ليس الإجهاض ظاهرة طارئة على المجتمع الجزائري أو على العالم كله، والأكيد أنها وُجدت بوجود الخطيئة. لكن الأمر الذي جعلها تطفو على السطح و تفرض نفسها على يوميات المواطنين، هو لجوء الكثيرات إليها و تخصص الكثير من العيادات الخاصة في القيام بها في سرية تامّة بعيدا عن كل العيون، و هو ما يجعل الإجهاض جريمة سريّة بامتياز، يتستّر عليها الأطبّاء الذين أقسموا عند تخرّجهم بأن يؤدوا عملهم بإخلاص وضمير ويتستر عليها أولياء الضحايا خوفا من الفضيحة. الأرقام الرهيبة التي حصلنا عليها بخصوص الإجهاض، تنذر بانفجار أخلاقي عنيف في مجتمعنا، و تدق ناقوس الخطر بضرورة تدارك الوضع، بتشديد المحاربة القانونية لهكذا ظواهر و تسهيل الزواج و العمل وإعادة الاعتبار للوعي الديني، و إلا انزلقت الأجيال إلى ما لا تحمد عقباه. تحركت مؤخرا جمعيات و أطباء مختصون في أمراض النساء و التوليد للمطالبة بالترخيص للإجهاض، و برر هؤلاء ذلك في يوم دراسي نظم نهاية السنة، بإرتفاع الإعتداءات الجنسية و عدد الأمهات العازبات حيث تشير وزارة التضامن إلى أن أكثر من 10 آلاف طفل يولدون سنويا في الجزائر خارج علاقة الزواج و هو الرقم الذي تقول أوساط إنه لا يعكس الواقع، و لا توجد إحصائيات رسمية عن واقع الإجهاض في الجزائر ، و كان تحقيق ميداني أجراه المعهد الوطني للصحة العمومية قد أشار إلى وجود 697 حالة وفاة أثناء الحمل أو الولادة منها 38 حالة بسبب الإجهاض دون الإشارة إلى طبيعة الحالات التي تم إحصاءها أو إن كانت إجهاضا مرضيا، بينما يكشف تحقيق أعدته مصالح الدرك عن وفاة 78 إمرأة حامل بطرق غير شرعية خضعن للإجهاض، و إحصاء 21عملية خلال 8 أشهر فقط و تم خلال السنة الماضية توقيف عدة أطباء و قابلات متورطون في الإجهاض في الرويبة، قسنطينة، سطيف و العاصمة و شجع الإقبال على إجراء هذا النوع من العمليات، بعض العيادات الخاصة للقيام بها مقابل مبالغ باهضة بعد إجراء ذلك سابقا بعيادات خاصة بتونس، وتبقى الظاهرة مرتبطة بالإعتداءات الجنسية التي تعرف إرتفاعا في السنوات الأخيرة ب 611 ضحية خلال 8 أشهر من السنة الماضية، أغلبهن قاصرات تقل أعمارهن عن 81 عاما. الإجهاض بدون ألم يكلف 01 آلاف دينار يبقى الإجهاض في الجزائر من الطابوهات التي لا تزال تثير النقاش و الجدل حول شرعيتها و موقف الإسلام منها، و إذا كان قد تم الفصل في إجهاض المغتصبات من طرف الإرهابيين سنوات العنف إلا أن الموضوع عاد للنقاش مؤخرا في ظل تزايد عدد حالات الإجهاض التي تؤدي في غالب الأحيان إلى وفيات كما يواجه المجتمع ظاهرة تزايد عدد الأمهات العازبات الذي قدر وزير التضامن عددهن ب3 آلاف أم عازبة، مقابل 10 آلاف طفل غير شرعي إضافة إلى ظاهرة رمي الأطفال حديثي الولادة، حيث عثرت مصالح الشرطة العام الماضي على 66 جثة في ظرف 6 أشهر فقط أغلبهم تعرضوا للقتل خنقا . و يربط مختصون على صلة بالملف ، إرتفاع حالات الإجهاض في السنوات الخمسة الأخيرة بتزايد عدد الإعتداءات الجنسية و الإغتصاب، و تشير تقارير مصالح الدرك الوطني إلى تسجيل حالتي إغتصاب كل 36 ساعة في الجزائر و إعتداءين جنسيا في اليوم الواحد إضافة إلى إنتشار زنا المحارم و يمثل ذلك القضايا المعالجة بناء على شكاوى معلنة.و تلجأ أغلب النساء الحوامل بطرق غير شرعية إلى التخلص من الجنين بالطرق التقليدية قبل أن تستغل بعض العيادات الخاصة الوضع لممارسة الإجهاض مقابل مبالغ مالية تصل إلى 20 ألف دج للعملية التي يقوم بها حسب التحقيقات ممرضون و ممرضات، قابلات و حتى أطباء مختصين بعد أن كانت العديد من الشابات تتنقلن إلى عيادات بتونس لإجراء العملية التي تقدر تكاليفها إجمالا بحوالي 80 ألف دج قبل أن تصبح متاحة في الجزائر، لكن مصادر مطلعة أكدت أنه يتم حاليا تداول أدوية عبارة عن أقراص يتم بلعها وتتناولها المعنية على مرحلتين أو ثلاث و يعرف ب'' الإجهاض الدوائي'' دون ألم لكن السؤال الذي يرافق ذلك يكمن في مصدر تسريب هذا النوع من الأدوية المتوفر فقط في المستشفيات العمومية و لا يباع في الصيدليات ولا يقدم إلا بوصفة من الطبيب المعالج و في حالات معينة فقط، و كانت أجهزة الأمن قد أوقفت شبكة تتاجر بهذه الأدوية التي تعرف تداولا خاصة في الوسط الجامعي حيث أفادت طالبة جامعية تم توقيفها أنها إقتنتها بمبلغ 10 آلاف دج للقرص الواحد ووجدت الشبكات الإجرامية في ذلك نشاطا مربحا . 3 عمليات إجهاض كل شهر و 12 امرأة توفيت خلال 8 أشهر و يفيد تحقيق أعدته الملازم سميرة بلحاج جلول من قيادة الدرك الوطني ، تحصلت ''الشروق '' على نسخة منه ، أنه تم تسجل سنويا في الجزائر 80 ألف حالة إجهاض في الجزائر مقابل 77500 ولادة منها 7 آلاف ولادة خارج مؤسسة الزواج مشيرة إلى أنه في 100 حالة ولادة ، تسجل 10.5 بالمائة حالات إجهاض ، 11.3 بالمائة منها في الوسط الحضري مقابل 9.9 بالمائة في الوسط الريفي و هو مؤشر على تسلل الظاهرة إلى المدن و الأرياف ، ولا توجد في الواقع إحصاءات رسمية أو أرقام عن إجهاض الحوامل خارج الزواج لكن التحقيق يكشف وفاة 78 إمرأة العام الماضي خلال 8 أشهر فقط خضعن للإجهاض لدى قابلات أو أطباء غير مؤهلين في ظروف صحية منعدمة ، و سجلت في نفس الفترة 21 حالة إجهاض غير شرعية بمعدل 3 عمليات في شهر واحد لكنه بنظر رجال القانون الرقم الأسود في الجرائم التي لا يتم التصريح بها إلا في حالات وفاة أو التحقيق عند العثور على بقايا العملية كما وقع قبل أشهر بغابة القادوس بالرويبة شرق العاصمة و تم توقيف المتورطين من بينهم تقني سامي في الصحة ببومرداس و قابلة و إذا كان الإسلام يحرم الإجهاض غير المرضي و يصنفه ضمن جرائم القتل العمدي في القانون الجزائري ، إلا أنه يجري حاليا التفكير في''صيغ '' لمواجهة تفاقم الظاهرة من خلال إعلان مصالح وزارة التضامن التكفل بالأمهات العازبات اجتماعيا و ماديا للتخفيف من قتل الجنين لكن هل هذا هو الحل؟ ! نائلة.ب التكاليف حسب خطورة المشكلة وسن الجنين عيادات متخصصة في الإجهاض بإجراءات سرية ومشددة رغم ان الأطباء يعتبرون الإجهاض تصرفا غير مهني و غير أخلاقي تنهى عنه أخلاقيات مهنة الطب تجد العديد من العيادات الخاصة في الجزائر في ممارسة هذا الفعل مصدرا سهلا وسريعا للربح من خلال قيامها ببعض العمليات غير الشرعية . كانت وجهتنا عيادة بشرق العاصمة معروفة بِسوابقها في هذا المجال، و كانت الطريقة الوحيدة لحمل مسؤولها على الحديث معنا انتحال شخصية حالة تريد الإجهاض بأي ثمن .. دخلنا قاعة الانتظار وأمضينا حوالي نصف ساعة إلى أن دخل الطبيب الذي نفى في البداية انه يقوم بالعملية التي لا تتماشى و مبادئ الطب (...) وبعد إلحاح شديد قرر توجيهنا إلى عيادة أخرى في قلب العاصمة. وفعلا توجهنا إلى العيادة المعنية وكم كانت دهشتنا كبيرة بالنظر إلى عدد الفتيات اللواتي وجدناهن في انتظار موعد لردم الخطيئة. حاولنا بتلقائية النساء وفضولهن التقرب من بعض الحالات التي كانت موجودة والتي تتراوح سنها بين الأربعة عشر و خمسة وثلاثين سنة، وفضلنا الانزواء بإحداهن التي بدا عليها الاضطراب وكانت ترتعش ،في البداية ارتابت منا لكننا طمأناها بأننا نعاني من نفس مشكلتها فعلمنا أنها من مدينة دلس وجاءت إلى العاصمة للتخلص من حملها من صديقها الذي تركها بمفردها تواجه مصيرا مجهولا، وبما أنها لاتريد القضاء على مستقبلها لجأت إلى الإجهاض كحل أخير، وهو حال ''صبرينة''15 سنة التي كانت مصحوبة بأمها، حيث قالت أنها ثالث عيادة تتردد عليها بما أن العيادتين السابقتين رفضتا إجراء العملية لها لأن حملها متقدم (خمسة أشهر). جاء دورنا بعد صبر طويل، إلا أن الطبيبة هذه المرة غاية في اللطف و الأدب تسأل عن الأسباب وعمر الحمل قبل أن تخضع مريضتها إلى الكشف، وللتملص من هذا الأخير أخبرناها أننا نريد التقصي لصديقة لنا وقعت ضحية اعتداء جنسي، فأخبرتنا هذه الأخيرة أن العملية التي لاتستغرق سوى ساعة من الزمن وأنه لابد للمريضة القيام ببعض التحاليل، أما تكاليف العملية فلا تتعدى الأربعين ألف دينار جزائري- أربعة ملايين سنتيم- ولكنها رفضت إعطاءنا أي شيء مكتوب على أن نكون في زيارتنا الثانية مصحوبين بصاحبة المشكلة. غادرنا هذه العيادة باتجاه عيادة غير بعيدة تعمل في استقبالها سيدات من الجنوب الجزائري يعملن مع ثلة كبيرة من الأطباء، وعرفنا أنهم يعتمدون في تحديد تكاليف عملية الإجهاض على عمر الحمل وخطورة المشكلة لدى النساء، فمثلا إذا كان عمر الجنين شهرا تدفع المعنية مليون سنتيم، ويزيد المبلغ كلما تقدم عمر الحمل.. فهل لكم تصور هذا المشهد؟ وعن طرق وسبل التخلص من الحمل فأكد أحد الأطباء الذين حاورناهم أن الإجهاض علميا هو فقدان الحمل قبل الأسبوع الرابع والعشرين من الحمل(أي من بداية الحمل إلى الأسبوع الثاني عشر)، وفي حالة تعدي هذه الفترة تصبح العملية خطرة على حياة المرأة والتي تعتمد أساسا على تقديم جرعات من بعض الأدوية المعروفة بحبوب الإجهاض المتداولة كثيرا في صفوف الجامعيات وتلميذات من الثانوي، كما جربنا في محاولة يائسة الاتصال بمديرية الصحة أو الوزارة الوصية لتزويدنا ببعض الدلائل إلا أنها لاتزال تعتبر هذا الموضوع بطابو'' لا يمكن الخوض فيه. ح.راضية وزارة الشؤون الدينية : الإسلام يحرم الإجهاض تحريما قطعيا .. والإجراءات لا تعنينا ''الاجهاض محرم في الشرع ويعتبر قتلا للنفس بغير حق ، فإن كان بعد النفخ في الروح أي بعد اكتمال أربعة أشهر كفارة صيام شهرين متتابعين، وعليك أيضا دفع الكفارة وتقدر ب 212.5 كيلوغرام من الذهب، وإن كان قبل نفخ الروح فليس عليك كفارة، و لكن عليك التوبة النصوح .. بهذا الجواب استقبلنا الدكتور قسول جلول إطار بقسم الفتاوى لوزارة الشؤون الدينية و إمام مسجد القدس بحيدرة. يقول الدكتور قسول جلول بأن الإسلام يحافظ على نفس الإنسان لقوله سبحانه وتعالى :''من قتل نفسا بغير نفس أو فسادا في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ،ومن أحياها وكأنما أحيا الناس جميعا'' إذن فالإنسان مفضل ومكرم على كل المخلوقات الأخرى. أما فيما يخص الإجهاض خوفا من الفقر أو الظروف الاجتماعية الصعبة فيقول محدّثنا بأن المولى عز وجل يقول''ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق'' وأيضا '' ولا تقتلوا أولادكم من إملاق '' و الإملاق هنا هو الفقر ، حتى أنّ المرأة التي تجهض جنينها ستسأل يوم القيامة لقوله تعالى ''وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت ''فلا يجوز إزهاق نفس مؤمنة ، إلا بحقها أي بحق الله تبارك وتعالى والذي يتحقق بالقصاص. أما إذا أكد الطبيب خطورة الحمل على الأصل وهو الأم، فهنا- يضيف الدكتور قسول- أجاز العلماء إنزال الفرع بمعنى الجنين حفاظا على الأصل (الأم) فالجنين ما دام نطفة فهو جنين بمعنى أنه حي، والله اعلم . فيما يذهب بعض العلماء إلى تحليل إجهاض ما كان قبل 120 يوما من الحمل(أي أربعة أشهر) مستندين فيه إلى حديث الخليفة الراشد علي بن آبي طالب كرم الله وجهه .وعن مسؤولية وزارة الشؤون الدينية في محاربة هذه الظاهرة أكد المتحدث أن واجبها يحتم عليها تقديم النصيحة والفتوى ولا علاقة لها بالإجراءات الميدانية والقانونية لتطويق هذه المشكلة في ارض الواقع. ريم.أ الإجهاض أصبح الوسيلة المفضلة لردم الفضيحة قانونيون: المُشرّع شدد العقوبة والمشكلة في تكتمالضحايا تنص المادة 304 من قانون العقوبات الجزائري: ''أن كل من يُجهض امرأة حاملا أو مُفترضٌ حملها بإعطائها مأكولات أو مشروبات أو أدوية أو باستعمال طرق أو أعمال عنف أو بأية وسيلة أخرى سواء وافقت على ذلك أو لم توافق يُعاقب بالحبس من سنة إلى 5 سنوات و بغرامة مالية من 5 آلاف إلى 01 آلاف و إذا أفضى الإجهاض إلى الموت فستكون العقوبة السجن من 01 سنوات إلى 02 سنة''. أما المادة 305 فقد شددت العقوبة على المتعودين ممارسة هذه العملية حيث تتضاعف الأحكام لتصل إلى السجن الأقصى و المتمثل في السجن المؤبد.غير أنه ورد استثناء من العقوبة في المادة 308 و ذلك حينما تتوجب الضرورة إنقاذ حياة الأم من خطر قد تتعرض له إذا تواصل الحمل. وعن مدى وصول قضايا من هذا النوع إلى المحاكم، يرى الأستاذ تناح سعيد وهو محام لدى المجلس بأنها قليلة جدا، نظرا للسرية التي تحاط بها مما يصعب اكتشافها من طرف مصالح الأمن، وهو يتذكر بأنه ترافع في السنوات الأخيرة بمحكمة الحراش لصالح طبيب يملك عيادة خاصة بعد أن اتّهمه أهل مريضة بمحاولة إجهاضها، وقد قضت المحكمة ببراءته بعد التأكد من أن الإجهاض كان لصالح صحة المريضة. و أكد المحامي تناح أن الجزائريين لا يملكون ثقافة الإبلاغ و هو ما يجعل الوصول إلى المجرمين أمرا صعبا، فالكل يتستر وراء قناع الأخلاق والخوف من الفضيحة. وعن رأيه في تفشي هذه الظاهرة، فيقول إن الأسرة الجزائرية مهددة بالتفكك و الانحلال الخلقي إن تمت مواصلة التكتم، حيث نرى فتيات يحملن بطرق غير شرعية و يلجأن إلى الإجهاض متى أردن ذلك و الواقع الحالي خير شاهد حيث نرى فتيات يحملن و يجهضن عدة مرات، و النتيجة هي إقبال الفتيات على العلاقات غير الشرعية و عدم الخوف من الحمل مادام هناك من يُجري عمليات الإجهاض.. و يشاطره الرأي المحامي بلهادي موسى و هو الآخر محامي لدى المجلس، و الذي أضاف بأنه يجب الإبلاغ كذلك عن العجائز و المواطنين العاديين الذين وجدوا في الإجهاض مهنة يسترزقون منها داخل منازلهم معتمدين على بعض العقاقير و الأعشاب التي أثبتت فعاليتها، مؤكدا الخطر المحدق بالنساء و الذي يصل حد الوفاة أو الإصابة بأمراض خطيرة مستقبلا، دون نسيان الجانب الأخلاقي طبعا حيث ستقبل الفتيات على العلاقات غير الشرعية و لن يصيبهن أدنى حرج أو خوف من وقوع حمل لأنه يوجد من يتولى القيام بعملية الإجهاض و المهم هو توفر المال بشتى السبل، وهنا ندخل باباً آخر و هو الانحراف فيغرق المجتمع في سلسلة من الجرائم المنظمة للعصابات أو جرائم فردية كالسرقات و الاعتداءات و الاحتيال للحصول على المال اللازم لتأمين عملية الإجهاض. نادية سليماني