المغتصبة تعاني كثيرا في المجتمع، مشيرا إلى الحالات التي تم تسجيلها خلال العشرية السوداء والتي وجب -حسبه- إعادة النظر في الإجهاض لمثل هذه الحالات الخاصة.